فأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى، والعمل بتعاليم الإسلام فإن تقوى الله سبب العفو. وتقوى الله تعالى هي الخوف منه الذي يحمل على أداء العبادات تقربا إلى الله، وعلى ترك المعاصي والمحرمات. وأوصيكم ونفسي بالإخلاص في أعمالكم أن تكون أعمالكم يراد بها وجه الله. حُفِظَ من دعاء عمر -رضي الله عنه- الخليفة الراشد أنه يقول: " اللهم اجعل عملي صالحا، واجعله لوجهك خالصا، ولا تجعل لأحد فيه شيئا". وكان أبو بكر - رضي الله عنه- إذا ما دعاه أحد، وأثنوا على أعماله يتواضع فيقول: " اللهم اجعلني خيرا مما يظنون، واغفر لي ما لا يعملون". يعني: أنهم يظنون بي ظنا أني كذا وكذا، وقد لا يعلمون شيئا في نفسي فاجعلني خيرا مما يظنون، وخيرا مما يقولون، واغفر لي الأشياء التي لا يعلمونها فقد يكون فيَّ نقص، وقد يكون معي شيء من الخطايا ومن الزلل. هذا يقوله من باب التواضع، وإلا فإنه -رضي الله عنه- من السابقين إلى الخيرات. وروى أيضا عن عائشة أنها فسرت قول الله تعالى: { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ } . فتقول: " السابقون بالخيرات": هم محمد وخلفاؤه الذين سبقوا إلى الإيمان. "والمقتصدون": هم من بعدهم من الصحابة الذين اقتصدوا في عملهم. "وأما الظالم لنفسه": فمثلي ومثلكم. تقوله تواضعا وإلا فهي -رضي الله عنها- وكذلك أمهات المؤمنين هم من أسبق السابقين. وكان كثير من السلف - رحمهم الله- يحتقرون أعمالهم، ولو بلغت ما بلغت حتى يقول بعضهم لما كان في الحج فيقول: إني أظن أن الله تعالى يرد دعوتهم لأني معهم. يقول: إني أعلم من نفسي تقصيرا ونقصا فأخشى أن يكون شؤم أعمالي وشؤم ذنبي سببا في رد دعوات هؤلاء الخلق الكثير هؤلاء الحجاج. قاله من باب التواضع؛ وإلا فالظن بهم أنهم من أهل الخير، وأنهم من السابقين إلى الخيرات الذين يرجى أن يرحمهم الله. فأين نحن من أولئك؟ أولئك الذين يسارعون في الأعمال الصالحة، ويتسابقون إليها. يتسابقون لصالح الأعمال. وكذلك أيضا يقومون الليل، ويصومون النهار، ويجاهدون في سبيل الله، وينفقون مما يجدونه، { وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ } ومع ذلك فإنهم يحتقرون أعمالهم، ويقولون: إنها قليلة بالنسبة إلى ما يجب علينا لربنا. فربنا حقه علينا كبير، حقه علينا أن نعبده بكل ما نستطيع. ويقول بعضهم: سبحـان من لو سجدنا بالعيون لـه على حمى الشوك والمُحْمَى من الإبر لم نبلغ العشـر من معشار نعمتـه ولا العُشَيْرَ ولا عشـرا مـن العشر ويقول بعضهم: إذا كان شكري نعمـةَ الله نعمـةً عليَّ لـه في مثلها يجب الشكـر فكيف بلـوغ الشـكر إلا بفضلـه وإن طالت الأيـام واتصل العمـر إذا مس بالسـراء عم سـرورها وإن مس بالضراء يعقبهـا الأجر أي: أن شكرنا لنعم الله تعالى نعمة. أنت مثلا إذا تذكرت نعمة الله، وقلت: الحمد الله. أليس توفيقك لقولك: الحمد لله نعمة تحتاج إلى شكر