علينا أن نشكر الله تعالى ونعترف بأن شكرنا فضل منه -سبحانه وتعالى- فهو الذي تفضل علينا بذلك حيث إنه أعطانا ومكننا، فشكرنا له يعتبر نعمة أخرى، كما قال بعض الشعراء: إذا كان شكري نعمـة الله نعمـة علي لـه بمثلهـا يجـب الشكر فكـيف بلـوغ الشكـر إلا بفضـله وإن طالت الأيـام واتصـل العمـر إذا مس بالسـراء عـم سـرورها وإن مس بالضـراء يعقبهـا الأجر وقد أمر الله تعالى بشكره على ما أنعم به علينا قال الله تعالى: { وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } . أخبر تعالى بأن من نعمه علينا أن سخر لنا هذه البهائم؛ التي هي بهيمة الأنعام، وخص البدن؛ لأنها أكبر أجراما؛ ولأنها أقوى فسخرها لنا، ولو شاء لجعلها مستعصية نافرة، ومن يقدر عليها إذا نفرت، وهربت؟! ولولا أن الله تعالى سخرها وذللها لما قدر العباد عليها. البدن: الإبل الكبيرة؛ لأنها لكم من شعائر الله. أي من العلامات التي يعظم الله سبحانه وتعالى بذكرها، وبذبحها، وبالأكل منها، ونحو ذلك فهي من شعائر الله، كما أن الصفا والمروة من شعائر الله. أمر بأن يذكر اسم الله عليها صواف عند ذبحها ارجوا صفوها، واذكروا اسم الله عليها، فإذا سقطت على الأرض فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر. سخرها الله لنا حتى نشكره، حتى نعترف بفضله. كذلك أيضا نتقرب إليه -سبحانه وتعالى- بالعبادات التي شرعت في هذه المشاعر، وبهذه المناسك؛ فنتقرب إليه: برمي الجمار، وذلك من ذكر الله -عز وجل- ونتقرب إليه بحلق الرءوس، وذلك عبادة. حلق هذا الشعر يعتبر نسكا، ويعتبر عبادة من العبادات؛ ولهذا روي عن ابن عباس أنه قال: (من ترك نسكا فعليه دم). فإذا ترك الحاج أو المعتمر الحلق، ولم يحلق، ولم يقصر، جبر ذلك بدم. كذلك أيضا: المبيت بمنى هذه الليالي، والإقامة بها مع الذكر، ومع الشكر، ومع الأكل مما أحل الله تعالى. هذا أيضا من نعم الله - عز وجل - وهو من العبادات؛ ولهذا جعلوا لمن ترك هذا المبيت هذه الأيام عليه دم. من ترك المبيت مساء يوم العيد، ومساء يوم الحادي عشر، أو الليلتين الماضيتين للمتعجل، ومساء اليوم الثالث عشر لغير المتعجل. أما من ترك المبيت بمنى ومن ترك الإقامة بها هذه الليالي فقد ترك نسكا؛ فعليه دم. وحيث إن هذه الأيام التي هي أيام منى تسمى أيام منى ؛ فإن الحجاج يقيمون فيها ولا يرحلون، ويعتبرون الإقامة فيها عبادة، ويعتبرونها نسكا من الأنساك، ولا يتحولون منها فلا يسكنون في الأماكن الأخرى، لا يسكنون مثلا في مكة ولا في أحياء مكة ويقولون: إن الأماكن كلها سواء؛ فالذين مثلا يسكنون في أحياء مكة ويقولون: إن هذا وهذا سواء. علينا أن نرمي، وعلينا أن نذكر الله، وعلينا أن نكبره في أية مكان. يقال لهم: قد أخطأتم؛ فإن منى مشعر، والمشعر لا بد له من عبادة، كما أن الصفا والمروة من شعائر الله، وكل شعيرة من شعائر الله فلها عبادة، وهذه العبادة لا بد من فعلها. لا بد من أداء كل عبادة يتعبد بها الحاج لا بد من أدائها. فإقامة الحجاج في منى تعتبر مشعرا، وتعتبر نسكا، وتعتبر عبادة، وتعتبر طاعة لله -سبحانه وتعالى-؛ ولهذا أقام النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته في منى أربعة أيام: يوم العيد الذي عملوا فيه أكثر الأعمال، ويوم القَرِّ الذي هو اليوم الحادي عشر استقروا