ثم إنه حج معه خلق كثير، ومن جملتهم أهل مكة وأهل القرى الذين حولها، ولكنهم اعتبروا أنفسهم مسافرين؛ فكانوا يقصرون مع النبي -صلى الله عليه وسلم- وذلك لأنهم خرجوا من مكة من أهليهم وبيوتهم في اليوم الثامن، ولما خرجوا في اليوم الثامن أخذوا رواحلهم كل واحد على بعيره على راحلته، ومعه زاده ومعه مزاده ومعه ماؤه وشرابه وطعامه، وغابوا عن أهلهم اليوم الثامن واليوم التاسع واليوم العاشر واليوم الحادي عشر واليوم الثاني عشر إلى آخره؛ فاعتبروا أنفسهم مسافرين لطول المدة. فأما في هذه الأزمنة فإن أهل مكة يرجعون إلى بيوتهم، بيوتهم قريبة ومعهم سياراتهم فنقول: الذي من أهل مكة يرجع كل يوم، أو كل يومين إلى بيته إما ليأكل هناك، وإما ليبيت سواء في هذا اليوم أو في يوم العيد أو في أيام التشريق، فإنا نعتبره غير مسافر؛ فلا يترخص. فأما إذا كان قد رحل من أهله وتزود وعزم بأنه لا يرجع إلى أهله إلا في اليوم الثاني عشر، ولا يعود إلى منزله فإنه يعتبر أيضا مسافرا كالذين كانوا في العهد النبوي، والمسافر له أن يترخص فيقصر الصلاة في هذه الأيام ويجمع في يوم عرفة وفي ليلة مزدلفة يجمع هناك الظهرين، ويجمع في مزدلفة العشاءين كسائر الحجاج. الحجاج في العهد النبوي كان كثير منهم متمتعا وبعضهم قارنا، بقوا على إحرامهم الذين معهم الهدي، وأما الذين ليس معهم هدي فإنهم قدموا في اليوم الرابع، ولما قدموا في اليوم الرابع أمرهم أن يتحللوا، وأن يجعلوها عمرة، وأن يصيروا متمتعين فألزمهم بذلك. |