آخر؟! فتقول أيضا: والحمد لله على أنْ منَّ عليّ. وإذا قلت مثلا: الحمد لله، مرة ثالثة فهي نعمة أيضا تحمد الله تعالى عليها. كذلك أيضا بقية الأعمال التي وفقك الله تعالى لها. وصية بالإكثار من شكر نعم الله تعالى فأوصيكم ونفسي بالإكثار من شكر الله تعالى على هذه النعم حتى يواصل نعمه علينا، وحتى يزيدنا من فضله فإنه سبحانه يحب الشاكرين، ويزيدهم من فضله كما وعدهم. وكذلك الاغتباط بما من الله به عليكم، وما أعانكم عليه. وكذلك احتقار أعمالكم وبيان أنها قليلة بالنسبة إلى ما يجب عليكم، أو بالنسبة إلى نعم الله عليكم كما ورد أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: { لن يدخل أحدا منكم الجنة عمله، -أو لن يدخل أحد الجنة بعمله- قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل } مع أنه -صلى الله عليه وسلم- سيد الخلق مع ذلك يقول: أعمالي لا تؤهلني إلا إذا رحمني الله تعالى. فالخلق ضعيفون بأعمالهم إلا إذا رحمهم الله تعالى. ورد في حديث { لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم. ولو رحمهم لكانت رحمته خيرا لهم من أعمالهم } يعني: مع أنه- سبحانه- كتب على نفسه الرحمة، وكتب كتابا فهو موضوع عنده على العرش، أن رحمتي سبقت غضبي، أو أن رحمتي تغلب غضبى. ومع ذلك فإن الخلق بحاجة إلى رحمة الله؛ ولو عملوا أمثال الجبال من الأعمال. قرأت في بعض الكتب أنه يؤتى برجل له أعمال كأمثال الجبال من الحسنات فيقول الله: أدخلوه الجنة برحمتي. فيقول: يا رب، أليس بأعمالي هذه؟ فيقول: حاسبوه، حاسبوه على نعمه. فيقول الله لنعمة البصر: خذي حقك، ولنعمة السمع: خذي حقك من أعماله، ولنعمة العقل؛ فلا يبقى له من أعماله شيء فيقول: أدخلوه النار. فيقول: يا ربى؛ بل برحمتك أدخلني. فيقول: أدخلوه الجنة برحمتي. فعرف بذلك أن الإنسان وإن عمل ما عمل فإنها قليلة بالنسبة إلى حق الله تعالى عليه، وبالنسبة إلى نعم الله التي أنعم بها عليه سواء في جسده، أو في أحواله، أو في غير ذلك. يشكر العبد ربه، ويفرح بما وفقه له، ويتوب إليه سيما إذا أعانه على هذه الأعمال الصالحة، ويرجع إليه إذا كان قد اقترف سيئات فيما مضى من عمره، ويعاهد الله في هذه المشاعر، ويتوب إليه ويقول: يا رب إنك وفقتني، وأعنتني على أداء هذه المناسك، والوقوف بهذه المشاعر، وهذه المقدسات فوفقني في بقية حياتي لأن أعمل صالحا، واعصمني من الخطأ، وتب عليّ. وأنا أتعهد أني لا أعود إلى معصيتك، ولا إلى ترك طاعتك، ولا أفرط في الأعمال، ولا أعمل أعمالا تسخطك يا رب. فأنا من الآن تائب إليك. إن كنت قد رضيت عني فازدد عني رضا، وإلا فمن الآن، من الآن فارض عنا. كان بعض السلف يدعون بقولهم: اللهم ارض عنا فإن لم ترض عنا فاعف عنا. العفو مطلب شريف مع أنه إنما يكون عن الخطايا. يعني: في الحديث لما قالت عائشة -رضي الله عنها-: إن وافقت ليلة القدر ما أقول؟ قال: { قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني } أليس هذا دليلا على الاعتراف بالخطأ؟ يعني أننا مخطئون، وبحاجة إلى عفوك يا رب. العفو إنما يكون عن الخطايا "عفوت عنكم" أي: غفرت لكم خطاياكم، ومحوت عنكم آثارها، فلا شك أن هذا دليل على أن العبد بحاجة إلى أن يعفو الله عنه، وأن يغفر له خطاياه، وأن يمحو عنه سيئاته، وأنه دائما يكتسب سيئات، ويكتسب أعمالا إذا لم يعف الله عنه فإنه يستحق العذاب إلا برحمة الله تعالى. يقول بعضهم: يــا رب عبــدك قــد أتــا ك وقــد أســاء وقــد هفـا حمـل الذنـوب علــى الذنـو ب المـوبقـــات وأســرفــا يكفيـــه منــك رجـــاؤه مـن ســوء مـا قـد أسرفــا رب اعــف عنــه وعافــه فلأنــت أولــى مــن عفــا فنحن بحاجة إلى عفو الله؛ لكثرة خطئنا، ولنقصنا، ولتقصيرنا في أعمال يحبها الله، ولتقصيرنا في أوامر الله، ولأنا كثيرا ما نقول ولا نفعل، نتكلم ولكن أفعالنا تخالف أقوالنا إلا ما شاء الله. أليس ذلك يوجب علينا الخوف الشديد أن يعاقبنا الله تعالى، وأن يسلبنا ما أعطانا، وما أنعم علينا؟ نشكر الله تعالى، ونذكره، ونكثر من دعائه فإنه يحب الملحين في الدعاء سيما في هذه المواقف الشريفة التي يستجيب الله فيها الدعاء، ويحب من عباده أن يظهروا فاقتهم وفقرهم إليه. فهكذا فليكن المؤمنون في هذه المواقف فالله -سبحانه وتعالى- أكرم من أن يردهم خائبين. نسأل الله -عز وجل- أن يتقبل منا صالح أعمالنا. نقول: اللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. ولا تجعلنا من المحرومين والمطرودين، ولا تجعلنا من بعد رجائك مطرودين. واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم، والميتين. وتجاوز عن خطايانا يا رب العالمين. والله أعلم. وصلى الله على محمد وآله وصحبه. أسئـلة الحمد الله رب العالمين. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. نسأل الله عز وجل بأسمائه الحسنى، وصفاته العلا أن يجزي شيخنا خير الجزاء. ونسأله –سبحانه- وتعالى أن يجعلنا وإياكم ممن يستمع القول فيتبع أحسنه. هناك أسئلة كثيرة نسأل الله سبحانه وتعالى أن يبارك في وقتنا لنطرح من أهمها... س: سائل يقول: ما هو الحكم فيمن يقوم بأخذ جزء من مقدمة الرأس وجوانبه، ولا يعمم التقصير لجميع الرأس ؟ وما هو الواجب عمله فيما مضى من السابق سواء بجهل البعض بذلك أو بعلم البعض بذلك والإصرار عليه؟ الأصل في هذا قول الله تعالى: { مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ } والحلق أو التقصير قيل: إنه نسك. وقيل: إنه تحلل... هذا الشعر، يعتبر ذلك طاعة وعبادة. اختلف في التقصير. ذهب الشافعية إلى أنه يكفي الأخذ من جوانب الرأس ولو قليلا. وأما المختار فيه وهو قول الجمهور فإن عليهم أن يعمموا من رءوسهم إذا كانوا يقصرون، أن يدور على رأسه وإن لم يأخذ من كل شعرة شعرة قد يبقي بعض الشعرات؛ ولكن إذا دار حول رأسه فإنه يجزئه بذلك. ثم