(عمل الحاج في المسجد الحرام ) س: إذا فرغ مريد الحج أو العمرة من أعمال الميقات، وتوجه إلى المسجد الحرام فماذا يشرع له أن يفعل هناك؟ - إذا وصل إلى المسجد الحرام فإنه يسن له أن يدخله متطهرا، مقدما رجله اليمنى قائلا: أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم، بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله اللهم افتح لي أبواب رحمتك، ثم يتوجه إلى الكعبة ويضطبع. س: وما صفة الاضطباع؟ صفه الاضطباع أن يجعل وسط ردائه في إبطه الأيمن، وطرف ردائه الأيسر على عاتقه الأيسر من الخلف، وطرف ردائه الأيمن على عاتقه الأيسرمن الأمام، وبذلك يكون عاتقه الأيمن مكشوفا، والأيسر مغطى بطرفي ردائه. والاضطباع خاص بالرجال، أما النساء فلا يضطبعن إجماعا. س: ثم ماذا يصنع بعد ذلك؟ يستقبل الحجر الأسود، ويستلمه بيمينه. س: وما معنى الاستلام هنا؟ معناه مسحه بباطن الكف اليمنى، ثم يُقبله إن تيسر له ذلك وإلا فيشير إليه بيده، وليحذر من مزاحمة إخوانه المسلمين؛ فإن المزاحمة من الإيذاء الذي نهى عنه الشارع الحكيم. نعم. هناك وصية عظيمة من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعمر رضي الله عنه في هذا. أجل فعن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي- صلى الله عليه، وعلى آله وسلم- قال له: { يا عمر إنك رجل قوي لا تزاحم على الحجر؛ فتؤذي الضعيف إن وجدت خلوة فاستلمه، وإلا فاستقبله فهلل وكبر } وقد أحسن من قال: قـف واستلم ركـنا لأشرف مـنزل واخـضع وذل تفــز بكـل مؤمـل يا أبا البراء افتح كتابك، واقرأ من أحاديث الفضائل؛ فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حدث عن الحجر الأسود والركن اليماني والمقام كثيرا. أفعل إن شاء الله. قال المصنف رحمه الله: ومما صح عنه-صلى الله عليه وسلم – في ذلك { أن الحجر الأسود أنزله الله تعالى من حجارة الجنة، وكان أشد بياضا من الثلج، ثم اسود من خطايا بني آدم } وفي هذا عبرة للمعتبرين؛ إذ أثرت الذنوب في حجر صلد، فكيف يكون أثرها على القلوب؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { لولا ما مس الحجر من أنجاس الجاهلية ما مسه ذو عاهة إلا شفي } . وقال صلى الله عليه وسلم: { إن الركن والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة، طمس الله نورهما ولو لم يطمس نورهما لأضاءتا ما بين المشرق والمغرب والحجر الأسود يأتي يوم القيامة له عينان يبصر بهما، وشفتان ولسان ينطق به يشهد يوم القيامة لمن استلمه بحق } . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { إن مسح الحجر الأسود والركن اليماني يحطان الخطايا حطا } . والمستحب في تقبيله أن يكون بدون صوت، وأن يقبله، ويسجد عليه، وذلك بوضع جبهته على الحجر، ولما حج أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- جاء إلى الحجر الأسود وقبله، ثم قال: إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقبلك ما قبلتك. انظر لنا يا أبا مصعب ماذا قال: سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله تعالى- في المزاحمة عند استلام الحجر؟ فإنا نرى كثيرا من الناس يزاحمون ويؤذي بعضهم بعضا. قال رحمه الله عن الذين يزاحمون الناس: إنهم يأثمون إذا تعمدوها بغير موجب؛ لما في المزاحمة من الظلم، والإيذاء للحجاج، وتنفيرهم من الحج. لنعد إلى صفة الطواف؛ فإننا لم نقف على صفته إلى الآن. حسنًا حسنًا ابدأ طوافك قائلا: بسم الله والله أكبر، اللهم إيمانا بك وتصديقا بكتابك، ووفاء بعهدك، واتباعا لسنة نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم- ثم ادع بما شئت، وليس للطواف أدعية تلتزم؛ بل يدعو العبد ربه بما شاء من خيري الدنيا والآخرة، وإن قرأ ما تيسر من القرآن فحسن. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { الطواف بالبيت صلاة، ولكن الله أحل فيه المنطق، فمن نطق فلا ينطق إلا بخير } واجتنب رفع الصوت بالدعاء حال الطواف؛ فإن في ذلك تشويشا على الطائفين والمصلين. لا إله إلا الله، كم نرى من مخالفات من بعض الحجاج في رفع أصواتهم حول البيت ودعائهم الجماعي الذي لا يكاد ينتهي وبه يمنعون غيرهم من الدعاء والتفكر والخشوع في طوافهم. مع أن العلماء حذروا من هذه التصرفات، وبينوا مضارها، ولكن نسأل الله تعالى لنا ولهم الهداية. س: وماذا عن ما نراه من بعض الناس الذين يسرعون في طوافهم، وبعضهم لا يفعل ذلك، فهل لهذا حكمة؟ هذا الإسراع الذي ذكرت يسمى الرمل، وهو فعل مسنون في الأشواط الثلاثة الأول من الطواف، إن كان ذلك لا يؤذي أحدا من الطائفين، أما إن كان في الرمل إيذاء لغيرك فلا تفعل، والرمل معناه: سرعة المشي مع مقاربة الخطا. س: ولكن ألا ترى أن الرمل يسبب تكشف النساء ومزاحمتهن الرجال؟ وهذا التصرف كذلك من الأخطاء؛ لأن الرمل خاص بالرجال، وليس على النساء رمل في الطواف؛ لأن الذي ورد في السنة أن الرمل من فعل الرجال فقط؛ ولأنه مظنة التكشف، لذلك تمنع منه النساء، وما يقع من بعض الحجاج خطأ ظاهر . أنت قلت يا أبا البراء إننا بحاجة إلى الاستعجال لنكمل معرفة بقية المناسك، فلا تؤخرنا بكثرة الأسئلة. لا بأس، لنكمل الحديث عن الطواف، وكلما مررت بين الركنين فقل: { رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } وكلما حاذيت الركن الأسود فافعل مثلما فعلت في المرة الأولى، وإن قدرت على استلام الركن اليماني فافعل، وإذا ازدحم المسجد بالطائفين فلا بأس أن تطوف في دائرة أوسع من صحن الطواف ولو كان في الأروقة أو السطح. س: إذن لا بأس أن يطوف الإنسان في الدور العلوي؟ عدنا إلى الأسئلة! لا بأس لا بأس دعه يسأل؛ فإن في سؤاله فائدة. نعم. خاصة بعد ازدحام الناس في المواسم وحاجتهم إلى مكان أوسع يطوفون، ويسعون فيه؛ فقد درست هيئة كبار العلماء هذا الأمر، وخرجت بقرار عام ألف وثلاثمائة وثلاثة وتسعين من الهجرة، يا أبا مصعب انظر إن كان ملخص القرار عندك فاقرأه علينا. حسنا أقرؤه عليكم جاء في القرار بعد تداول الرأي والمناقشة: انتهى المجلس بالأكثرية إلى الإفتاء بجواز السعي فوق سقف المسعى عند الحاجة بشرط استيعاب ما بين الصفا والمروة وألا يخرج عن مسامتة المسعى عرضا أي أن لا يتجاوز حده من الجانبين. س: وأنت يا أبا البراء تفضل واقرأ علينا شيئا مما جاء في فضل الطواف. