وقد بيّن النبي -صلى الله عليه وسلم- مناسك الحج بيانا كاملا، وقال بعد بيانها: { خذوا عني مناسككم } بينها بأقواله، وبينها بأفعاله. ثم إن الصحابة- رضي الله عنهم- جمعوا سنته، ونقلوها، ولم يكتموا منها شيئا، فأصبحت حجته -صلى الله عليه وسلم- معروفة، ذكروا مسيرته من حين سار من المدينة إلى أن رجع إليها، لم يُخِلُّوا بشيء منها. فمن أراد أن يكون حجه كاملا فإن عليه أن يتبع سيرة وسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- في حجه، مع أننا بيننا وبين حجته فرق كبير، هو -صلى الله عليه وسلم- بقي محرما نحو خمسة عشر يوما، أحرم في الخامس والعشرين من شهر ذي القعدة، وبقي محرما إلى أن نحر هديه في اليوم العاشر من شهر ذي الحجة؛ وذلك لأنه أحرم قارنا لما كان معه الهدي، ولبد رأسه، وكان على رأسه شعر كثير، فخاف أن يتشعث فلبده، أي: جعل عليه شيئا يتماسك به الشعر، وقلد هديه أي: ساق مائة بدنة من المدينة ومن اليمن وجعل في رقابها القلائد، وامتثل البقاء على إحرامه حتى ينحر؛ امتثالا لقوله تعالى: { وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ } فقال: { إني لبدت رأسي، وقلدت هدي، فلا أحل حتى أنحر } فنتبعه فيما أمكننا فيه. لا شك أنه -صلى الله عليه وسلم- لما وصل إلى المدينة كان الصحابة الذين ليس معهم هدي هم أغلب الحجاج، ليس معهم هدي، وقد أحرموا مفردين أو قارنين، ولكنه أمرهم أن يجعلوا إحرامهم بالعمرة، وأن يكونوا متمتعين؛ وذلك لأنه بقي على الحج مدة، قدموا في اليوم الرابع أو اليوم الخامس من شهر ذي الحجة، وبقي عليهم نحو أربعة أيام أو خمسة أيام بينهم وبين الحج، فاختار لهم التمتع، أن يتحللوا، فيقلبوا إحرامهم عمرة ويبتغوها، وأما هو والذين معهم هدي فإنهم بقوا على إحرامهم. نقل الصحابة- رضي الله عنهم- ما كان يعمله، ما عمله من حين أحرم من المدينة وأحرم الصحابة الذين تحللوا من مكة في اليوم الثامن إلى أن أنهوا حجهم في اليوم الثالث عشر ورجعوا. لا شك أن هذا دليل على أنهم- رضي الله عنهم- خدموا من بعدهم، ونقلوا ما يحتاجون إليه. كان -صلى الله عليه وسلم- هو وأصحابه نزلوا بالأبطح في اليوم الخامس من شهر ذي الحجة، -يعنى أكثرهم- وكانوا يصلون الصلوات في أوقاتها؛ ولكنهم يقصرون الرباعية، فيقصرون الظهر ركعتين في وقتها، والعصر ركعتين في وقتها، والمغرب في وقتها، والعشاء ركعتين في وقتها. وكان كثير منهم يتنفلون، يعني: يصلون النوافل؛ لأن في ذلك تزودا للخير، وبعضهم لا يتنفل؛ وذلك لأنهم يلاقون مشقة، فيقولون: إن المشقة تجلب التيسير؛ لأنهم عدد كثير، نزلوا في فجاج مكة وحواليها، اجتمع يمكن في ذلك الزمان نحو مائة وأربعين ألفا من الحجاج على رواحلهم، وتفرقوا في فجاج مكة لا شك أنهم بحاجة إلى أن يرفق بهم؛ لأنهم ليس لهم مساكن يسكنونها كما في هذه الأزمنة، فهذه البقع كلها صحراء، لم يكن فيها بناء، البناء إنما كان حول الكعبة يعني: نحو مائتي متر شرقا، ومائتي متر غربا عن الحرم وما أشبه ذلك. أما بقية فجاج مكة فإنها لم يكن فيها مساكن، فلا مانع من أن الحجاج يستوطنون في مثل هذه المباني ليريحوا أنفسهم، وإن كان الأصل أن الحجاج يحرصون على أن يكونوا في حالة تقشف؛ لأنه ورد في الحديث: { أن الله تعالى يباهي بعباده الحجاج ملائكته يوم القيامة، فيقول: انظروا إلى عبادي