فيه، وقاموا فيه بالأعمال، ويوم الثاني عشر؛ الذي هو هذا اليوم أقاموا فيه وعملوا الأعمال، واليوم الثالث عشر أيضا، وإن كان بعضهم قد تعجل؛ لأن الله تعالى رفع الإثم عن المتعجل بقوله: { فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ } فأقاموا هذه الأربعة، وإقامتهم تعتبر نسكا، وتعتبر عبادة؛ ولأن الله تعالى أمر في هذه الأيام بذكره في قول الله تعالى: { وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } ؛ ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر بهذه الأيام فثبت عنه أنه قال: { أيام منى: أيام أكل وشرب وذكر لله - عز وجل - } هكذا أخبر: بأنها أيام أكل، وشرب، وذكر لله - عز وجل - . فهي أيام أكل وشرب؛ يعني أباح الله تعالى فيها نحر الإبل، وذبح البقر والغنم، والأكل منها في قوله تعالى: { لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ } كلوا منها، وأطعموا الفقراء . { ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ } أي: يقضون ما قدروا عليه من التفث، ومنه الحلق والتقصير. { لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ } إذا كان عليهم نذور، فمن نذر أن يعتكف يوف بنذره، ومن نذر طوافا تطوعا فليوف بنذره؛ لأن النذر يصير التطوع واجبا. فمن نذر صلاة في المسجد الحرام فليوف بنذره؛ لأنه بالنذر أصبحت واجبة عليه: { وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ } قال العلماء: هذا الطواف هو طواف الحج. وجعلوه ركنا من أركان الحج، الذي هو طواف الإفاضة، ويسمى طواف الزيارة، ويسمى طواف الحج، ولا يتم الحج إلا به، وقبله إذا رمى الإنسان وحلق فإنه يحل له كل شيء إلا النساء. فإذا رمى، وحلق، وطاف فإنه يحل له كل شيء حتى النساء. فهذا الطواف ذكروا أنه: يدخل وقته من نصف ليلة النحر، ولكن الأفضل والأولى أن يكون بعد طلوع الشمس من يوم النحر، فيستحب أن يكون في يوم النحر، وإذا فات أو لم يتمكن، أو كان هناك زحام ففي اليوم الذي بعده اليوم الحادي عشر، أو في اليوم الثاني عشر، أو الثالث عشر، أو الرابع عشر فله تأخيره، لو أخره إلى آخر الشهر فإن ذلك جائز، ولكن لا يحل له التحلل الثاني إلا بهذا الطواف. وكذلك من عليه سعي. إذا كان الإنسان متمتعا فإن عليه سعيين: سعي للعمرة، وسعي للحج، فلا يتم أيضا إلا بالسعي، ويعتبر السعي واجبا من الواجبات. أي يعتبر واجبا عند بعض العلماء، يجبر بدم. والأكثرون: على أنه ركن، والأركان لا تسقط أي: لا بد منه. ثم إن الطواف بالبيت الذي هو طواف الإفاضة -كما ذكرنا- ركن من الأركان، وإذا كان كذلك فإن علينا: أن نحرص على أداء الأركان التي منها هذا الطواف، وأن نطوف ونعلم أن طوافنا بالبيت عبادة لله -سبحانه وتعالى- وليس عبادة للبيت ليس عبادة للكعبة ؛ فإن العبادة في الأصل لله سبحانه كما قال تعالى: { فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ } أي ليعبدوا ربه وربهم وخالقهم وخالق كل شيء. فإذا طافوا بالبيت فإنهم يشتغلون بالدعاء، يدعون ربهم، ويقرءون كلامه بتدبر، ويذكرونه بأسمائه الحسنى وبصفاته العلا، ويكونون أيضا في طوافهم حريصين على حضور القلوب، وعلى الخشوع والخضوع، وعلى البعد عن الأذى، وحريصين على أن يعظموا ما عظمه الله من هذه الشعائر، وتعظيمها بأداء العبادة فيها. |