الحج المبرور هو: الخالص الذي ليس فيه شائبة رياء ولا سمعة، ولا إعجاب بالنفس، ولا فعل منكر، ولا ارتكاب ذنب. الحج المبرور الذي يُنْفِقُ صاحبُهُ من كسب حلال، ليس فيه حرامٌ ولا شبهةٌ من الحرام. جاء في بعض الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عن بِرِّ الحج؟ فقال: { بذل السلام، وإطعام الطعام، وصلة الأرحام، والصلاة بالليل والناس نيام } جعل هذه من علامات كون الحج مبرورا. كذلك أيضا من بر الحج النفقة الحلال. ورد في حديث من الأحاديث المشهورة؛ ولو كان في إسناده ضعف. أورده الشيخ ابن باز -رحمه الله- في أول رسالته " التحقيق والإيضاح": { إذا خرج الرجل بالنفقة الحلال، فركب ووضع رجله في الغرز، ونادى: لبيك اللهم لبيك. ناداه منادٍ: لبيك وسعديك. زادك حلال، ونفقتك حلال، وحجك مبرور غير مأزور. وإذا خرج بنفقة حرام، ووضع رجله في الغرز -يعني في الرَّحْلِ- ناداه منادٍ: إذا قال: لبيك لبيك، قال الملك له: لا لبيك ولا سعديك! زادك حرام، ونفقتك حرام، وحجك مأزور غير مبرور } يدلنا ذلك على أهمية النفقة الحلال، وأنها سبب في قبول الأعمال. وقد ذهب بعض العلماء إلى أن الحج بمال حرام لا يُسْقِطُ الفريضةً. وأنشد ابن رجب في "اللطائف" قول بعض الشعراء: إذا حَجَجْـتَ بمال أصلـه سـحتٌ فما حججـتَ ولكن حَجَّتِ العـيرُ! لا يَقْبَـلُ اللـه إلا كــل صالحـةٍ ما كُلُّ مَـنْ حَجَّ بيتَ اللـهِ مـبرورُ! فهكذا يكون بِرُّ الحج. ولا شك أيضا أن من بره الإخلاص؛ أن يريد بعمله وجه الله، فلا يكون فيه رياء ولا سُمْعَةٌ، ولا يكون فيه افتخار ولا تَمَدُّحٌ؛ فإن الإعجاب بالعمل قد يبطله الإعجاب به، بأن يفتخر بعمله بعدما يرجع، ويذكر عمله على وجه الإعجاب، وعلى وجه محبة المدح؛ فيذكر: أنني حججت كذا وكذا! وأنني دعوت بكذا! وأنني طفت: كذا وكذا! يريد بذلك أن الناس يمدحونه، ويقولون: هذا هو المخلص، وهذا هو العبد الصالح؛ فيكون جزاؤه ما حصل له من المدح والثناء على أَلْسُنِ الناس. وهكذا جاءت الأدلة بإحباط الأعمال التي يُرَائِي أهلها، وأنَّ: { مَنْ سَمَّع سَمَّعَ اللهُ به، ومَنْ رَاءَى رَاءى الله به } وأنَّ الله يقول للمرائين يوم القيامة: { اذهبوا إلى الذين كنتم تُرَاءون بأعمالكم، فانظروا: هل تجدون عندهم من ثواب أعمالكم شيئا؟! } ولا شك أن هذا يُوجِبُ الحذر من الإعجاب بالعمل، وتزكية النفس، كون الإنسان يمدح نفسه، ويُزَكِّي نفسه، ولهذا قال الله تعالى: { فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى } وقال الله عز وجل: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ } . فمن فوائد الحج: استضعاف العابد دائما بين يدي ربه؛ وذلك لأنه يعلم أن نِعَمَ الله عليه كثيرة، وأنه لو عمل ما عمل فإن أعماله قليلة بالنسبة إلى حق ربه عليه، وأنه لو يحاسبه على نِعَمِهِ لما بقي له حسنة يجازى بها؛ بل تذهب حسناته مقابل نعم الله، أو أصغر نِعَمِ الله تعالى عليه، ويشعر أيضا بأن ما حصل له من هذه الأعمال فإنه بتوفيق من ربه، وأنه بإعانة منه عليه؛ فَرَبُّهُ هو الذي أعانه، وهو الذي وَفَّقَهُ، وإذا شكر ربه فإن هذا الشكر يُعْتَبَرُ أيضا نعمةً يستحق بها الشكر. ولذلك أنشد ابن رجب أيضا في لطائف المعارف قولَ بعض الشعراء: إذا كـان شُـكْرِي نِعْمَـةَ الله نعمـةً عَلَـيَّ لـه في مثلهـا يجـب الشُّكْرُ فكـيف بلــوغُ الشـكر إلا بفضلـه وإن طـالتِ الأيـام واتَّصَل العمـر؟ إذا مَـسَّ بالسـراء عَـمَّ سرورهـا وإنْ مَسَّ بالضـراء يَعْقُبُهَا الأجـرُ! فهذا أيضا يُعَدُّ نعمة. نقول: إن توفيق الله تعالى لنا إلى هذه المناسك إنه نعمة يجب أن نشكر ربنا عليها، وأن نكون دائما متذكرين لِنِعَمِهِ، ولفضائله، ولكرمه على عباده. وإذا كان كذلك فعلينا أن نحتقر أعمالنا مهما كانت، وأن نُكْثِرَ دائما مِنْ حمد الله -عز وجل- ومن شُكْرِهِ، ومن الثناء عليه. |