كما أن نتواصى أيضا بإخلاص الدين لله تعالى. الإخلاص هو أن يريد الإنسان بعمله وجه الله والدار الآخرة، ولا يريد بذلك رياء ولا سمعة، ولا يريد بذلك تمدحا ولا يريد بذلك ذكرا وثناء بين الناس، ولا يريد بذلك مصالح دنيوية حتى يكون عمله خالصا. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحث أصحابه على الإخلاص في العمل، وينهاهم أشد النهي عن ما يفسد ذلك من الرياء الذي هو مراءاة الناس بأعمالهم؛ فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: { من سمع؛ سمع الله به، ومن راءى؛ راءى الله به } ؛ يعني فضحه أمام الناس. ويقول الله في الحديث القدسي: { أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشك فيه معي غيري تركته وشركه } ويقول في حديث آخر: إن الله يقول للذين يراءون بأعمالهم: { اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون فانظروا هل تجدون عندهم من ثواب أعمالكم شيئا } ؛ المعنى إنكم لا تجدون عندهم شيئا، وأن العمل الذي خالطه شرك؛ يحبط ويبطل ثوابه، ولا يبقى له ثواب والعياذ بالله. وقد توعد الله تعالى الذين يراءون بالويل في قوله تعالى: { فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ } ؛ يعني يراءون الناس بأعمالهم، ويراءون الناس بصلواتهم فلهم الويل يوم القيامة. وكذلك ذكر أن الرياء من صفات المنافقين فقال تعالى: { وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ } فكذلك أيضا يكون هذا الرياء مفسدا للأعمال التي يقارنها كالحج والجهاد ونحوه. ورد أن { رجلا قال: يا رسول الله، الرجل يقاتل حمية، ويقاتل رياء أو يقاتل ليرى مكانه، أو يقاتل للمغنم. أي ذلك في سبيل الله؟ فقال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا؛ فهو في سبيل الله } ؛ يعني: أن هذا الذي قاتل لنصر الله ولنصر دينه هو الذي يكون قتاله في سبيل الله، وهو الذي يثاب أجر المجاهدين. كذلك أيضا ما ورد أنه صلى الله عليه وسلم ذكر { الثلاثة الذين أول ما تسعر بهم النار: رجل قاتل رياء، فذكّره الله بنعمه فقال: ما فعلت، فيقول: قاتلت في سبيلك حتى قتلت، فيقول الله: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت، ولكنك قاتلت ليقال جريء، أو ليقال شجاع. والذي أنفق أمواله رياء وسمعة، فيقول الله: إنك أنفقت ذلك ليقال جواد، أو ليقال كريم فقد قيل } أي ليس لك إلا ما قاله الناس. يعني: أن الذي يعمل العمل لأجل أن يمدحه الناس، ويثنوا عليه؛ فإنه يبطل عمله، وكذلك القارئ أو العالم الذي يتعلم ويقرأ حتى يقول الناس: هذا قارئ أو هذا عالم؛ ليس له إلا ما قاله الناس، فيكون عمله لغير الله. فنتواصى بأن يكون حجنا لله، ولوجه الله، لا نريد به رياء، ولا سمعة ولا تمدحا، ولا نتمدح في المجالس بأن يقول أحد: أنا قد حججت عشرين حجة أو ثلاثين، أو أنا أحج كل عام، أو كل عامين، يريد بذلك إن يكثر ثناء الناس ومدحهم له في الأماكن والمجالس؛ فإن هذا حظه من عمله والعياذ بالله. وكذلك أيضا الذين يحجون لمصالح دنيوية لم يكن الذي حملهم على الحج هو إرادة وجه الله تعالى وإنما حملهم على ذلك كونهم يطلبون مصالح دنيوية، هؤلاء أيضا ممن يحبط عملهم. ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال: { تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة } يعني الذي يحب لأجل الدرهم ويبغض لأجله، ويوالي لأجله ويعادي لأجله، ويعطي ويمنع لأجله،؛ يحب الناس لأنهم أعطوه، ولا يحبهم لدينهم ولا لعباداتهم؛ ويبغضهم لأنهم منعوه أو حرموه؛ فهذا يعتبر عبدا للدنيا. بكل حال نقول: إن هذا يحمل المسلم على أن يكون مخلصا لله تعالى، وأن يكون عمله يريد به وجه الله حتى يسلم عمله مما يفسده، سواء الحج أو غير الحج. |