هؤلاء الذين اقتصروا على حلق أجزاء يسيرة من الرأس؛ لأنهم عملوا بهذا المذهب الذي نقل عن الشافعية، أو أفتاهم من يتبع ذلك المذهب، أو رأوا بعضا أو كثيرا من الناس سيما عند المروة الكثير الذين معهم مقاريض إذا جاءوا حلقوا من هنا ومن هنا، وقالوا: قد تحللنا. وكذلك أيضا عند الجمرة في يوم العيد يوجد كثير منهم معهم هذه المقاريض، فيأخذ من هذا شعرة، ومن هذا شعرات فلعله انخدع بهؤلاء.نقول: ما مضى لا يلزمه فيه شيء، والمستقبل عليه أن يحرص على التقصير من كل رأسه. س: أحسن الله إليكم. وهذا سائل يقول: نحن عائلة واحدة أحللنا بالحج مفردين جميعا، وحصل أن قام البعض من الأبناء والنساء بالتقصير بعد نهاية السعي وذلك جهلا منهم ونسيانا ... في حقهم. وهل يعذرون بجهلهم ونسيانهم؟ الصحيح أن الناسي معذور، المحظورات هذه خمس: قص الشعر فيه نقص وأخذ، وتقليم الأظفار فيه أيضا أخذ لهذه الأظفار، وتغطية الرأس، ولبس المخيط، واستعمال الطيب. من العلماء من يقولون: إنه إذا كان المحظور فيه إتلاف فإنه يستوي عمده وسهوه؛ فيجعلون على من قص ولو كان ناسيا أو جاهلا يجعلون عليه الفدية، فيقولون: إنما النسيان والجهل يعذر به من لم يكن في فعله إتلاف. ولكن القول الثاني ولعله الأقرب: إنه لا يؤاخذ إذا كان ناسيا أو جاهلا، حتى في الصيد مع أنه إتلاف، قتل للصيد. إنما أوجب الله فدية على المتعمد لقوله تعالى: { لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا } فخصه بالمتعمد فدل على أن الناسي والجاهل معذور. فكذلك الناسي إذا قص من شعره ناسيا. س: أحسن الله إليكم. وردت مجموعة من الأسئلة تسأل عن أمر التوكيل في رمي الجمار. ما الضابط الشرعي لأمر التوكيل في رمي الجمار ؟ كان قبل ثلاثين سنة الرمي فيه مشقة وصعوبة؛ فلذلك كانوا يوكلون. في هذه الأزمنة خف الأمر، فالحكومة- أيدها الله- جعلت هذا الطابق الثاني تسهيلا على الناس فيُرمى من فوق، ويرمى من تحت حتى يتسع للناس المكان. ثم كانوا قديما أيضا وقت الرمي قصير إنما هو في اليوم الحادي عشر من الظهر إلى المغرب، وكذلك في اليوم الثاني عشر، وكذلك في يوم العيد ينتهي بغروب الشمس. ثم إن مشايخنا -وفقهم الله- رخصوا في الرمي ليلا فأباحوا أن يرمي ليلا. فعلى هذا يوم العيد الرمي فيه متسع الوقت، يعني: يمكن أن يقال: إنه من الساعة الواحدة ليلا ليلة العيد، وطوال يوم العيد نهارا، وطوال ليلة إحدى عشر إلى الساعة الرابعة أو قريبا من الخامسة كله رمي. فنرى في هذه الحال أنه لا عذر لأحد في أن يوكل رجالا، أو نساء إلا العاجز الذي لا يقدر على أن يمشي لكبر، أو مرض أو نحوه رجلا كان أو امرأة. أما في اليوم الحادي عشر فإن الرمي يبدأ من الظهر يعني: من زوال الشمس، ويستمر أيضا في الليل إلى آخر الليل، وقريبا من الساعة الخامسة كل هذا أيضا وقت للرمي؛ فنرى أنه لا يوكل رجلا أو امرأة. إذا فاته الرمي نهارا رمى في الليل، وهو أفضل من