مناسك الحج أعظمها، وأفضلها، وهذه منة، ونعمة وفضيلة، وفق الله تعالى لها من أتى إلى هذه المشاعر، ووقف بها وعمل، الأعمال المشروعة فيها، فإنها بلا شك منة ونعمة عظيمة، وفق الله المسلمين، سبحانه وتعالى وفقهم لأن قطعوا المسافات التي قطعوها، حتى وصلوا إلى هذه المشاعر بيسر وسهولة وعدم كلفة ومشقة. ثم وفقهم لأن عقدوا الإحرام، أحرموا وتجنبوا المحظورات التي يؤمر بأن يتجنبها المحرم تعبدا، وطواعية، وامتثالا لأمر الله تعالى، كذلك أيضا وفقهم لأن دخلوا مكة وهم في حالة الإحرام؛ فطافوا بالبيت طواف القدوم، أو طواف العمرة، وسعوا أو من سعى منهم. كذلك أيضا وفقهم لأن جددوا الإحرام، إذا كانوا متمتعين، ثم وفقهم وأعانهم لأن وقفوا في هذا المكان الذي هو منى في اليوم الثامن، ثم وفقهم وأعانهم بأن توجهوا إلى عرفات وقفوا بعرفات خاضعين خاشعين متواضعين، ودعوا ربهم مبتهلين متضرعين، وأقاموا هناك ما أقاموا، ثم وفقهم لأن باتوا بمزدلفة ثم وفقهم لأن أتوا مرة ثانية لهذا المشعر. لا شك أيها الإخوة أن هذه نعمة عظيمة ومنة كبيرة، يجب على المؤمن شكر الله تعالى حيث أعانه على هذه المناسك، وعلى هذه الأعمال؛ فيحمد ربه ويشكره ويثني عليه ويستغفره ويتوب إليه، ويحمده على ذلك حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، ويعرف أن الله تعالى هو الذي وفقه، وسدد خطاه إلى أن أتم أكثر هذه المشاعر؛ فكان ذلك من فضل الله تعالى عليه. بقي من الأعمال في هذه الأيام ذكر الله تعالى، قال الله تعالى: { فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا } فقد قضيتم أكثر المناسك، حيث قضيتم الإحرام، وأنهيتموه أو أكثره، وقضيتم من المناسك الوقوف والمبيت بمنى والوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة والمجيء إلى منى ورمي الجمار، والحلق أو التقصير غالبا، فهذه أكثر المناسك، { فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا } . كان في الجاهلية إذا انتهوا من أعمال الحج؛ يجتمعون في أسواق لهم في عكاظ ومجنة وذي المجاز فيذكرون آباءهم ويفتخرون بأسلافهم وبأفعالهم، وينشدون أشعارهم، ويذكرون مآثرهم، ويكثرون من ذكر الآباء والأجداد والقبائل والأسلاف؛ ليفتخروا بذلك، ولكن هذا الافتخار من أمر الجاهلية الذي أزاله الإسلام. قال النبي صلى الله عليه وسلم : { إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء، إنما هو مؤمن تقي أو فاجر شقي، الناس كلهم بنو آدم، وآدم من تراب، لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى } وقال: { لينتهين أقوام عن فخرهم بآبائهم الذين ماتوا، أو ليكونن أهون على الله من الجعلان } ؛ يعني أنهم الذين قد ماتوا ماتوا وصاروا كما صاروا، ورد في الحديث أنهم: { أصبحوا فحما من فحم جهنم } إنما يفتخر الإنسان بدينه، الفخر الحقيقي بدينه، وبكل حال فإن الله تعالى نهى عن هذا الافتخار فقال: { فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا } أي: كما أنكم تذكرون أسلافكم؛ فاذكروا الله تعالى، أو أكثروا من ذكره. الذكر في هذه الأيام له عدة أنواع، علينا أن نعرفه، فمن ذلك ذكر الله تعالى عند رمي الجمار، وذكره عند ذبح الهدي، وذكره عند الأكل والشرب مما أحله الله تعالى من بهيمة الأنعام، وكذلك ذكره بعد الصلوات، بعد الصلوات المكتوبة يندب أنهم يرفعون أصواتهم بالتكبير. التكبير المقيد يبدأ في حق غير الحجاج من صبح يوم عرفة إذا صلوا الفجر يوم عرفة ؛ كبروا: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد، وأما في حق الحجاج؛ فيبدأ من صلاة الظهر يوم النحر؛ أي من هذا الوقت؛ وذلك لأن الحجاج قبل هذا الوقت كانوا مشغولين بالتلبية، يعني أنهم محرمون والمحرم إذا انصرف من صلاة مكتوبة؛ رفع صوته بالتلبية. وحيث إنهم أو أكثرهم قد تحللوا؛ أي قد حلوا من إحرامهم، فلم يبق إلا التكبير؛ فيرفعون أصواتهم بالتكبير، زيادة على أن الله تعالى أمرهم بالذكر، زيادة على الأذكار المطلقة، أو الأذكار الواردة بعد كل صلوات، مثل قول: اللهم أنت السلام... إلى آخره، لا إله إلا الله لا نعبد إلا إياه... إلى آخره، أو اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، أو لا إله إلا الله لا نعبد إلا إياه؛ الأذكار الواردة يأتون بها، وكذلك التسبيح، والتحميد، والتكبير ثلاثا وثلاثين بعد كل صلاة، وكذلك أيضا قراءة آية الكرسي، وسورتي المعوذتين، وسورة الإخلاص، هذه من الأذكار التي يأتي بها المسلم بعد كل صلاة، إذا تيسر له ذلك؛ فيحافظ على هذا فإنه من جملة ذكر الله تعالى. |