أما مناسبة هذا الاجتماع وهذا اللقاء: فهو زيارة الإخوان، وتلبية طلبهم، مع الثقة بأنهم -والحمد لله- معهم علماء وفقهاء يعلمونهم ويدلونهم على كثير مما قد يخفى عليهم حكمه، أو يكون فيه اشتباه، ولكن من التجاوب. نحب في هذه الأمسية، نحب أن نتذكر نعم الله تعالى علينا؛ حيث منّ علينا بما يسر. فأولا: أن وفقنا لأداء هذه المناسك، التي هي عبادات وقربات نتقرب بها إلى الله تعالى، وفقنا الله وأعاننا ويسر لنا، وقد كان كثير من الآباء والأجداد يشق عليهم الوصول إلى هذه المشاعر، ويتمنون أن يصلوا إليها بما يستطيعون، ولكن لا يجدون قدرة ولا تمكنا ولا نفقة، ولا زادا أو راحلة، ولا غير ذلك من الأسباب التي توصلهم إلى هذه البقاع؛ فهم يحنون ويئنون ويشتاقون وقلوبهم تتشقق شوقا على هذه الأماكن، فنحن -والحمد لله- وصلنا إليها بيسر وسهولة؛ فعلينا أن نشكر الله تعالى على هذا. ذكر الله تعالى الشكر في آيات الحج في قوله تعالى: { وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } فختم هذه الآية بالشكر؛ مع أنه ليس فيها إلا أنه سخر لنا هذه البهائم، والتي أكبرها: هذه الإبل التي هي من أقوى المخلوقات وأصبرها على التعب وعلى الظمأ وعلى حمل الأثقال، لولا أن الله سخرها لنفرت وهربت، كما تهرب الوحوش والظباء والوعول وحمر الوحش وما أشبهها، فالله تعالى سخرها وذللها لكم فامتنّ بها عليكم: { وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ } ؛ يعني من العلامات التي جعلها الله تعالى شعائر يتذكر بها العباد فضل الله تعالى. وشعائر الله: هي العلامات التي يعرف الله تعالى بها، ويعرف بها فضله على عباده، والتي جعلها أماكن للعبادة، منها الصفا والمروة { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ } فالبُدن من شعائر الله؛ لذلك تعظيمها هو العمل بما أمر الله فيها في قوله تعالى: { وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ } . أمر الله تعالى بالشكر في آخر هذه الآية: { كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } ؛ فنشكر الله على أن سخرها لنا؛ نركب ونحلب ونلبس من صوفها، ونفترش من جلودها، وننتفع بها ونأكل من لحومها، ففيها منافع كثيرة: { وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ } ؛ يعني مما أنتم بحاجة إليه. شكر الله تعالى واجب على المسلم؛ حيث إنه لا ينفك عن نعمة من نعم الله عليه في كل الحالات دائما، بل هو يتقلب في نعم الله، ويتذكر دائما أنه لا ينفكّ عن نعمة من نعم الله عليه؛ فمن ذلك ما يسر لنا من هذه الوسائل التي تقرب البعيد، هذه المراكب البرية والبحرية والجوية التي يسرها الله، والتي سهلها وسهل صناعتها، والعثور على أسباب صناعتها، ولو شاء الله ما علمها الإنسان، كما أنه علم نوحا صناعة السفينة، وجعلها من نعم الله، وامتنّ بها على عباده في قوله تعالى: { وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ } وفي قوله: { وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ } . فكذلك أيضا لما أنه علّم الإنسان ما لم يعلم، علمه صناعة هذه المراكب التي تقطع المسافات بسرعة في طرقها البرّية الأرضية والبحرية والجوية، لا شك أن هذا من نعم الله، علينا أن نشكر الله، وأن نذكر فضله علينا، وأن نحمده على ذلك. كذلك أيضا نشكره على أن مكن لنا، وأعطانا من الوسائل ما نصل به إلى هذه الأماكن، فكان الأوائل يشكون الفقر، وقلة ذات اليد، يحول بينهم وبين أن يصلوا إلى هذه البلاد، أحدهم يشتغل طوال نهاره؛ حتى يحصل على قوت يومه وليلته الذي يقوت به نفسه وأهل بيته، ولا يبقى له شيء يسافر به؛ فلذلك لم يجب عليه الحج؛ لأنه عاجز، يتمنى إذا ذهب الحجاج أنه يصاحبهم؛ ولكن يعوقه الإعدام والفقر والفاقة وقلة المال الذي يتمكن به؛ فلذلك إذا سار الحجاج يكون قلبه معهم، ولسان حاله يقول: أتـراكم فــي النقــا والمنحـنى أهـل سـبع تذكــرون ذكرنــا انقطعنــا ووصلتــم فـاعلـموا واشكـروا المنعـم يا أهـل مـنى سـار قلبـي خـلف أظعــانكـم غـير أن العــذر عـاق البدنــا مـا