التوكيل وما ذاك إلا أنه يباشر العمل بنفسه، ويكبر هذه التكبيرات التي هي ذكر، ويدعو فقد وفقه الله للدعاء بين الجمرات. بين الجمرة الأولى والجمرة الثانية، وبين الجمرة الثانية والثالثة. فهذا هو العمل زيادة على احتسابه خطواته، وصبره على الزحام كل ذلك مما يثاب عليه. في اليوم الثاني عشر كثير من الناس يتعجلون ولا يقيمون اليوم الثالث عشر. يتعجلون عملا بقوله تعالى: { فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ } ؛ ولكن نقول: إن الفقهاء حينما ذكروا أن من كان متعجلا فلا بد أن يخرج من منى قبل أن تغرب الشمس؛ فإذا غربت عليه الشمس وهو لا يزال في خيمته، ولا تزال خيمته مبنية فإن عليه أن يبيت تلك الليلة، ويرمى في اليوم الثالث عشر. فإذا كانوا مستعجلين قالوا: إن الوقت فيه شدة، وإن الناس سيزدحمون في هذا الوقت، فلا نستطيع أن نتأخر نخشى أن يلزمنا المبيت ثم الرمي يوم الثالث عشر، ففي هذه الحال نرى أنه يجوز التوكيل عن النساء وعن العجزة. أما الذين لا يتعجلون؛ بل يقيمون في اليوم الثالث عشر فإنهم لا يوكلون لا في اليوم الثاني عشر، ولا في اليوم الثالث عشر. س: أحسن الله إليكم. وهنا سؤال: أيها الشيخ يتعجل بعض الحجاج ممن معهم نساء وضَعَفَة بأن يخرجوا من مزدلفة آخر الليل. هل يحل لهم الرمي أو الطواف قبل طلوع الفجر؟ رخص النبي -صلى الله عليه وسلم- للضعفة من أهله أن يفيضوا في آخر الليل. ولكن في هذه الأزمنة كثر الذين يترخصون بحيث إنك تفقد مَن حولك. ونحن نزلنا في مزدلفة وحولنا خلق كثير في حافلات، إذا انتصف الليل أو كان في آخره كلهم يتعجلون ولا يبقى إلا القليل. لماذا تتعجلون؟ يقولون: معنا نساء. النساء قد يكن أقوياء، قد تكون المرأة قوية؛ فيتعجلون لأجلها. ثم نقول لهم بعد ذلك: هل رميتم لما جئتم إلى المرمى؟ فيقولون: ما نفعنا تعجلنا، وجدنا الزحام أشد من الزحام في وسط النهار. لماذا؟ لأن الناس كلهم تعجلوا، كلهم يقولون: إننا معنا نساء فيحصل زحام شديد فلا يستفيد كثير من الذين يتعجلون. لذلك نقول: إن الأمر فيه سعة. أَصْبِحُوا وإذا أصبحتم قبل أن تطلع الشمس أفيضوا، وانزلوا في مخيمكم، وبعد ذلك ترمون في الضحى، أو ترمون في المساء بعد العصر، أو ترمون في الليل. الوقت واسع. هذا أفضل حتى تعملوا بالسنة، فلا يكون عليكم حرج. س: أحسن الله إليكم. وهنا مجموعة من الأسئلة تسأل عن قلب أنواع النسك ومنهم من يقول: إنني بدأت في إحرامي مفردا فهل يحل لي الآن أن أقلبه إلى التمتع أو أنني مفرد فأجعله قارنا؟ أفتونا وأحسن الله إليك. قال العلماء: إنه يجوز أن يقلب المفرد نفسه متمتعا. وهذا ما فعله الصحابة فإنهم أحلوا مفردين، وجاءوا في اليوم الرابع أو الخامس من شهر ذي الحجة، ولم يكن معهم هدي يمنعهم. أمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يقلبوا إحرامهم عمرة. طافوا وسعوا وقصروا وتحللوا الحل كله فلبسوا الثياب، وتطيبوا، وأتوا النساء، وبقوا حلالا إلى اليوم الثامن. فهذا قلب المفرد إحرامه إلى تمتع يجعل إحرامه بعمرة، ثم يحرم بالحج في اليوم الثامن هذا جائز. وأما أن يدخل العمرة على الحج فهذا لا يجوز وهو أن يحرم مفردا ثم يضيف إلى الإفراد عمرة ليصير قارنا. فيقولون: لو أحرم بالعمرة متمتعا جاز أن يُدخِل الحج عليها كما فعلت عائشة - رضي الله عنها- فإنها أحرمت بالعمرة، وحاضت ولم تتمكن من إتمام عمرتها. فعند ذلك أدخلت الحج على العمرة. فيقولون: إدخال الأكبر على الأصغر جائز. الحج هو الأكبر يدخل على العمرة إذا أحرم بالعمرة. وأما إدخال الأصغر على الأكبر فهذا هو الذي لا يجوز إدخال العمرة على الحج ليكون قارنا. فمن أحرم مفردا يبقى على إفراده. نقول له: إما أن تَقلب نفسك .. معتمرا، وإما أن تبقى مفردا. وأما أن تقول: أدخل على حجي عمرة حتى أكون قارنا، وأَسْلَم من العمرة الثانية فنرى أن هذا لا يجوز. لا يجوز إدخال العمرة على الحج. وأما إدخال الحج على العمرة فجائز. س: أثابكم الله. وهنا مجموعة من الأسئلة تسأل عما يتعلق بمحظورات الإحرام، فيما يتعلق بـحلق الرأس أو أخذ شيء من الأظافر... تسأل عن هذا الشيء بأنه أخذ من أظفاره.. فجملة من الأسئلة تسأل عن هذا الشيء فيما يتعلق .. بعض أشعار الرأس أو ما يتعلق .. ذكرنا أن الناسي معذور. إذا قص من أظفاره معذور إذا كان ناسيا، أو قص من شاربه فهو معذور إذا كان ناسيا. وكذلك إذا غطى رأسه ناسيا، أو لبس مخيطا ناسيا؛ فالناسي معذور في هذا كله. وأما إذا كان متعمدا فإن عليه فدية. إذا احتاج وغطى رأسه، أو احتاج ولبس قميصا، أو احتاج وقص من شعره فعليه فدية. الفدية مخير بين ثلاثة أشياء: { صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ } وفسر الصيام بأنه ثلاثة أيام، والإطعام ستة مساكيـن، والنسك ذبيحة. إذا فعل ذلك عند الحاجة إليه، وأما الناسي فإنه معذور. س: أحسن الله إليكم. آخر سائل يقول وهو ممن عليه الهدي: هل صيام ثلاثة أيام في الحج يمكن أن تكون من اليوم الرابع عشر والخامس عشر حتى اليوم الثلاثين من هذا الشهر؟ أم لا بد من صيامها قبل يوم عرفة؟ وهل يجوز صيام عقب أيام التشريق. أحسن الله إليكم. يصومها بمكة والأولى أن يصومها قبل يوم عرفة، أو يصومها ويصوم معها يوم عرفة. والأولى أن يصومها وهو محرم. فيحرم بالحج مثلا إذا كان متمتعا يحرم في اليوم السابع يصوم السابع والثامن والتاسع، أو يحرم في اليوم السادس يصوم السادس والسابع والثامن حتى يفطر يوم عرفة؛ لأنه أقوى له على الأعمال في يوم عرفة. إذا فاتت هذه الأيام فإنه يصومها بعد العيد يصوم أيام التشريق الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر. وأما إذا فرط، وأهمل، ولم يصمها فمن العلماء من يقول: عليه فدية عليه دم حيث إنه فوتها في محلها فإن الثلاثة ذكرها الله تعالى أنها في موسم الحج؛ ولكن إذا كان عاجزا عن الدم من الأصل فله أن يصومها، ولو في الطريق أو يصومها كلها بعدما يرجع. س: وهل أفضل يا فضيلة الشيخ، أن يأخذ الإنسان من إخوانه أو أنه يصوم؟ إذا كان فقيرا فإن الأفضل له أن يصوم، ولا يستعين بالناس، ويقول: تصدقوا عليّ حتى أفدى. ويسأل ويقول: أعطوني فإني بحاجة إلى الفدية. أو يسأل الناس ولو أن يسأل حاكما. كذلك أيضا له أن يقترض إذا كان يقدر على الوفاء. أقرضني يا فلان سلفة مائتين وخمسين، أو ثلاثمائة أجعلها فدية، أو أربعمائة. وإذا رجعت أوفيتك إذا كان قادرا. فهذا هو الأفضل. س: أحسن الله إليكم. مجموعة من الأسئلة تسأل وهم يتعذرون بأن الأعمال قليلة بأن تكون في اليوم الثاني عشر. هل لهم أن يرموا الجمار في اليوم الثاني عشر صباحا؟ وهل يجزئ ذلك؟ أم لا؟ جمهور العلماء على أنه لا يجوز الرمي قبل الزوال؛ لكن هناك رواية عن الإمام أحمد وأبي حنيفة أنه يجوز للمتعجل الذي يخشى فوات رفقته. فإذا كنتم تخشون فوات رحلة، أو فوات قافلة، وعليكم ضرر إذا فاتتكم هذه القافلة ففي هذه الحال لكم أن ترموا في الساعة العاشرة، أو الحادية عشر، أو قبل الزوال حتى تدركوا موعد القافلة، أو الرحلة، أو نحوها. أما إذا لم يكن هناك حاجة إلا مجرد الاستعجال ولا يفوت شيء فنرى أنه لا يرمي. س: أحسن الله إليكم. مجموعة من الأسئلة تسأل عن بعض النساء قدر الله تعالى عليهن ما قدر على حواء- عليها السلام- بأنهن حضن فسعين دون الطواف فهل يكون هذا السعي صحيحا؟ ليس صحيحا. السعي لا بد أن يكون عقب الطواف. فنقول كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لعائشة لما حاضت قال: { إن هذا شيء كتبه الله على بنات آدم } فترضى بما كتب الله عليها، وتؤخر الطواف والسعي حتى تطهر. فإذا طهرت طافت، وسعت، وكملت مناسكها؛ فإن تعجلت الرحلة، أو القافلة، أو الحملة قبل أن تطهر فلا مانع من أن يتأخر معها محرمها يومين أو ثلاثة حتى تطهر، وتكمل نسكها. فإن كان لا يستطيع التأخر عنده عمل حاضر لا يقدر على التأخر فيه فلها أن ترجع ولكن لا يمسها زوجها حتى ترجع بعد ذلك. إذا طهرت في بلدها وتطهرت رجع بها أحد محارمها، وكملت نسكها بالطواف والسعي. س: أحسن الله إليكم، وهذا هو السؤال الأخير يا فضيلة الشيخ ابتلي البعض بأخذ الأجرة في أن يتوكل للناس برمي الجمار وغير ذلك. فما توجيهكم حفظكم الله؟ قد ذكرنا أنه لا يجوز أن يوكل القوي القادر على الرمي؛ بل عليه أن يباشر الرمي بنفسه -رجلا كان أو امرأة-؛ لأن التوكيل إنما يكون عند خوف حطمة الناس وعند الزحام الشديد؛ بحيث إنه يخشى على نفسه من كبر أو مرض أو تخشى المرأة الحامل مثلا أن تتكشف ولا تستطيع أن تؤخر الرمي إلى الليل؛ ففي هذه الحال يجوز أن يوكل غيره أو يتوكل عن امرأته أو نحو ذلك. أما أخذ الأجرة على هذا التوكل نرى أنه لا يجوز. وأكثر العلماء منعوا أن يتوكل من ليس بحاج. قالوا: إنه لا بد أن يكون الوكيل من الحجاج. فكان بعض المشائخ يقولون: إذا وكلك