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: { من طاف بهذا البيت أسبوعا -أي: سبعة أشواط- فأحصاه كان كعتق رقبة، لا يضع قدما ولا يرفع أخرى إلا حط الله عنه بها خطيئة، وكتب له بها حسنة } . جزاكم الله خيرا، ولنعد إلى صفة الطواف والسعي. إذا فرغت من طوافك سبعة أشواط من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود فانطلق إلى مقام إبراهيم عليه السلام وأنت تقرأ قول الله تعالى: { وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى } فإن تمكنت من الصلاة خلفه فحسن، وإلا فصلّ في أي مكان من المسجد ركعتين، اقرأ في الأولى منهما سورتي الفاتحة والكافرون، وفي الثانية سورتي الفاتحة والإخلاص، ثم عد إلى الحجر الأسود إن تيسر لك ذلك ولا تزاحم من أجله واستلمه. ثم اخرج إلى المسعى وإذا اقتربت من الصفا فأقرأ: { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ } ثم ارقَ على الصفا واستقبل القبلة، ووحد الله وكبره، وقل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده، ثم ادع الله عز وجل بما شئت من أنواع الدعاء، ثم قل الدعاء الأول مرة ثانية، ثم ادع الله بما شئت من أنواع الدعاء، ثم قل الدعاء الأول مرة ثالثة، ثم ادع الله بما شئت من أنواع الدعاء، ثم انزل من الصفا متجها إلى المروة فإذا وصلت إلى العلم الأخضر فهرول إن قدرت على ذلك إلى العلم الأخضر الآخر. س: وماذا عن الهرولة هنا؟ هل هي خاصة بالرجال أيضا؟ صعود الصفا والمروة والهرولة بين العلمين سنن خاصة بالرجال دون النساء إجماعا؛ لذلك فعلى من كان بصحبته نساء ألا يفعل ذلك؛ لأن هذا الفعل مظنة اضطرارهن للهرولة وصعود الصفا والمروة أو إضاعتهن وسط الزحام، ثم امش بقية سعيك حتى تصل إلى المروة وافعل عليه، وقل مثلما فعلت وقلت على الصفا كما جاء في صحيح مسلم من حديث جابر -رضي الله عنه- ثم انزل متجها إلى الصفا وكلما مررت بين العلمين الأخضرين فهرول، وكلما صعدت الصفا والمروة فافعل عليهما، وقل مثلما فعلت وقلت على الصفا في المرة الأولى؛ حتى تكمل سبعة أشواط، تنتهي بالمروة . س: وماذا يقول الساعي في أثناء سعيه؟ - يسن أن يكثر في سعيه من ذكر الله تعالى ودعائه وقراءة القرآن؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: { إنما جعل الطواف بالبيت ورمي الجمار والسعي بين الصفا والمروة لإقامة ذكر الله } وكان ابن مسعود - رضي الله عنه- يقول في سعيه: رب اغفر وارحم إنك أنت الأعز الأكرم. س: وكيف تحسب الأشواط في السعي؟ تحسب الأشواط بما بين الصفا والمروة فإذا مشيت من الصفا إلى المروة فهذا شوط، وإذا عدت إلى الصفا فهذان شوطان، وهكذا تبدأ سعيك بالصفا وتنتهي بالمروة وإذا فرغت من سعيك فاحلق شعر رأسك أو قصره والتقصير للمتمتع أفضل. أما المرأة فلا تحلق؛ بل تأخذ من طرف شعرها قدر أنملة، فإذا فعلت ذلك فقد تمت عمرتك إن كنت متمتعا، وحل لك ما كان مُحَرَّما عليك بسبب إحرامك. أما إن كنت مفردا، أو قارنا فإنك تبقى على إحرامك حتى تطوف للإفاضة بعد نزولك من عرفات س: وماذا تصنع المرأة إن حاضت قبل أن تطوف بالبيت؟ إذا حاضت المرأة قبل أن تطوف بالبيت أو قبل فراغها من الطواف فإنها تبقى على إحرامها حتى تطهر، فإذا طهرت قبل الخروج إلى منى طافت وسعت، وقصرت من شعر رأسها، وإذا خرجت إلى منى يوم التروية قبل الطهر فإنها تكمل مناسك حجها؛ حتى إذا طهرت طافت وسعت. لنستمع إلى ما عند أخينا أبي مصعب فإني أراه ممسكا بورقة فتوى. نعم. هذه فتوى لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله -يقول فيها: إذا حاضت المرأة في اليوم الثامن مثلا فلها أن تحج، وتقف مع الناس في عرفات ومزدلفة ولها أن تعمل ما يعمل الناس من رمي الجمار، والتقصير، ونحر الهدي، وغير ذلك، ويبقى عليها الطواف والسعي تؤجله حتى تطهر. |