أتوني شعثا غبرا ضاحين من كل فج عميق } وصفوا بأنهم شعث غبر، أي مغبرة أجسادهم، مشعثة رءوسهم، كذلك أدعى إلى أن تنكسر قلوبهم، أن يكونوا متواضعين مستضعفين لربهم؛ لأنه ورد في الحديث: { رب أشعث أغبر ذي طمرين مدفوع بالأبواب، لو أقسم على الله لأبرّه } ولما ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك الذي لا يجاب دعاؤه، وصفه بأربع صفات في قوله: { يطيل السفر، أشعث، أغبر، يمد يديه إلى السماء، يا رب.. يا رب.. } لما أنه لم يستجب دعاؤه؛ لأجل أن { مطعمه حرام، وملبسه حرام } . لكن هذه الأوصاف من أوصاف التذلل لله تعالى؛ فلذلك الحجاج يتصفون بكل وصف يدل على الاستضعاف، ويدل على التواضع لربهم، ويدل على الاستكانة والانكسار بين يدي الله سيما في يوم عرفة يكونون في ذلك اليوم خاشعين وخاضعين، ومتواضعين ومتذللين لربهم؛ حتى تعمهم رحمة الله تعالى، وحتى يكمل سعيهم، ويثيبهم، ويخلف عليهم ما أنفقوه؛ حيث إنهم تجشموا مشقات، وركبوا صعوبات، فارقوا بلدانهم وأموالهم وأولادهم، وتركوا أهليهم ومساكنهم، وتكلفوا وأنفقوا من أموالهم إلى أن وصلوا إلى هذه المشاعر، فالله تعالى يضاعف لهم هذا الأجر، سيما إذا كانت هناك صعوبات ومشقة، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لعائشة { إن أجرك على قدر نفقتك } أو قال: { على قدر نصبك } النصب: هو التعب. يعني- فيحتسب المسلمون في أعمالهم هذه؛ فيخلصون لله تعالى، ويحرصون على اتباع السنة. وقد كتب العلماء المتقدمون وكذلك المتأخرون مناسك في الحج، كتبوا هذه المناسك، وبينوا ما يحرم على المحرم، وبينوا الصفة التي يكون بها الحج كاملا، فما علينا إلا أن نتبع إرشاداتهم وتوجيهاتهم، ونقفوا آثارهم؛ حتى يُقْبَل منا سعينا، وحتى يضاعف لنا أجرنا، ويكتبنا الله تعالى من الفائزين برضاه. كلمة عن فضل الإمام أحمد بن حنبل ومذهبه ونكتفي بهذا لأجل الاشتغال بالأجوبة على الأسئلة، ونعرف أن الأسئلة التي توجه إلينا كثيرا ما يكون فيها شيء من الخلاف- أي- أن بعض المسائل خلافية؛ ولكن لكل اختياره، ونحن نفضل ما درسناه على مشائخنا الأولين الذين درسوا على مشائخ معترف بهم، شيخنا محمد بن إبراهيم - رحمه الله- قرأنا عليه كتاب الفقه، وكتاب الأحكام في الحديث مرتين، وكذلك أيضا مشائخ آخرون؛ لكنهم غالبا يتقيدون بما هو مشهور في مذهب الإمام أحمد ؛ وذلك لأن الإمام أحمد -رحمه الله- يتقيد بالسنة، فهو أشد العلماء اتباعا لسنة النبي- صلى الله عليه وسلم-؛ لأن الله رزقه علما جما بالحديث النبوي حتى كان يحفظ نحو مليون حديث، ذكر ذلك الناظم بقوله: حـوى ألف ألف من أحاديث أسنـدت وأثبتهـا حفـظـا لقلــب محـصن يحفظ ألف ألف حديث- أي- مليون حديث، وذكر أنه يجيب بالأحاديث. أجـاب علـى ستـين ألـف قضيـة بأخـبرنـا لا عـن صحائـف نقـل سئل عن ستين ألف مسألة، وأجاب عنها بالأحاديث، يستحضر الحديث ويقول: الجواب عليها بالحديث كذا.. وكذا.. ونحن لا نقول: إن بقية الأئمة خاطئون؛ بل لهم اجتهاداتهم، ولهم آراؤهم، ولكل مجتهد نصيب. فمما اختاره الإمام أحمد ما أنتم عليه وهو التمتع، وذلك أنه اختار أن الذين يقدمون متقدمين في اليوم الرابع أو الخامس أو السادس الأفضل لهم التمتع؛ لأنه آخر الأمرين من النبي -صلى الله عليه وسلم- وهناك الكثير من الأئمة كالشافعية والمالكية يفضلون الإفراد، ولكل