قطعتــم واديــا إلا وقــد جئتـه أســعى بـأقـدام المُنَـى يعني: بالتمني، هكذا حالتهم، حبسهم العذر، ولهم الأجر، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: { إن بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم حبسهم العذر } . كذلك نقول: إننا في هذه الأزمنة يسّر الله تعالى لنا الرزق، ومنّ علينا، فأغنانا من فضله، ووسع علينا، نجد المال الزائد عن حاجتنا، أحدنا يكفيه دخله سنة وسنوات وعدة سنوات لو لم يكتسب؛ ذلك فضل الله تعالى علينا، فنشكره على ذلك، ولا ننقطع عن هذه العبادة ما دمنا قادرين وما دمنا متمكنين، لا ننقطع عنها، بل نحاول أن نؤدي ما نقدر عليه من هذه العبادات؛ حتى يسخرها الله تعالى وييسرها لنا؛ وحتى يثيبنا على ذلك على هذه العبادات أجرا كبيرا. أولا: بوجود المال ووجود وسائل النقل وأمن الطرق وما أشبه ذلك. يحدثنا بعض الآباء أنهم كانوا إذا نزلوا يسيرون على الإبل إذا نزلوا في بعض المنازل؛ يأتيهم من يخطف طعامهم، فيذكرون أنهم إذا أصلحوا طعامهم الذي هو خبزة كبيرة فيجعلونها في النار، فيتغافلهم أحد اللصوص ويأتي إليهم على حين غفلة ويختطفها، يأخذ معه حشيشة أو نحوها ويقلبها ويجعلها على هذه الحشيشة ويهرب منهم، فيبقون ليس لهم طعام تلك الليلة أو ما أشبه ذلك. وكذلك أيضا يذكرون أنهم إذا أمسوا في بعض الليالي يأتيهم من يختطف لحوفهم وفرشهم، فيجعلون حارسا يراقبهم، ففي مرة يقول: بعدما أحرموا كان هناك قبائل من قبائل هذيل أو نحوهم الذين يسكنون في رءوس الجبال، يقول: فكان أحدهم نائما وقد التحف بعباءة والتحف أيضا بردائه الذي هو الإحرام، فجاءه من اختطفهما، فنبهه إلى ذلك الحارس، وقال: عباؤتك يا فلان لا تؤخذ، فانتبهوا، فإذا هي قد أخذت، فقال: أخذها، وأخذ الإحرام، فمن يرده؟ انقطعوا هؤلاء انقطعوا -والحمد لله- وأصبحنا آمنين. كان أيضا كثير من الحجاج في القرون الوسطى لا يحجون إلا جماعات، يؤمرون .. عليهم واحدا يحميهم من قطاع الطريق، فكانوا إذا جاءوا في وسط الطريق اعترضهم الأعراب ولم يمكنوهم من المسير إلا بضرائب يسمونها الإخاذات؛ أي ما يأخذونه عليهم. يذكر ابن كثير في التأريخ أنهم حجاج العراق مرة؛ العراق وخراسان ؛ لما جاءوا استصحبوا معهم اثنين من القراء الذين قراءتهم حسنة وصوتهم حسن، فعند ذلك لما قربوا من أولئك الأعراب الذين يأخذونهم ارتفع أحدهم فوق ربوة وجلس يقرأ القرآن بصوت رقيق، فلما سمعته الإبل وسمعته الدواب أصغت إليه وتوجهت نحو صوته، فجاءه رئيس أولئك القطاع الذين هم من البوادي، وقال لهم: من هذا الذي يقرأ معكم؟ فقالوا: هذا الرجل معنا، ومعه آخر. فقال: إننا كنا نأخذ عليكم الإخاذات، وإننا سنترككم لأجله، لماذا؟ عرف أنه إذا قرأ فإن إبل الأعراب سوف تتبع صوته، فتذهب عليهم، فشحّوا بإبلهم، وتركوا الأخذ من الحجاج. فذكروا أن الدواب والإبل والغنم ونحوها تخضع للصوت الرقيق الصوت الحسن الصوت الذي يكون رفيعا ويكون رقيقا؛ إذا سمعته توجهت إليه وخشعت له واتبعته، فهؤلاء الأعراب كانوا يأخذون الحجاج، أو يأخذون عليهم إخاذات؛ ولكن لما جاءوهم بهذين القارئين، وعرفوا أنه إذا قرأ واحد منهم تبعته إبل رواحل الحجاج، وكذلك إبل البوادي ونحوها. فالحاصل أن هذا دليل على أنهم يلاقون جهدا، ويلقون ضررا من هؤلاء القطاع، هؤلاء كلهم -والحمد لله- قد انقطعوا، وقد أمنت البلاد، فلا عذر لأحد في أن يترك التردد إلى هذه المشاعر. .. لرجاء ما رتبه الله تعالى على هذه المشاعر، وعلى هذه العبادات من الأعمال الصالحة التي يحبها الله تعالى، وكذلك من الثواب العظيم في قوله صلى الله عليه وسلم: { العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة } فمن يزهد في الحج المبرور، ومن يزهد في كفارة الذنوب وفي مغفرتها، كقوله صلى الله عليه وسلم: { من حج فلم يرفث ولم يفسق؛ خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه } ؛ أي محص ومحيت عنه سيئاته، يظهر أنها تمحى عنه صغيرها وكبيرها. شرط ذلك -كما ذكر- أن يكون الحج مبرورا، وأن لا يفسق، ولا يرفث؛ وإن كان ذلك شرطا ثقيلا؛ ولكنه خفيف وهين على من أعانه الله تعالى عليه، كما في حديث معاذ وسعد لما سأل طلب من النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: { أخبرني بعمل يدخلني الجنة، ويعيذني من النار؟ فقال: لقد سألت عن عمل، أو عن أمر كبير؛ وإنه ليسير على من يسره الله عليه } ثم أخبره بما يجب عليه. فالحاصل: أن هذه الشروط: كون الحج مبرورا، وكون الحاج لم يفسق، ولم يرفث، ولم يعص، كلها -والحمد لله- سهلة وميسرة على من يسر الله تعالى عليه أداء هذه العبادات. مسألة ذكر الله تعالى بعد قضاء المناسك نقول: إن من ما أمر الله تعالى به بعد قضاء هذه المناسك: كثرة ذكر الله؛ لقوله تعالى: { فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا } وذكر الله كل شيء يذكر بالله؛ لأن الإنسان إذا كان غافلا قلبه عن ربه؛ غفل عن طاعته، وانشغل بسهو وبلهو، وانشغل قلبه وصد عن ما أمر به، فإذا ذكر الله تعالى، وتذكر عظمته؛ انصقل قلبه وزالت عنه الغفلة. فالإنسان إما أن يكون ذاكرا، وإما أن يكون غافلا؛ إما أن يكون من الناسين لله، وإما أن يكون من الذاكرين له. وقد نهى الله تعالى عن نسيانه في قوله تعالى: { وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ } ؛ يعني نسوا ذكر الله، ونسوا آياته، ونسوا أعمالهم التي تذكرهم بالله، ونسوا ثوابه وعقابه، ونسوا أسماءه وصفاته، وانشغلوا بما يشغلهم عن ذلك؛ انشغلوا باللهو والسهو، انشغلوا بالغناء والزمر، انشغلوا بالقيل والقال، انشغلوا بدنياهم وبأمورهم الدنيوية، فكان ذلك سببا في أن الله أنساهم أنفسهم؛ أي مصالح أنفسهم. وكذلك يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: { وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ } . الإخفاء بذكر الله تعالى والجهر به أيهما أفضل اختلف العلماء: هل الأفضل الإخفاء بالذكر أو الجهر به؟ ولكن لعل الصواب أنه يجوز الجهر به عند المناسبات، وعند رؤية الغافلين، روي في بعض الآثار: ذاكر الله في الغافلين كالمقاتل بين الفارين. فإذا رأيت أناسا غافلين، وذكرت الله تعالى بينهم؛ انتبهوا وتنبهوا للذكر وذكروا الله وتابعوك في ذكره؛ فتكون أنت الذي نبهتهم، وأنت الذي علّمتهم وأزلت ما هم فيه من الغفلة والسهو واللهو؛ فيكون لك أجر على أنك ذكرتهم بالله تعالى. وإلا فإن الإخفاء بالذكر يكون فيه أجر؛ لأنه أدل على الإخلاص، وأدل على محبة الله؛ ولذلك قال في هذه الآية: { وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ } ؛ يعني اذكر ربك بقلبك، تذكر بقلبك عظمة الله وجلاله وكبرياءه، وتذكر آلاءه ونعمه عليك، وتذكره بأسمائه وصفاته وآياته، فالآيات المبينة التي نصبها كدلالات لعباده على عبادته وما أشبه ذلك: { وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً } ؛ أي خوفا ووجلا من عقاب الله الذي وعد به الغافلين؛ ولذلك ختم الآية بقوله: { وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ } . فهذه الأيام أيام ذكر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: { أيام منى أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل } فيجب الإكثار من ذكر الله تعالى. وكذلك امتثالا لقول الله تعالى: { وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ } ؛ أي هذه الأيام اذكروا الله وأكثروا من ذكره في هذه الأيام التي هي أيام قليلة معدودة لعلكم أن تكونوا من الذاكرين لله ومن الشاكرين له. وكان من الدعاء المأثور الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل قوله: { يا معاذ إني أحبك، فلا تدع أن تقول دبر كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك } ؛ فنكثر من ذكر الله تعالى حتى لا نكون من الغافلين، ولا نكون من الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم. ونختم بذلك كل عمل يحبه الله تعالى، الصلاة تختم بالذكر، والصيام أيضا يختم بالذكر وبالدعاء، والحج يختم بالذكر؛ يختم بما يسر الله تعالى وبما يقدر عليه من الذكر في أيام المناسك، وكذلك بقية الأعمال الصالحة نختمها بالذكر، بل ونديم ذكر الله في كل الحالات؛ لما ثبت أنه -صلى الله عليه وسلم- أوصى رجلا فقال: { لا يزال لسانك رطبا بذكر الله } ؛ أي مستعملا لذكر الله دائما. وكان بعضهم يقول لبعض، يوصي بعضهم بعضا، ويقول: أكثر من ذكر الله حتى يقال: مجنون؛ يعني إذا كنت دائما تكثر من ذكر الله فقد يسمعك بعض الجهلة فيقول: هذا مخبل، هذا ناقص العقل، هذا مجنون. كان بعض السلف رحمهم الله يكثر من ذكر الله، فسمعه بعض الجهلة، فقال: أمجنون صاحبكم؟ فسمعه فقال: ما هذا بالجنون، هذا دواء الجنون؛ يعني: كثرة ذكر الله تعالى. ذكر في تفسير قوله تعالى: { فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ } . أن ذكر الله يكون بالقلب، وباللسان، وبالجوارح. فذكر الله بالقلب: هو محبته، وخوفه، ورجاؤه، والتوكل عليه، والتفكر في آياته، وفي مخلوقاته، وتذكر نعمه على العباد، ونحو ذلك. وذكره باللسان: التسبيح، والتحميد، والتكبير، والتهليل، والاستغفار، والدعاء، والتلاوة، وما أشبه ذلك؛ أي كلها تذكر بالله. وذكره بالجوارح: الأعمال والحركات التي يعملها؛ فإنها أيضا تذكر بالله تعالى، كالصلوات فإنها تذكر بالله، والطواف، والوقوف بعرفة، وأعمال المناسك كلها، ورمي الجمار، وما أشبهها، كما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: { إنما جعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله } أي كلها مما يذكر بالله، فلنحافظ على ذلك؛ حتى نمتثل أمر الله في هذه الآيات: { وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ } . وكذلك أيضا نحرص على أن نعمل بما تعلمناه في هذه الرحلة، وما تعلمناه في غيرها؛ حتى لا يكون علمنا وما سمعناه وبالا علينا، وكذلك أيضا نحرص على ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه التبليغ وهو قوله: { ليبلّغ الشاهد منكم الغائب } فمن استفاد فائدة وعرف أن وراءه من تخفى عليه هذه الفائدة من أمي أو قارئ صغير أو كبير؛ فلا يحتقر نفسه أن يعلمه مما علمه الله؛ حتى يكون من الذين ينتفعون بعلمهم وينفع الله تعالى بهم غيرهم. نسأل الله أن يتقبل منا جميعا حجنا ومناسكنا وأعمالنا الصالحة، وأن يجعلنا من الفائزين برضاه، وأن يمكّن لنا ديننا الذي ارتضاه لنا، وأن يبدلنا بعد الخوف أمنا، وبعد الفقر غنى، وأن ينصر دينه ويعلي كلمته ويصلح أحوال المسلمين. كما نسأله أن ينصر إخواننا المجاهدين في سبيله في كل مكان، المجاهدين في الشيشان وفي فلسطين وفي الفلبين وفي كشمير وفي إريتريا وفي سائر البلاد الإسلامية، المضطهدين المستضعفين، فندعو لهم بالنصر وبالتمكين، رجاء أن الله تعالى ينصرهم على عدوهم، وندعو على أعدائهم بأن يخذلهم، اللهم اخذل الكفرة والمشركين، اللهم دمرهم تدميرا، اللهم اجعل بأسهم بينهم شديدا، اللهم ألق العداوة بينهم في قلوبهم، واجعل قلوبهم شتى، اللهم فرق جمعهم وشتت شملهم، وافلل حدهم، واشقق عليهم عصاءهم، وزلزل الأرض من تحت أقدامهم، وأحصهم عددا، واقتلهم بددا، ولا تغادر منهم أحدا، يا رب العالمين إنك على كل شيء قدير، والله أعلم. وصلى الله على محمد . أسئـلة نستمع إلى الأسئلة. س: أحسن الله إليكم. سائل يقول: رجل جلس في منى إلى الساعة الثانية عشرة ليلاً وذهب إلى الجمرة في الساعة الواحدة والنصف وذلك في ليلة مزدلفة ورمى جمرة العقبة وطاف علمًا أنه ليس معه ضعفة وليس محتاجا إلى الانصراف من مزدلفة فهل عليه دم؟ الذي نقول به ونوصي به: أن من انصرف من مزدلفة قبل نصف الليل؛ فإن عليه دما، وإن خالفنا في ذلك من خالفنا؛ يعني هناك المالكية إنما يبيحون أن ينزل ويحط الرحل ويصلي ويلتقط الجمرات ... ثم يذهب ولو لم يبق إلا ساعة، ولكن هذا خلاف فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وفعل الصحابة؛ فإنه ما أذن إلا للضعفة الذين يخشون حطمة الناس، من لم يكن من الضعفاء نقول له: لا يجوز لك أن تنفر إلى ما بعد نصف الليل، ويفضل أو نختار أن من انصرف من الأقوياء كمحارم الضعفاء ونحوهم ألا يرمي إلا بعد طلوع الشمس. س: أحسن الله إليكم. سائل يقول: من طاف الوداع وأراد الرجوع إلى منى ليبيت فيها، فهل عليه شيء وذلك في ليلة الثالث عشر؟ نعم عليه أن يرمي في اليوم الثالث عشر إذا بات بمنى إذا أدركه الليل ليل ثلاثة عشر يعني هذه الليلة وهو في بمنى ؛ فعليه أن يبيت ويرمي اليوم الثالث عشر، وعليه أن يعيد طواف الوداع حتى يكون آخر عهده بالبيت . س: أحسن الله إليكم. سائل يقول: بعض الإخوة يؤخر رمي الجمار من غير عذر، ويرمون في اليوم الثالث عشر، فهل عليه إثم؟ نختار أنه لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما رخص لأهل الأعذار كرعاة الإبل الذين يذهبون على الرواحل، رخص لهم أن يرموا في اليوم الأول يوم العيد جمرة العقبة ثم يذهبون لرعي الإبل فيغيبون يومين أو ثلاثة أيام فإذا جاءوا في اليوم الثاني عشر؛ رموا جمار الحادي عشر، ثم رموا جمار الثاني عشر ونفروا، والذين لا ينفرون لا يأتون إلا في اليوم الثالث عشر. فأما غيرهم؛ فلا يرخص لهم التأخير؛ وذلك لأن هذه وظائف يومية، فرمي الجمار يعتبر وظيفة يومية؛ يعني كل يوم بيومه، فإذا رماها في يوم واحد، فكأنه أغفل هذه الأيام، لم يأت فيها بهذا الذكر. إذا قلنا إن رمي الجمار إنما شرع للذكر، فكأنه غفل في اليوم الحادي عشر، وغفل في اليوم الثاني عشر لم يأت بالذكر، وأتى بذكر في اليوم الثالث عشر، وهذه الغفلة قد تقسّي القلب لقوله تعالى: { وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ } . س: أحسن الله إليكم. سائل يقول: عند طواف القدوم للمتمتع، وأثناء الزحام أحدثت من غير قصد، ويصعب عليّ الوضوء لكثرة الزحام وكبر السن، فأكملت الطواف، فهل علي شيء؟ يعفى عن طواف القدوم فطواف القدوم سنة؛ فنقول: إنك لا يجزئك ذلك الطواف، ولا تعتدّ به، فإن كان طواف عمرة فلا تعتد به، بل عليك أن تطوف طوافا آخر، إذا كان الإنسان متمتعا مثلا، ثم إنه لم يتيسر له أن يطوف للعمرة ولم يتحلل لها، أو طاف طوافا لا يجزيه كالذي أحدث في طوافه، فإن عليه أن يدخل الحج على العمرة؛ يكون قد أحرم بالحج بعد العمرة وأصبح قارنا، وإذا طاف طواف الإفاضة كفاه عن طوافه للقدوم، أو عن طوافه للإفاضة عن طوافه للحج والعمرة، وبكل حال هذا الطواف لا يعتد به. س: أحسن الله إليكم. رجل اعتمر وخرج إلى بلاده ولم يتحلل بالقص أو الحلق بسبب الغفلة والجهل؟ إذا أحرم قبل أن يتحلل بالحلق أو التقصير؛ يعني اعتبر قد أدخل الحج على العمرة إذا كان متمتعا؛ فيصبح قارنا وحلقه بعد رمي الجمار يعتبر حلقا عن النسكين، وطوافه الذي طافه يعتبر طواف قدوم، وسعيه يعتبر سعي حج إن كان سعى، ويعتبر طوافه بعد ذلك طواف إفاضة. س: العاجز عن طواف الوداع بسبب كبر السن أو المرض، فهل يجوز له ترك طواف الوداع؟ نرى أنه لا يجوز، يطاف به محمولا على سرير، فإذا عجز فإن عليه دما. س: أحسن الله إليكم سماحة الوالد يقولون: نريد معنى الرفث والفسوق في الآية؟ يعني في قول الله تعالى: { فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ } وفي الحديث: { من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق؛ رجع كيوم ولدته أمه } ذكر المفسرون في الرفث آثارا كثيرة أكثرهم على أن الرفث: هو الجماع، واستدلوا بقوله تعالى: { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ } ؛ أي الذي هو الجماع، وآخرون قالوا: إنه الكلام الذي يتعلق بالنساء، كل شيء يتعلق بالوطء وبالاستمتاع وبالشهوة فإنه داخل في الرفث. وآخرون قالوا: إنه ما يثير الشهوة كالتقبيل واللمس والضم والمباشرة وما أشبه ذلك، ولو لم يحصل منه إنزال. تعرفون أنهم جعلوا من محظورات الإحرام ثلاثة تتعلق بذلك، فجعلوا من محظورات الإحرام: عقد النكاح، وهذا عليه دليل من السنة: { لا يَنكح المحرم ولا يُنكِح ولا يخطب } . ومن محظورات الإحرام: المباشرة؛ بمعنى التقبيل والمباشرة والضم ضم الزوجة ونحو ذلك. ومن محظورات الإحرام: الجماع، وكل هذه داخلة في قوله تعالى: { فَلَا رَفَثَ } . وأما الفسوق فإنه المعاصي كل معصية تسمى فسقا؛ وذلك لأن الفسوق في اللغة: هو الخروج، ومنه تسمية بعض الدواب بالفواسق في قوله: { خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم } وذلك لخروجهن عن طبيعة بقية الحيوانات، فالفسوق هو الخروج عن الطاعة، سمى الله تعالى بعض المعاصي بذلك في قوله تعالى: { وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ } وكذلك قوله تعالى: { وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ } وغير ذلك من المعاصي التي سماها الله فسقا، فالمحرم يتجنب هذه المعاصي كلها. وأما الجدال فهو المنازعات والمخاصمات في أمور جدلية حتى ولو كانت تتعلق بالمناسك؛ إذا كان في المسألة خلاف فيقال: لك اجتهادك ولي اجتهادي، فإذا نازعك أحد وعندك معرفة فقال: إن الطواف لا يشترط له الطهارة، إن من قال به كذا وكذا وإنه يتكلم فيه وإنه يعمل؛ يمشي فيه، فلماذا تشترطون فيه الطهارة؟ فقل: أنا أعتقد ذلك وأنت تعتقد ما تعتقده، ولا نتجادل، ولا نطيل الخصام. وكذلك إذا قال لك: إن علينا أن نتم الصلاة في هذه الأيام؛ لأن عثمان مثلا وعائشة كانا يتمان والصحابة مع عثمان كانوا يتمون الرباعية؛ فإنك لا تجادله وقل: لعثمان اجتهاده ولك اجتهادك ولنا اجتهادنا، ولا ينبغي أن نتنازع ولا أن يخطئ بعضنا بعضا، فالكل مجتهدون، ولكل مجتهد نصيب. س: أحسن الله إليكم. سائل يقول: نسمع عبر مكبرات الصوت عند الجمرات تكبير، وفيه تذكير للحجاج، فهل هذا حسن، أم هو بدعة محدثة؟ لا شك أنه من الأمر بالمعروف وأنه من التعليم؛ وذلك لأن هناك كثيرين لا يعرفون المناسك إنما حجوا لأول مرة، فإذا سمعوا بهذا المكبر إرشادات توجهوا إلى الجمرة الدنيا التي في موضع كذا، وارموها من كل جهة، وعليكم أن تكبروا مع كل حصاة، وارموا بمثل حصى الخذف. بعد ذلك توجهوا إلى الجمرة الثانية التي هي الوسطى ففي هذا تعليم داخل في تعليم الجاهل في قوله في الحديث: { ويل للعالم من الجاهل حيث لا يعلّمه } وداخل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولو كان بصوت رفيع. س: أحسن الله إليكم. سائل يقول: من أدرك جماعة يصلون المغرب وقد صلاها وهم في سفر وأراد أن يصلي معهم العشاء فهل يجلس بعد الثانية ويسلم، أم يكمل معهم الركعة الثالثة ثم يلحقها رابعة؟ نرى أنه إذا دخل معهم أن يتابع الإمام، ولا ينصرف حتى يسلم الإمام، فإذا سلم الإمام جاء برابعة؛ نظرًا إلى أن عليه متابعة الإمام لقوله في الحديث: { إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه } . س: سائل يقول: ما رأي فضيلتكم في جمع التبرعات بواسطة المزاد؛ بمعنى أنه يؤتى بساعة ويعمل عليها حراج، ثم السعر الذي تقف عليه تباع به، ويوضع هذا المبلغ في المشاريع الخيرية، كما أن لهذا المشتري لهذه السلعة أن يشترط في كيفية إنفاق هذه السلعة، ويحدد المشروع إن أراد، فهل هذا العمل جائز؟ هذا أمر ما كنا عليه ولا كان المشائخ يذكرونه، ولكن نظرا لما فيه من الفائدة ومن جمع هذه التبرعات أو هذه الجمعيات وصرفها في مصارف خيرية؛ لا حرج في ذلك، ومن فعل ذلك فله أجر على قدر نيته. س: سائل يقول: هل تجوز الصلاة خلف إمام في خيمة ونحن في خيمة أخرى مع العلم أنّا نسمع صوت المكبر في الخيمة الأخرى، هل صلاتنا صحيحة خلفه؟ إذا كنتم خلفه أو إلى جانبه، وامتلأت الخيمة التي هو فيها، ولم يكن هناك مجال للانضمام إليهم جاز الاقتداء به لسماع الصوت واضحا، أما إذا كنتم أمامه؛ يعني قدام ذلك الإمام فلا يصح كما هو معلوم. س: من غربت عليه شمس هذا اليوم بسبب الزحام الشديد؛ فهل عليه شيء؟ إذا ركب سيارته بعدما حمل متاعه وتوجه نحو الخروج، ولكن لأجل الزحام غربت عليه الشمس؛ فلا حرج عليه أن يواصل سيره. س: اتصلوا علينا الآن عند الجمرات يقولون: حمّلوا أغراضهم في سيارتهم متجهين للجمرة، بسبب الزحام ما وصلوا إلى الجمرة ولا رموا إلا بعد الغروب؟ نرى في هذه الحال إذا رموا بعد الغروب معناه أنهم غربت عليهم الشمس وهم ما رموا؛ فنرى في هذه الحال أنهم يتأخرون حتى يرموا من الغد، هذا الذي نختاره. س: تعلمون -وفقكم الله- أن الحج في هذا الزمان أصبح ميسورا جدا؛ حيث إن الإنسان يلتحق بحملةٍ ما وتوفر له كل شيء، فهل هذا الأمر ينقص من أجر الحاج؛ حيث لا يجد مشقة أم لا؟ لا شك أن الأجر على قدر المشقة، ولكن له أجره على قدر ما عمل، ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال لعائشة { إن أجرك على قدر نفقتك } أو قال: { على قدر نَصَبك } كما روى ذلك البخاري ولكن لا يعدم أجره. س: سائل يقول: من كان عليه دم، فمتى يذبح هذا الدم وعلى من يوزعه؟ وإذا لم يكن معه تلك القيمة، فهل على المرأة أو على الرجل أن يبيع شيئا من متاعه حتى يشتري دما ويذبحه كفارة لما فعل من محظور أو نحو ذلك؟ نبدأ أولا: أن المحظورات فديتها على التخيير، إذا لبس مخيطا عمدا أو غطى رأسه أو تطيّب أو قص من شعره قبل التحلل الأول أو قص من أظفاره؛ فإنه مخير، له الخيار: أن يصوم ثلاثة أيام عن كل محظور، أو يطعم ستة مساكين، أو يذبح شاة. وأما الواجبات؛ إذا ترك واجبا: كأن أحرم بعدما تجاوز الميقات، أو انصرف من عرفة نهارا، أو لم يجلس في مزدلفة أو لم يبت بمنى أو ترك رمي الجمار أو بعضها، أو ترك المبيت بمنى ليالي منى أو ترك الحلق؛ فهذا عليه دم لا يجزئه إلا الدم، ويسمى دم جبران. ثم نعرف أن وقت هذا الدم واسع، فلا يتقيد بأيام الحج، بل لو أخره شهرا أو شهرين؛ فله ذلك، فإذا لم يكن معه قيمته في هذه الرحلة؛ فله إذا رجع إلى بلده أن يرسل قيمته مع من يثق به، أو يتصل بأحد معارفه في مكة فيقول له: أرسل إليك بواسطة فلان أو بواسطة فرع البنك الفلاني أو شركة الراجحي أو نحو ذلك خمسمائة أو ثلاثمائة تشتري بها كبشا أو تيسا وتذبحه وتقسمه على مساكين الحرم وهم كثير، إذا سألت عنهم؛ وجدتهم في أطراف مكة وفي نواحيها كثير يسكنون في صنادق أو يسكنون في بيوت شعبية أو نحو ذلك يتلقون مثل هذه الصدقات. وقد تجدهم أيضا حول البيت يعني هؤلاء السودان والأحباش ونحوهم إذا أتيتهم بهذا اللحم فإنهم يختطفونه، وكذلك إطعام ستة مساكين يكون من مساكين الحرم . س: أحسن الله إليكم. سائل يقول: رجل الآن خارج منى ويريد أن يتعجل، فهل يجوز له أن يأتي ويرمي ثم يخرج؟ نقول: إذا رمى وخرج قبل الغروب فله ذلك؛ بمعنى إذا كان مساكنهم في طرف منى أو ملحقة بمنى كالذين يكونون في مزدلفة أو في جهتها أو في جهة العزيزية غربا أو جهة الششة يعني في خيام متصلة، فمثل هؤلاء عليهم إذا تعجلوا أن يخرجوا قبل الغروب، يرمون قبل الغروب ويخرجون قبل الغروب. وأما إذا كانت مساكنهم التي أقاموا فيها نهارهم في مكة كالذين يسكنون في العزيزية في شقق هناك ويأتون في الليل ويبيتون على الأرصفة أو يبيتون في أطراف الشوارع؛ فنرى أن هؤلاء عليهم أن يرموا قبل الغروب، وإذا رجعوا إلى بيوتهم اعتبروا قد خرجوا من منى . س: السائل الآن خارج منى بمكة اتصل بالتليفون يقول: آجي وأرمي وأطلع، ولّا أرمي وأنزل للمبيت؟ إذا لم يكن قد رمى، فإنه إذا أخر الرمي حتى غربت الشمس؛ لزمه المبيت والرمي من الأول. س: سائلة تقول: يا شيخ أذهب إلى الحرم مشيا على الأقدام، وأخشى أن تصاب العباءة بنجاسة من الأرض، وإذا تبين أن العباءة تأثرت، فما حكم الطواف؟ الأصل طهارة بطين الشوارع وبالمياه التي تجري في الشوارع وبالطرق، الأصل فيها الطهارة فلا ينبغي التشدد في أمرها. س: من لم يصل إلى مزدلفة إلا الساعة الرابعة صباحا بسبب الزحام الشديد، وبات بها حتى طلوع الشمس؟ لا حرج عليه؛ أن هذا هو القدر الذي استطاعه؛ فمبيته كامل. س: سائل يقول: أحرمت من جدة وبعد الإحرام لبست المخيط خوفا من إرجاعي، فهل علي من إثم، ثم ماذا علي؟ نعم. عليك فدية؛ إذا كنت غطيت رأسك ولبست القميص؛ فعليك صيام ثلاثة أيام عن القميص وثلاثة عن العمامة تغطية الرأس بعمامتك أو بقلنسوة، وإن كنت كشفت الرأس فليس عليك إلا فدية واحدة عن القميص، تخير بين صيام ثلاثة أيام، وإطعام ستة مساكين، أو ذبح شاة. س: سائلة تقول في سؤال طويل لها وملخصه: أنها تعاني من فعل المعاصي وتعود إليها، ولكن المنزل لا يساعد على ذلك، فما توجيهكم إليها الله يحفظكم؟ نرى أنها تفارق هذا المنزل، إن المنازل الممتلئة بآلات اللهو تكون من الدوافع إلى المعاصي، وكذلك الممتلئة بالفسقة، الكثيرون من الناس الذين يجتمعون في بعض المنازل يخوضون في الأعراض، ويتكلمون في الصالحين ويتناقصون أهل الدين، ويكون هذا ديدنهم. من جالسهم فإنه قد يبتلى بممازحاتهم ومضاحكاتهم، فيكون قد عمه الأمر الذي يعمهم، ونزل عليه أو اتصف بالمعصية التي يتصفون بها، كذلك أيضا الذين يخوضون في غيبة أو نميمة أو ما أشبه ذلك؛ فننصحها بمفارقة ذلك المنزل، أو بمفارقة أهله والاعتزال حتى تسلم. س: أحسن الله إليكم. في السؤال السابق يا شيخ: تقول يصوم ثلاثة أيام عن القميص؟ نعم. س: والدم يا شيخ، لو أراد الدم؟ له الخيار إما أن يصوم ثلاثة أيام وثلاثة أيام، أو يطعم ستة مساكين وستة مساكين، أو يذبح شاة وشاة (يعني شاتين). س: أحسن الله إليكم. سائل يقول: من وُكِّل على الرمي، فهل يرمي عن نفسه كلها ثم يرمي عن موكله أم ماذا؟ الأرفق به أن يرمي في موقف واحد الجمرة الصغرى يرميها بسبع ثم يرميها عن موكله، ثم يذهب إلى الجمرة الوسطى ويرميها بسبع عن نفسه ثم بسبع عن موكله وهو في موقفه، ثم الكبرى كذلك. س: سائل يقول: صليت بالتيمم حيث قيل لي لا يوجد ماء، وبعد انتهاء الصلاة اكتشفت وجود الماء، فهل صلاتي صحيحة؟ صحيحة إن شاء الله لكن نقول: إن الواجب الاجتهاد؛ إن الإنسان عليه أن يجتهد ويتطلب الماء قبل أن يبدأ في التيمم، ولكن إذا وثق بأن من أخبره بأنه ليس هناك ماء وعدل إلى التيمم، ولم يعلم بوجود الماء إلا بعدما انتهى من صلاته فإنها تجزيه. س: سائل يقول: إذا كان الله عز وجل كتب على عبده الشقاوة أو السعادة، فما فائدة العمل؟ .. كأنه سؤال متحير، فنقول: إن الله تعالى قدّر المقادير ومع ذلك فإنه أمرنا، ولا يأمرنا إلا ونحن قادرون، لا يأمر من هو عاجز، ونعرف أيضا أنه إنما كتب ما يصير إليه الإنسان بعلمه القديم، فهو علم ما الخلق عاملون بعلمه القديم وكتب ذلك وقدره. فعلم من سوف يؤمن ومن سوف يكفر، ومع ذلك فإنه أمرهم فقال: { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ } { كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ } { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ } يعني أمرتم به، وكذلك يأمر عباده فيقول: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا } { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } فلا يمكن أنه يأمر من لا يقدر، فهو سبحانه قد أعطى عباده قدرة واستطاعة يزاولون بها الأعمال ولو كانوا عاجزين لما أمرهم، ولولا أنه يعلم أنهم يفعلون ذلك ما أمرهم؛ مع علمه بما سبق بمن يمتثل ومن لا يمتثل. س: أحسن الله إليكم. شخص صحيح البدن ولم يكن معه ضعفة، فهل يجوز له أن يرمي ليلا؟ نرى ذلك إذا خاف من الزحام، إن كثيرا يخشون من الزحام ولكن حيث إن هذه رخصة رخص بها المشائخ نظرا لوجود الزحام؛ فلعل الأفضل والأولى أن يخرج من الخلاف، وأن يرمي نهارا، ولكن إذا أخر الرمي إلى الليل لشغل أو خوف من الزحام أو أخذا بالرخصة؛ فله ذلك. س: سائل يقول: نريد أن نطوف طواف الوداع غدا قبل الزوال، ثم بعد الزوال نأتي ونرمي الجمرات ونغادر إلى بلادنا، فهل علينا شيء؟ لا يجوز، بل طواف الوداع يكون آخر أعمال الحج، فلا بد أن ترموا قبل أن تطوفوا. س: سائلة تقول: ما حكم العدسات الملونة التي للزينة ؟ لا تجوز إذا احتاج الإنسان إلى تقوية بصره بعدسات؛ فيأخذ عدسات من جنس البصر ليست ملونة؛ لأن هذه الملونة فيها شيء مما يلفت النظر وفيها شيء من التغيير لخلق الله. س: سائل يقول: طفنا طواف الإفاضة في السطح وكان هناك زحام شديد، وكنا ننزل إلى المسعى من شدة الزحام هل هو جائز؟ وهل يجوز: نطوف بعض الأشواط في المسعى؟ المكان الذين ينزلون فيه مكان قصير، عندما يضيق المكان -الذي هو السطح- ينزلون نحو عشرة أمتار أو نحوها على سطح المسعى ثم يعودون إلى سطح المصعد لا بأس بذلك. س: من كانت محرمة ونظرها ضعيف هل يجوز لها أن تلبس النقاب؟ عليها أن تلبس الخمار الذي يكون رقيقا بحيث إنه يخرق بصرها ذلك الخمار، يوجد خمر سوداء؛ يعني تسمى عند العامة الغداة والشيرة.. تجعلها على بصرها وتبقيها، ويكون الذي حول البصر شفافا يخرقه البصر، أما النقاب فلا تلبسه حتى تحل من الإحرام. |