المحرم مأمور بأن يكثر من ذكر الله تعالى ؛ مثل التلبية التي هي شعار الحاج، والمعتمر ما دام محرما، عليه أن يرفع صوته بها؛ ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال: { إن الملك قال لي: مر أصحابك أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال } . الإهلال: هو التلبية؛ وذلك ليشعروا بأنهم في عبادة؛ فإن التلبية عبادة عبادة أيُّ عبادة؟! المحرم بحج أو عمرة ما دام متلبسا بهذا الإحرام فإنه يلبي يقول: " لبيك اللهم لبيك"، ومعنى لبيك: أي: أنا مقيم على طاعتك إقامة بعد إقامة. التلبية معناها: لزوم الطاعة إذا قال الإنسان: لبيك فمعناه أجبتك، ومعناه: لازمت طاعتك وتمسكت بها. الإجابة معناها الالتزام، أنا مجيب لك وأنا ملتزم بطاعتك، استحضر أيها الحاج هذه التلبية؛ معناها: أنا مقيم على طاعتك. لبيك أي: أنا مطيعك، أنا مجيب لك، أنا عبدك، أنا عبدك المطيع، أنا عبدك المتواضع، أنا عبدك المملوك، أنت ربي وأنا عبدك؛ أجبتك واتبعت ما أرشدتني إليه وتركت ما أملكه، وجئت إليك على هذه الحال؛ فيكون ذلك سببا في أن الله تعالى يتقبل دعوته، إذا التزم بذلك. تتكرر هذه التلبية كلما تجددت به حال فإذا صليتم المكتوبة ارفعوا صوتكم بالتلبية، إذا صليتم ظهرا أو عصرا أو مغربا أو عشاء أو فجرا ترفعون أصواتكم بالتلبية. وكذلك إذا ركب أحدكم سيارته جدد التلبية، إذا نزل منها جدد التلبية، إذا أقبل الليل جدد التلبية، إذا أقبل النهار جدد التلبية، إذا نسي وفعل محذورا جدد التلبية، إذا سمع الملبين جاوبهم ولبى معهم، إذا تلاقت الركاب أو تلاقت الرفاق، التقى اثنان أو جماعتان جددوا تلبيتهم كل واحد منهم وما أشبه ذلك. ذكر في الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان ملازما لتلبيته إلى أن رمى الجمرة، يعني: استمر عليها نحو خمسة عشر يوما، وهو يلبي، ولم يقطعها إلا لما بدأ في رمي جمرة العقبة في يوم العيد فتوقف بعد ذلك؛ وذلك لأنه شرع في أسباب التحلل، ومتى شرع في أسباب التحلل صدق عليه أنه قد أتى بما يتحلل به من الإحرام. قبل ذلك يندب للحاج أن يكثر من التلبية. كذلك أيضا: نحن في هذه الأيام؛ أيام العشر، وبعدها أيام التشريق، كلها أيام ذكر، ورد أن الله تعالى حث فيها على الذكر في قول الله تعالى: { لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ } . أخبر بأنها أيام فاضلة وأيام معلومة، وأن عليهم أن يكثروا فيها من ذكر الله تعالى، ويشكروه على ما رزقهم من بهيمة الأنعام؛ حيث سخر لهم هذه البهائم التي أباحها لهم، وأحل أكلها وجعلها من أكبر نعمه حيث سخرها وذللها، ولو شاء لنفرت. فهم في هذه الأيام وفي غيرها يذبحون ويأكلون ويطعمون؛ ولهذا قال تعالى: { فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ } وقال: { وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ } البدن: هي الإبل ونحوها { جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ } يعني: عند ذبحها. كانوا يصفونها صفا ثم يذبحونها وهي قيام معقلة أيديها اليسرى. { فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا } أي: تساقطت بعد أن ذبحت، عند ذلك قال: { فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا } . الله تعالى غني عنكم، وعن عباداتكم وعن أموالكم، لا يناله اللحوم ولا الدماء ولا ينتفع بها، وإنما يناله التقوى منكم؛ يدل ذلك على أنكم من المتقين الذين اتقوا ربهم، وامتثلوا ما أمرهم الله تعالى به؛ فهكذا يكون الحجاج ممتثلين لأمر الله تعالى. |