اجتهاده، ونحن لا نعيب على أحد. فالأسئلة إذا عرضت فإنا نجيب عليها بما نحفظه وبما قرأناه على مشائخنا، ومن كان يحفظ قولا آخر عن شيخ آخر، فله أن يذهب إلى ما ابتغى. والله أعلم، وصلى الله وسلم على محمد جزى الله خيرا فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين على هذا الدرس القيم، نسأل الله -عز وجل- أن يجعله في ميزان حسناته. وكما ذكر الشيخ الأسئلة في الحقيقة كثيرة جدا، وربما تحتاج إلى أكثر -يعنى: من مجلس- ربما ساعات طويلة؛ لكن حسبنا أن نذكر الأسئلة المهمة التي يحتاجها الحاج، ثم نردفها بعد ذلك بأسئلة عامة فيما يتسع الوقت له. أسئـلة س: يقول السائل: فضيلة الشيخ هناك شخص حج قبل ست سنوات، وطاف طواف الإفاضة على محمل وشك في عدد الأشواط، وفي طواف الوداع اكتشف أنه طاف به أقل من سبعة أشواط؛ فما الواجب عليه الآن؟ نرى أنه يكفيه طواف واحد، إذا تأكد من طواف الوداع، أنه طافه سبعة أشواط، فلعله يكفيه عن الطوافين، يعني: عن الطواف الذي نقصه وهو طواف الإفاضة، فيعتبر الوداع لأنه طافه عند الخروج؛ ولكن يسأل إذا كان قد تحلل بعد الطواف الأول الذي هو طواف الإفاضة، ووطئ امرأته، فإن عليه دما، وأما إذا لم يكن وطئها، فلا شيء عليه. س: وهذا السائل يقول: فضيلة الشيخ، يقول بعض الناس: إن ترك حج التطوع من أجل تخفيف الزحام على المسلمين لعل صاحبه- أي من ترك الحج- يؤجر أجر الحاج؟ ذكر العلماء أن مشاعر الحج، جعل الله تعالى فيها البركة، فهي تتسع لهذا العدد الكثير، وكذلك أيضا المطاف والمسعى والمرمى، وأماكن المشاعر والوقوف، كلها واسعة والحمد لله؛ فنقول: إن من تيسر له الحج، ولم يكن عليه مشقة، فله أن يؤدي المناسك، ولا ضرر عليه ولا ضرر على غيره إن شاء الله. يمكن أن يقال هذا فيمن يتبعه أعداد كثيرة، إذا كان الإنسان يتبعه أعداد كثيرة، ويُضَيِّقون كثيرا من الأماكن، فالأولى له أن يتأخر سنتين أو ثلاثا أو خمسا كما قُدر. س: وهذا السائل يقول: هل صحيح أنه إذا تحللت من الإحرام التحلل الأصغر، ولم أطف طواف الإفاضة إلا بعد غروب الشمس، فإنه علي أن أرجع إلى إحرامي الأول وأطوف به؟ أفتونا مأجورين. ورد في ذلك حديث، صححه بعض العلماء؛ ولكن يقولون: إنه ليس عليه عمل. هكذا لما مر عليه ابن القيم في "سنن أبي داود " ذكر أنه لا يعلم أحدا طبقَه وعمل به. فالصحيح أنه متى تحلل التحلل الأول أن له أن يؤخر الطواف-طواف الإفاضة- سواء إلى الليل، أو إلى الغد اليوم الحادي عشر، أو بعد ذلك ولو إلى الثالث عشر، ولا يلزمه أن يعود إلى الإحرام. س: وهذا السائل يقول: يا شيخ- عفا الله عني وعنك- والدي توفى قبل أداء فريضة الحج، وأنا أديت فريضة الحج عنه الآن، فهل هذا الفعل صحيح؟ علما بأن والدي قد حج حج الفريضة؟ إذا كان والدك قد حج حجة الفريضة؛ فالحج عنه يعتبر نافلة، ولا تحج أنت عن غيرك حتى تحج عن نفسك، حج عن نفسك ثم تطوع عمن تريد من والديك أو غيرهم. س: وهذا سائل يقول: يا شيخ، هل يجوز للمرأة رمي الجمار أو الجمرات الثلاث مع ازدحام الرجال الازدحام الشديد؟ نرى أنها إذا كان هناك زحام شديد، أنها توكل أو تؤخر، إما أن تؤخر الرمي إلى الليل، أو تجمع رمي الجمار الثلاث، ثلاثة أيام في اليوم الثالث عشر، وترتبه فهو أولى من التوكيل وإن شق عليها فإنها توكل. س: وهذا السائل يقول: شخص أدى العمرة في ذي القعدة متمتعا بها إلى الحج؛ ولكنه خرج من مكة وذهب إلى المدينة والطائف فهل يعود إلى مكة من غير إحرام من الميقات؟ أو يلزمه أن يحرم عمرة أخرى؟ أو يحرم بالحج من الميقات مفردا؟ أفتونا مأجورين. نرى أنه إذا مر بأحد المواقيت فلا يتجاوزها إلا بإحرام، فإن كان مبكرا أحرم بعمرة أخرى، وإن كان متأخرا أحرم بالحج، كاليوم الثامن مثلا، يحرم بالحج، ويسقط عنه دم التمتع؛ وذلك لأنه فصل بين الحج والعمرة بهذا السفر الطويل. س: سؤال آخر له يقول: هل يشرع للحاج أن يصوم يوم عرفة، وإذا كان لا يشرع هل يلزمه أن يفطر؟ من السنة أن الحجاج يفطرون في يوم عرفة؛ وذلك لأنهم يعتبرون مسافرين، ولأنهم يحبون أن يتقووا على الأعمال، يتقوون في يوم عرفة على الدعاء، وعلى الأعمال الصالحة، فيشرع لهم إذا زالت الشمس أن يكونوا بارزين لا يستظلون، فإن شق ذلك عليهم استظلوا بالخيام ونحوها، فبعد العصر يكونون بارزين، رأى ابن عباس رجلا مستظلا بشجرة، فأخرجه، وقال: أضح لمن أحرمت له. –يعني- ابرز له ولا تستظل، ومعلوم أنه إذا برزوا للشمس فقد يتأثرون بالظمأ إذا كانوا صياما فالأولى لهم الإفطار. س: هذا السائل يقول: قرأت في كتب الفقه أنه لا يجوز لأحد أن يدفع من مزدلفة إلا بعد غياب القمر، فما المراد بغياب القمر؟ اليوم العاشر أو الليلة العاشرة لا يغيب القمر غالبا إلا بعد ما يمر ثلثا الليل، فيقولون: إن الأولى أن من تعجل فإنه ينتظر حتى يغيب القمر في ليلة العاشر، يعني ما قبل الفجر بنحو ثلاث ساعات إذا كان الليل قصيرا، أو أربع ساعات إذا كان الليل طويلا. فهذا هو الأصل، ومعلوم أن الأصل البقاء، وأن الحجاج يمكثون في مزدلفة إلى أن يصلوا الفجر، ويدعون الله بعد الصلاة، ويفيضون قبل أن يشرقوا قبل أن تطلع الشمس بعد أن يسفروا جدا، هكذا فعل الصحابة مع النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ إلا أنه رخص للظعن والمستضعفين أن ينصرفوا، مع أن الناس في هذه الأزمنة ترخصوا كلهم، فصارت الحملة التي معها مثلا عشر من النساء أو خمس، يتعجلون كلهم، فينصرفون في نصف الليل أو في ثلثي الليل، ومع ذلك لا يستفيدون من وفودهم هذا ولا من إفاضتهم، فالأولى أنهم يمكثون إلى أن يصلوا الفجر. س: وهذا السائل يقول: هل من الأفضل الاستمرار على السنن الرواتب أثناء الحج أو تركها؟ في البعض مشقة فإذا لم يكن هناك مشقة ولا صعوبة فلا يحرم الإنسان نفسه؛ فإن الله تعالى يحب من عباده أن يكثروا التنفل بهذه العبادات ففي حديث: رجل يقال له: ربيعة بن كعب أنه قال: { يا رسول الله، أسألك مرافقتك في الجنة. فقال: فأعني على نفسك بكثرة السجود. } فإذا كان هناك مشقة على المسافر فإنه يقتصر على الفرائض ولو مقصورة، فإذا لم يكن عليه مشقة فلا ... س: يقول: هل ركعتا الطواف خلف المقام تلزم لكل طواف حتى طواف الوداع، وما حكم من نسيها؟ نعم كل من طاف سبعة أشواط فإنه يصلي خلف المقام ركعتين، سواء طواف القدوم، أو طواف العمرة، أو طواف الإفاضة، أو طواف الوداع، أو طواف التطوع، إذا تم له سبعة أشواط صلى ركعتين؛ ولكن إذا نسيهما سقطت عنه؛ لأنهما لا يصلان إلى حد الوجوب. س: وهذا السائل يقول: لقد حججت في العام الماضي، وفي طواف الوداع لامست امرأة فأنزلت، فهل علي شيء؟ نعم، الطواف لابد فيه من الطهارة، والإنزال لا شك أنه يبطل الطهارة، كان عليك أنك تذهب وتغتسل وتكمل الطواف، فإذا لم تفعل فمعناه أن طوافك للوداع لم يتم، وأن عليك فدية التي هي شاة من الضأن أو من المعز تذبح لمساكين الحرم. س: هذا سائل يقول: أنا شاب دعوت الله -عز وجل- أن يرزقني المرأة الصالحة بعد صلاة العشاء في الحرم، ثم ذهبت ونمت ورأيت في المنام امرأة أعرفها، رأيت أني قد تزوجتها في المنام، فهل أتزوجها بعد هذه الرؤيا؟ الرؤيا لا تدل على اليقين؛ ولكن إذا كانت صالحة مناسبة لك ووافق أهلها، لك أن تتزوجها. س: وهذا سائل يقول: أنا رجل تزوجت امرأة لم أتمكن من رؤيتها، وعندما دخلت عليها لم تعجبني؛ ولكن حفظا لكرامة أهلي وسمعتهم لم أتراجع؛ ولكني صبرت، وعندما مرت بنا الأيام لم تكن هذه المرأة ممن يصبر عليها، فأنا لا زلت لا أحبها يوما بعد يوم، والكره يزداد يوما بعد يوم، فهل يجوز لي طلاقها بهذا السبب علما بأني رزقت منها ببنت؟ يجوز ذلك؛ لأن الأرواح ما تقارب منها وما تعارف ائتلف، قال -صلى الله عليه وسلم- { الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تنافر منها اختلف } فإذا كان في نفسك نفرة منها فلا تكره نفسك على البقاء معها. س: سائل يقول: هل مرور المرأة البالغة من أمام المصلي في الحرم تقطع الصلاة وتبطلها علما بأنها مرت بيني وبين السترة التي وضعتها؟ صحيح أن الحرم قد يستثنى في حالة الضيق وفي حالة الزحام، ومع ذلك الإنسان يرد المار بين يديه رجلا كان أو امرأة؛ ولكن إذا كان هناك زحام ومر رجل أو امرأة فلعله لا يبطل الصلاة. س: وهذه امرأة تسأل تقول: كيف تتوضأ المرأة التي وضعت الحناء على رأسها، هل تمسح على الحناء أم تمسح على ملفعها أم ماذا تفعل؟ نرى أنها ترفع الخمار، وتمسح على الشعر، ولو كان قد جعل فوقه هذا الحناء، تمر يديها على ذلك الحناء وعلى هذا الشعر. س: هذا السائل يقول: هل طلب الرقية الشرعية ينافي التوكل على الله تعالى؟ وهل كل من طلب الرقية الشرعية يخرج من السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب؟ وهل هناك فرق بين المريض الذي يسمح بأن يرقى دون طلب منه وبين المريض الذي لا يسعى في طلب الرقية؟ الصحيح أن الرقية مباحة، والدليل قوله -صلى الله عليه وسلم- { لا بأس بالرقى ما لم تكن شركا } وقال -صلى الله عليه وسلم- { لا رقية إلا من عين أو حمى } يعني: أكثر ما تنفع الرقية؛ فذلك دليل على أن الرقية جائزة؛ ولكن من قوي قلبه، وتحمل الصبر، وعرف أنه لا يخضع لمخلوق، وأنه لا يتأثر بالأمراض؛ فإن الأولى له أن يصبر ويرضى، ولا يعالج لا برقية ولا بغيرها، وأما إذا رأى من قلبه شيئا من الضعف فالعلاج أفضل وأولى، وقد قال -صلى الله عليه وسلم- { تداووا عباد الله؛ فإن الله ما أنزل داء إلا وأنزل له دواء } وذكر أن { الشفاء في ثلاث: في كية من نار، أو شرطة محجم، أو لعقة من عسل } وفي رواية: { أو رقية } فهذه من العلاجات التي أباحها الله تعالى. فنقول: الناس في هذه الأزمنة قد تضعف نفوسهم عن تحمل الأمراض والصبر عليها، فلهم أن يعالجوا بالرقية وبغيرها. س: هذا السائل يقول: ما حكم استعمال الفيزا أو بطاقة الائتمان في الشراء وفي سحب المال؟ وهل هي في حكم الربا؟ لا شك أنها قد تكون ضرورية الذي هي أن البنك مثلا إذا أعطاه هذه الفيزا فإنه يأخذ منه عوضا مقابل أنه يسهل عليه الأخذ أو الصرف؛ فيكون هذا التسهيل مقابل ما دفعه؛ فلأجل ذلك نقول: لا بأس بها عند الحاجة؛ لكن إذا كان هناك ربا فإنها لا يجوز. صفة ذلك إذا –مثلا- اقترض من البنك، أو اقترض من أحد من الباعة –مثلا- أو اشترى بقيمة مائة وازدادوا عليه بعد أن يتأخر، إذا تأخر شهرا أو شهرين أو ثلاثة أو أضافوا إليها زيادة؛ فالزيادة ربا وإن كانت قليلة. س: هذا السائل يقول: هل يجوز الخروج إلى منى في يوم التروية بعد صلاة الظهر؟ نعم. الأصل أن الحجاج في منى يكونون في منى يوم التروية من الضحى إلى صباح يوم عرفة؛ ولكن من لم يأت منى إلا بعد الظهر أو لم يأتها إلا في الليل أو لم يتمكن من الإتيان إلى منى وتوجه إلى عرفة فلا حرج عليه؛ ولكن فاته الأفضل. س: وهذه سائلة تسأل تقول: أعطيت فقيرة عشرين دينارا كعيدية، فهل يجوز لي أن أعتبرها الآن زكاة ذهبي؟ لا يجوز؛ لأن الأعمال بالنيات، فهي دفعتها على أنها عيدية أو مساعدة، والزكاة لا بد أن تكون بنية عند الدفع. س: وتسأل تقول: إنها لم تزك ذهبها لمدة أربع سنوات؛ لكن لا يوجد عندها مال، وبعد ذلك أصبحت تبيع منه وتزكي، وهي تحاول توفير المال لتلك السنوات التي فاتت عليها ولم تزك، وقد حجت هذه السنة؛ لأنها تخاف أن لا يحصل لها مَحْرَم في السنوات القادمة، هل عليها شيء في الزكاة التي لم تزكها في السنين الماضية؟ الزكاة في الحلي فيها خلاف، مشائخنا الأولون لا يرون فيه زكاة محمد بن إبراهيم وعبد الله بن حميد - رحمهما الله- لا يرون فيه زكاة، مشائخنا المتأخرون عبد العزيز بن باز محمد بن عثيمين اختاروا أن فيه زكاة؛ ولكن لم يؤثموا من منع زكاته، وبكل حال إذا آثرت أو شق عليها ولم يكن عندها إلا أن تبيع منه؛ فلعلها يسقط عنها، وأما حجها فهو مقبول إن شاء الله. س: وامرأة تسأل تقول: هل تحسب للمرأة أجر صلاة الجماعة مع الإمام إذا كانت تصلي وحدها في مصلى النساء؟ لها أجر على قدر نيتها وعلى قدر عملها؛ بل المرأة تصلي في بيتها، وبيتها خير لها؛ حتى لا تخرج وتتعرض للتبرج أو لنظر الرجال إليها، فخير ما للمرأة أن لا ترى الرجال ولا يراها الرجال، ومع ذلك لو استأذنت ولم يكن هناك محظور؛ فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- { لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وبيوتهن خير لهن } فإذا احتسبت وصلت في بيتها فأجرها كامل كأجر الرجال. س: وهذه امرأة تسأل تقول: هل تذهب المرأة لزيارة أهلها عندما لا يوافق زوجها؟ لا تخرج إلا بإذن زوجها، إذا كان زوجها يمنعها ولا يوافق فإنها لا تذهب وتعتذر عن أهلها وترغب إلى زوجها أن لا يرضى بقطيعة رحمها وإبعادها عن أهلها. س: وتسأل تقول: ما الحكم الشرعي في لبس البنطلون وفوقه العباءة ؟ نرى أن المرأة لا يجوز لها لبس هذا البنطلون، أو الخروج بالسراويل؛ أن ذلك يبين حجم أعضائها وعورتها ولو كان ما عندها إلا نساء أو محارم ولو لبست فوقه العباءة أو المشلخ وذلك لأنه مفتوح من الأمام، قد ينظر إليها من ينظر ولو كان من محارمها؛ فلا يجوز ذلك إلا عند الزوج فقط، إذا لم يكن عندها إلا زوجها فلها أن تلبس ما تشاء أو ما يشاء زوجها. س: وهذه السائلة تقول: لي أب من الرضاعة له إخوان من الرضاعة أيضا فهل هم من محارمي؟ نعم يعتبرون أعماما؛ إذا أرضعتك امرأةٌ، زوجةٌ لرجل فالمرأة أمك وزوجها أبوك وإخوان المرأة خالاتك وإخوان الرجل أعمامك من الرضاع. س: وهذه سائلة تقول: هل يجوز تشقير الحواجب بدل من نمصها؟ أرى أنه لا يجوز؛ لأن في الحديث، لما قال: { لعن الله النامصات والمتنمصات، والواشمات، والمستوشمات، والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله } فهذا التشقير يعتبر تغييراً لخلق الله. س: وسائلة تقول: لدي عادة لا أستطيع أن أتركها، وهي أنني أقضم أظافري دون إرادة مني، فهل علي شيء في حالة قضم أظافري وأنا مُحْرِمة، علما بأنني لا أحس بالبداية ثم لا أنتبه إلا وقد قضمت أظافري؟ وما رأيكم في هذه العادة؟ نرى أنها عادة سيئة، وإن كانت الأظافر يباح أو يسن تقليمها بالمقلم "بالمقراض"، ولا يشرع بالأسنان، حتى نهى عنه بعض العلماء يعني: قضم الأظافر بالأسنان، فعلى كل حال إذا كانت محرمة تحرص على ألا تفعل؛ لكن لو قدر أنها غفلت وقرضت شيئا من أظافرها لا شيء عليها إذا كانت ناسية. س: تسأل تقول: هل يجوز للمسافر أن يصوم من أجل فضيلة أيام العشر من ذي الحجة؟ .. وصعوبة؛ فإن الفطر أفضل، الفطر يتقوى به المسافر على سفره، وعلى القيام بحاجته وبخدمة نفسه، فإذا كان الصيام يشق عليه فالفطر أفضل، وذكرنا أنه يستثنى من ذلك يوم عرفة أما يوم التروية فالعادة أن العمل فيه يسير، فمن تقرب بصيامه فلا ينكر عليه. س: هذه امرأة تسأل تقول: أخذت حبوب رفع الدورة، وقبل الوصول للميقات اكتشفت وجود كدرة بسيطة اغتسلت وأحرمت وأديت العمرة من طواف وسعي وتقصير مع استمرار أخذ حبوب رفع الدورة، ما حكم عمرتي؟ وماذا أفعل في الحجة إذا استمرت هذه الكدرة البسيطة المتقطعة حتى طواف الإفاضة؟ إذا كانت مجرد كدرة يسيرة أو نقطا يسيرة، يعني: في كل ساعة نقطة أو في كل ساعتين أو في نصف اليوم أرى أنها لا تسمى حيضا ولا ترد عنها الطواف؛ ولكن عليها عند الطواف أن تتحفظ، تتطهر قبل أن تدخل المطاف وتتحفظ وتكمل طوافها. س: وتسأل سائلة: هل الأفضل بالنسبة للهدي ذبح بدنة عن سبعة أشخاص أو أن يذبح كل واحد شاة؟ هدي التمتع وهدي القران من الإبل والبقر والغنم، فالبدنة تجزئ عن سبعة، وفضلها بعض العلماء؛ وذلك لأن الله تعالى نص عليها في قوله تعالى: { وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ } إلى آخر الآيات؛ فلذلك إذا كان هناك سبعة اشتركوا في جمل أو في ناقة فإن ذلك يعني قد يفضل، سيما إذا كان هناك من يأكله، يقطع ذلك اللحم ويأكله. أما إذا كان لا ينتفع به بل يطرح أو يدفن فنرى أن الغنم أفضل، سيما إذا كانت تؤكل، احتسب وذبح الشاة واستأجر من يذبحها، واستأجر من يخرجها في كيس أو نحوه يطعمها رفقته أو كذلك يتصدق بها على المساكين الموجودين في المظلات وما أشبهه، فهذا هو الأفضل. فالحاصل أن الاشتراك في الإبل إذا كانت تؤكل أفضل، وإن كانت لا تؤكل فالغنم التي تؤكل أفضل. س: وهذه تسأل تقول: ما حكم استعمال معجون الأسنان أثناء الإحرام خاصة وأن فيه رائحة النعناع أو غيره من الروائح؟ نرى أنه يكره، يستبدل بالسواك مدة أيام الإحرام؛ لأن فيه هذه الرائحة فهو شبيه بشيء من العطور، فالمحرم يتجنب الأطياب. س: وهذه تسأل تقول: ما الحكم في امرأة أسقطت حملها بعد خمسة أسابيع متعمدة ثم ندمت على ذلك، هل في ذلك كفارة؟ وجزاكم الله خيرا. ليس فيه كفارة؛ لأنه لم يتم نفخ الروح فيه؛ ولكن إذا طالبها أبوه- زوجها- بديته التي هي عشر دية أمه؛ فإنه يصيبها أما إذا عفا عنها فلا بأس. س: هذه تقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، يا شيخ -حفظك الله- يقول الله تعالى: { وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ } السؤال: نحن في الحملات نوكل في الذبح فلا نعلم ما هو وقت الذبح فمتى نتحلل للإحرام؟ التحلل يكون بعد الرمي والحلق هذا هو التحلل، ومعنى محله: يعني وقت حل ذبحه، فصبح يوم العيد هو محل ذبحه، وليس شرطا أن يذبح، إنما قوله: { حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ } أي: حتى يأتي إلى المكان الذي يذبح فيه، والذي يحل الذبح فيه مكانا وزمانا، ويتحلل ويحلق أو يقصر ولو لم يذبح هديه. س: هذه تسأل تقول: ما حكم لبس الجوربين بالنسبة للنساء ؟ بالنسبة إلى الجوارب يعني شراب الرجلين يجوز للنساء، وأما القفازين شراب اليدين فلا تجوز ما دامت محرمة. س: وهذه تسأل تقول: ما حكم تأخير صلاة العشاء إلى ما بعد منتصف الليل، وذلك في كل ليلة تقريبا متعمدة فهل هذه الصلاة مقبولة؟ مقبولة، الوقت واسع، وقت العشاء يمتد إلى طلوع الفجر أو إلى قرب طلوع الفجر؛ ولكن التفريط-يعني- إلى ما بعد نصف الليل يعتبر تساهلا وتفريطا، فالأولى أن يكون نهايته إلى ثلث الليل أو إلى منتصف الليل ولا يزاد. س: وهذه تسأل تقول: هل ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه من حج ثم مضت عليه خمس سنين ولم يحج مع قدرته المالية فإنه محروم؟ ورد في ذلك حديث، ولكنه ضعيف أنه يقول ما معناه: أن من أنعمت عليه ليس عليه أن يترك هذا الحج أكثر من خمسة أعوام؛ ولكن الحج على المستطيع وأيضا عند القدرة، ولو كل عام، فإذا لم يكن عنده قدرة فلو غاب عشر سنين أو عشرين سنة يعني: لم يحج فهو معذور. س: وهذه تسأل تقول: نرجو الإجابة للأهمية القصوى، فنرجو توضيح حديث النبي عليه الصلاة والسلام: { لعن الله النامصة والمتنمصة } ما هي حدود نمص الحواجب؛ حيث إنه كثر الكلام أنها مجرد تنظيف أو أن الحواجب ربما تكون مشوهة للوجه؟ الحديث ورد بهذا اللفظ: { لعن الله النامصات والمتنمصات } والنمص: هو إزالة الشعر من الحواجب، سواء بالنتف أو بالتقصير قصه أو بحلقه أو بحلق أطرافه، أطراف الحاجبين من الأعلى أو من الأسفل؛ فإن ذلك كله من النمص. لا شك أن الحاجب أنبته الله تعالى في الإنسان ذكرا وأنثى تماما للزينة، وفيه أيضا مصلحة وهو أنه يحفظ العين مما يتساقط من الغبار أو من الشعر، ففيه فائدة عظيمة زيادة على أنه جمال؛ ولأجل ذلك يوجد من حين يولد الطفل، من حين يخرج من بطن أمه فيه هذا الشعر -شعر الرأس وشعر الحاجب وشعر الأهداب-؛ فدل على أنه من تمام الزينة، فالذين يكرهونه أو يقصرونه أو يرون فيه تشويها أو ما أشبه ذلك يدخلون في تغيير خلق الله. س: هذا السائل يقول: لدي محل أجهزة كهربائية، وليس عندي مال حتى أخرجه لهذه الزكاة؛ فهل يجوز أن أخرجه من تلك المواد أي من هذه الأجهزة؟ في الأصل أنه لا يجوز لأن له قيمة؛ ولكن معلوم أنه سوف يبيع منها يوميا، أو أسبوعيا فكلما باع احتسب حتى يجمع، يجمع قيمة أو مقدار الزكاة قبل أن يشتري. بعض الناس إذا باع وجمع مثلا مائة ريال أو مائة دينار، ذهب يشتري بها مواد أخرى ولم يخرج زكاة فنقول: أخرج الزكاة قبل أن تشتري غيرها. في الختام لا يسعنا إلا أن نشكر فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين حفظه الله. |