كذلك أيضا من آدابه: في المشاعر أن يفعل في كل مشعر من المشاعر ما أمر به، فإذا كان في عرفة فإن عليه أن يكون حافظا للسانه حافظا لعينه حافظا لآذانه حافظا لجوارحه، وممسكا للذكر إذا سمع من يذكر أو يعلم ، مشتغلا بالدعاء لهجا به، يرفع صوته بالتلبية وبالتكبير، يدعو ربه، يمتثل قول الله تعالى: { ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ } . لا شك أن ذلك اليوم الذي هو يوم عرفة هو اليوم الذي له ما بعده ، والذي هو أشرف الأيام ، والوقوف فيه أشرف الأعمال؛ فالواقفون في عرفة يخشعون ويخضعون ويتذللون لله تعالى ويتواضعون، يبروزن منكسي رءوسهم مهطعين مقنعين، ينظرون إلى من يعينهم ويساعدهم على أعمالهم الصالحة، يذهب من قلوبهم حب الدنيا وحب أهلها، لا يبقى في قلوبهم إلا محبة الأعمال الصالحة. يستحضرون أن ربهم تعالى يباهي بهم الملائكة؛ إذا برزوا لله شعثا غبرا ضاحين، إن الله يباهي بهم الملائكة فيقول: { انظروا إلى عبادي أتوني شعثا غبرا ضاحين من كل فج عميق، يرجون رحمتي ويخافون عذابي، وأشهدكم أني قد غفرت لهم، ووهبت مسيئهم لمحسنهم انصرفوا مغفورا لكم } . إذا استحضر أن لله تعالى يباهي بهم الملائكة أظهر هذه الصفة التي هي العج والثج، التي هي الشعث والغبرة أن يكون رأسه أشعث، وأن يكون لونها أغبر بعيدا عن التنعم؛ حتى يكون محلا لرحمة الله؛ فإن الله عند المنكسرة قلوبهم من أجله. كذلك أيضا من آدابه: إذا كان في المشاعر الأخرى أن يحرص على أن يعمل أعمالها، ففي انصرافه من عرفة إلى مزدلفة يكون أيضًا مشتغلا بالتلبية والذكر والتكبير والتهليل والتحميد، وكذلك أيضا يجتنب الأذى، يجتنب أذى غيره فلا يزاحمه ولا يصده ولا يرفع صوته. ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لما انصرف الحجاج من عرفة إلى مزدلفة ؛ فصاروا يسرعون فكان يصيح بهم وينادي: { أيها الناس، السكينة السكينة؛ فإن البر ليس بالإيضاع } الإيضاع: هو الإسراع. أي التزموا السكينة؛ فلا يؤذى بعضكم بعضا، ولا يشدد بعضكم على بعض، ولا تزاحموا ولا تضايقوا. ذكر أسامة أنه صلى الله عليه وسلم كان يسير الأناة ، فإذا وجد فجوة نص، أي يسير وقد عنق لراحلته؛ يعنى التزم رأسها بخطامها حتى لا تسرع في السير، فإذا وجد فجوة؛ يعنى متسعا أرخى لها وأسرعت قليلا، هذا في زمن السير على الرواحل، كذلك أيضا في زمن السير على السيارات ونحوها يلتزم الإنسان الآداب مع الحجاج فلا يؤذي غيره، ولا يزاحمه ولا يشدد عليه، يسير مع من سار، ولا يضايق غيره. وكذلك أيضا يخفض صوته ويحفظ لسانه؛ فلا يسب ولا يقذع في السب ، ولا يتكلم بكلام سيئ، ولا يقول: هذا قد أساء إلى، وهذا تقدم علي، وهذا وهذا؛ بل يسير إلى أن يصل بهدوء وفى سكون: { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا } هذا لا شك أنه من آداب الحج. وكذلك أيضا من آدابه: أن يحرص على الأعمال التي أمر بأن يعملها في المشاعر، ففي المشعر الحرام الذي هو مزدلفة أمر بالذكر، قال الله تعالى: { فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ } المشعر الحرام في مزدلفة ؛ أمر الله الحجاج إذا أفاضوا أن يكثروا من ذكر الله عند المشعر أن يذكروا الله في مبيتهم وفي ليلهم وفي صباحهم، فإذا أصبحوا اجتهدوا أيضا في الذكر. |