وبعد أن عرفنا هذا النوع من العمل، فإن علينا -أيضا- أن نختم أعمالنا كلها بالتوبة وبالاستغفار؛ سواء أي قيام هذه الليلة أو غيرها من سائر الأعمال؛ بل نختم -أيضا- عملنا كله بما يدل على تعظيم الله -تعالى-وذكره والثناء عليه، وقد أمر الله عباده بأن يختموا شهرهم بالتكبير في قوله تعالى: { وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } ولعلك أن تقول: ما مناسبة ختم رمضان بالتكبير بعد إكمال العدة؟ فالجواب -والله أعلم- أن الإنسان إذا كبر الله استحضر عظمته وجلاله وكبرياءه وقداسته؛ فاحتقر نفسه، واحتقر أعماله مهما عمل، ولم يُدْل بشيء من أعماله، ولم يفتخر بها؛ فبذلك يكون محلا للعفو ولقبول الحسنات، ولتكفير السيئات، فإذا عرفت أن ربك أهل أن يعبد، وأهل للثناء والمجد، وأهل أن يحمد، وأنك لو عبدت الله بكل ما تستطيعه لما أديت أقل قليل من حقه عليك؛ كما يقول بعضهم: سبحان مـن لو سجدنا بالعيون له على حما الشوق والمحمى من الإبر لم نبلـغ العشر من معشار نعمته ولا العُشـير ولا عشرا من العشـر فنحن إذا أنهينا صيامنا وقيامنا؛ نعرف أن ربنا هو الكبير الأكبر، وأنه أهل أن يكبَّر ويعظم، وأنه أهل للعبادة؛ ولذلك يروى أن العباد -أهل الجنة- إذا حضروا في الجنة وقابلوا ربهم، وبرز لعباده؛ اعترفوا بالتقصير، وقالوا: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك. مهما كانت عبادتك فإنك ستحتقرها. تذكرون الحديث الذي فيه أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: { لا يقول أحدكم صمت رمضان كله، ولا قمت رمضان كله } . يقول الراوي: فلا أدري؛ أكره التزكية أم لا بد من الخلل؟ وكلا الأمرين حق، فإن الإنسان منهي أن يزكي نفسه قال تعالى: { فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ } { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ } تزكية النفس معناه مدحها، ورفع مقام الإنسان نفسه والإعجاب، وقد يكون الإعجاب سببا لإحباط الأعمال. فأنت عليك أن تحتقر نفسك. عليك إذا نظرت إلى الناس واحتقرت أعمالهم ارجع إلى نفسك واحتقرها، ولُمها حق اللوم، وحقر عملك حتى يحملك ذلك على الاستكثار، ولا تعجبن بأعمالك، ولا تقل: أنا الذي صليت، وأنا الذي قمت، وأنا الذي تهجدت، وأنا الذي قرأت، وأنا وأنا؛ فيكون إعجابك سببا لرفض أعمالك. هذا ونحوه من هذه الإرشادات التي يجب على المسلمين أن يعملوا بها وأن يهتدوا إليها، ويحرصوا على استغلالها في مثل هذه الليالي. ونسأل الله أن يجعلنا في هذه الليالي من المقبولين، ومن الموفقين للأعمال الصالحة، وأن يحمينا ويعصمنا مما يغضبه، ومما يوجب سخطه، وأن يجمع كلمة المسلمين، وأن يوحد صفوفهم، وأن يوفقهم للعمل الصالح الذي يحبه ويرضاه، والله تعالى أعلم، وصلى الله على محمد . أسئلة س: يا فضيلة الشيخ: هناك بعض الأسئلة؛ السؤال الأول يقول: ما هي علامات ليلة القدر؟ لها علامات، ولكن قد تكون تلك العلامات خفية؛ لا يطلع عليها إلا بعض الناس، وبعض الخواص؛ فالخواص هم الذين كشف لهم عن علامات واضحة فيها. فكون الشمس تطلع صبيحتها لا شعاع لها؛ هذا قد يدركه العامة، وقد لا يدركه إلا الخاصة؛ هذه من علاماتها؛ هذا سببه في ذلك كثرة الملائكة الذين يصعدون، فإن الملائكة في تلك الليلة أكثر من عدد الحصى؛ فهم في صباحها يصعدون؛ فتكون الشمس لا شعاع لها؛ هذه من العلامات. قيل: إن من علاماتها إضاءتها، فإنه يكون فيها ضوء ونور ولا شعاع، ولكن لا يشاهده؛ لا يحس به إلا من نوَّر الله بصيرته. أما أغبياء الناس فلا يشعرون ولا يفرقون. قيل: إن من علاماتها -أيضا- أن يكشف لبعض الناس عما فيها؛ ذكر ابن رجب في كتاب "لطائف المعارف"، ولعلكم اطلعتموه، أو قرئ عليكم مرارا؛ فإنه يتكرر للطلبة كل عام، ونقله الكتاب الذين كتبوا أخيرا شيئا من العلامات. منها: أن بعض الناس رأى في ليلة من الليالي مصابيح وسرجا في السماء وبابا مفتوحا. يقول: فظننت أنه حيال الكعبة المشرفة؛ فما زلت أنظر إليه حتى طلع الفجر؛ فإذا هو قد غاب؛ فكانت تلك الليلة من الليالي التي ظن، أو غلب على الظن أنها هي ليلة القدر. وذكر علامة ثانية أن في تلك الليلة لا يسمع فيها نباح كلاب ولا نهيق حمر ونحو ذلك، ولعل ذلك من كثرة سكونها لما فيها من الملائكة ونحو ذلك؛ لأن الله ذكر من ميزتها قوله: { تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ } وذكر أن بعض الناس جاء ..يعمل في ليلة القدر؛ يعنى في الليالي، فقال له إنسان: اشتغل، وسأخبرك؛ يقول؛ فلما كانت ليلة سبع وعشرين أتى بي إلى النخل فإذا النخل واضع سعفه على الأرض؛ فقال: لسنا نرى في هذا إلا في مثل هذه الليلة؛ فرجَّح أن تلك الليلة هي ليلة القدر وهي ليلة سبع وعشرين، وذكر آخر أنه دعا في ليلة سبع وعشرين إنسانا قد كان أخرس ثلاثين سنة، فدعا الله وأُطلق لسانه في ليلة القدر... |