قال -رحمه الله- باب ما جاء أن الأعمال بالنية والحسبة، ولكل امرئ ما نوى، فدخل فيه الإيمان والوضوء والصلاة والزكاة والحج والصوم والأحكام. وقال الله تعالى: { قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ } على نيته. نفقة الرجل على أهله يحتسبها صدقة، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- { ولكن جهاد ونية } . حدثنا عبد الله بن مسلمة قال: أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم عن علقمة بن وقاص عن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: { الأعمال بالنية، ولكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه } . حدثنا حجاج بن منهال قال: حدثنا شعبة قال: أخبرني عدي بن ثابت قال: سمعت عبد الله بن يزيد عن أبي مسعود عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: { إذا أنفق الرجل على أهله يحتسبها؛ فهو له صدقة } . حدثنا الحكم بن نافع قال: أخبرنا شعيب عن الزهري قال: حدثني عامر بن سعد عن سعد بن أبي وقاص أنه أخبره: أن رسول الله _صلى الله عليه وسلم- قال: { إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها؛ حتى ما تجعل في فم امرأتك } . هذا أيضا دليل على أن الإيمان تدخل فيه أعمال القلب، فهو بوب على أن الأعمال بالنية والنية من عمل القلب، والحسبة هي الاحتساب. { ولكل امرئ ما نوى } يعني: يعامله الله تعالى على قدر نيته، دخل في ذلك الإيمان الذي في القلوب فإنه على قدر النية. والوضوء إذا غسل أعضاءه بنية رفع الحدث ارتفع؛ وإلا فإنه لا يرتفع إذا غسلها بنية النظافة أو بنية إزالة الكسل والنشاط. وكذلك الصلاة إذا صلى رياء فلا صلاة له، وإن صلى احتسابا قبلت. وكذلك الزكاة إذا أخرجها للرياء والتمدح لم تقبل، وكذلك الحج إذا حج ليمدحه الناس نيته فاسدة، وكذلك الصوم إذا تمدح به فإنه يبطل صومه. وكذلك الأحكام يعني: كل حكم قصد به التمدح ونحوه. فقال الله تعالى: { قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِه } أي: على نيته. وكذلك نفقة الرجل على أهله؛ إذا أنفق نفقة عادية وطلب الاحتساب فيها فإن الله تعالى يثيبه ويجعلها عملا صالحا. وكذلك الجهاد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- { ولكن جهاد ونية } يعني: أن الجهاد لا بد من النية فيه؛ أن ينوي به أن تكون كلمة الله هي العليا. ذكر بعد ذلك حديث عمر بإسناده من طريق مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { الأعمال بالنية } قد تقدم في أول الكتاب: { إنما الأعمال بالنيات } إنما تكون للحصر، ولما جمع الأعمال جمع النيات، وهاهنا أفرد النية يعني: الأعمال معتبرة بالنية التي في القلب، وهناك قال: { وإنما لكل امرئ ما نوى } هاهنا قال: { ولكل امرئ ما نوى } يعني: أن نيته على حسب ما في قلبه له ما نوى، فإن نوى الأجر آجره الله، وإن نوى الرياء فلا أجر له. مثل بعد ذلك بالهجرة، قيل: إن رجلا عشق امرأة يقال لها: أم قيس فهاجر لأجل أن يتزوجها لا لأجل الفرار بدينه، فسمي مهاجر أم قيس . فهو يقول _عليه السلام_: { فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله } يعني: لطلب الأجر ولأجل الفرار بدينه من الفتن، { فهجرته إلى الله ورسوله } وأجره على الله، { ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها } أي: مصلحة دنيوية كوظيفة أو تجارة، { أو امرأة يتزوجها } لأجل أن يتزوجها وتحصل له كزوجة، { فهجرته إلى ما هاجر إليه } أي: هجرته إلى الدنيا، أو إلى المرأة ليست هجرته هجرة إسلامية. بعد ذلك ذكر حديثا عن أبي مسعود البدري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: { إذا أنفق الرجل على أهله } يعني: على زوجته وعلى أولاده، { يحتسب هذه النفقة } يطلب الأجر فيها، { فنفقته صدقة } ولو كان أمرا عاديا، ولكن مع النية الصالحة يثيبه الله. ذكر بعد ذلك قطعة من حديث سعد بن أبي وقاص فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- له: { إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها، حتى ما تجعل في في امرأتك } يعني: حتى ما تطعم زوجتك إذا كنت تبتغي بها وجه الله فلك أجر على ذلك. |