إنسان فإنك ترمي الثلاث عن نفسك، ثم ترجع وترميها عن موكلك؛ ولكن في هذا شيء من المشقة وزيادة الزحام؛ لذلك لا بد أنكم قرأتم في رسالة الشيخ ابن باز - رحمه الله- أنه يجوز أن يرمي عن نفسه الأولى، ثم يرميها عن موكله في موقف واحد. ولو وكله أكثر من واحد رمى عن نفسه، ثم عن موكله الأول ثم عن موكله الثاني ثم عن موكله الثالث بالنية. ينوى أن هذه عن فلان، وهذه عن فلانة ثم ينتقل إلى الوسطى. وكذلك يبدأ برميها عن نفسه، ثم يرميها عن موكله فلان، ثم عن موكلته فلانة. وكذلك عند جمرة العقبة. فهذا هو الأسهل الذي أفتوا به. وعلى هذا كيف يأخذ الأجرة؟ يأخذ أجرة وهو يرمى في مكان واحد عن نفسه، وليس هناك مشقة عليه زائدة! نرى أن هذا لا يجوز. إنما الأجرة على مثلا الأشياء الصعبة التي يتجشمها كما لو حمله على سيارته يأخذ أجرة على هذه السيارة، أو أسكنه في خيمته يأخذ أجرة لهذه الخيمة، وكذلك أيضا الأجر على الحجة؛ يعني.. س: الأجر على الطواف، المطوف الذي يحمل الحاج حول الكعبة ؟ يأخذ من الذين يحملون الحاج على السرير؛ لأنهم يتكلفون، ويحملونه على رءوسهم. أربعة يطوفون به، أو كذلك الذين يزقونه بعربة يحتاجون إلى مشقة... أعرف أعرف ... هؤلاء جعلوا هذا حرفة لهم، إذا رأوك محرما تلقوك وقالوا: أداعيك، أطوفك، الأجرة. ثم يطلب منك أجرة؛ لأنه لقنك هذا الدعاء. نحن نقول: أنت في غنى عن أن تستأجرهم يلقنونك؛ لأنهم أولا قد لا يفهمون هذا الدعاء، يدعون بدعاء لا يفهمونه. كذلك أيضا قد يكونون أعاجم يتلفظون بألفاظ لا يدرون ما معناها. وكذلك هؤلاء الذين يلقنون يُقَطِّعون الكلمات، يقطعون الجمل حتى في التلبية، تشاهدون أنهم يقطعونها؛ يقولون: إن الحمد والنعمة، ثم يقفون، ثم يقولون: لك والملك، ثم يقفون. ثم يتممونها: لك والملك. يجعلونها جملة مستقلة. إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك. فهذا التقطيع يقلل فائدة هذه الدعوات. نرى أن الإنسان إن حفظ شيئا من الأدعية دعا بها في طوافه، أو في سعيه، أو في وقوفه، وإذا لم يحفظ فإنه يذكر الله، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، وأستغفر الله وما أشبه ذلك؛ فهو أولى من أن يستأجر هؤلاء الملقنين. س: أحسن الله إليكم. وهذا السؤل الأخير يقول السائل فيه: إذا انقطع صوت الميكروفون، الرجال والنساء أثناء الصلاة، ولم يبلغ صوت إمامهم.. ماذا يفعلون؟ هل يواصلون الصلاة فرادى أم ماذا؟ يقول بعض العلماء: إن لهم أن يقدموا واحدا منهم يكمل بهم بقية الصلاة، وإذا كانوا في النساء كذلك أيضا واحدة منهن تنوي أنها إمامة، وترفع صوتها لهم ويكملون الصلاة. وأما إذا لم يتمكن فلهم أن يتموا الصلاة فرادى يعني: كل منهم يصلي لنفسه إذا لم يتمكنوا. س: فضيلة الشيخ فيه سؤال، لو سعى سعي الحج قبل طواف القدوم جاهلا. جاء هو وأهله وسعى مباشرة بلا طواف. طاف ولا ما طاف؟ لم يطف. سعى بدون طواف. ما طاف؟ لا. لا قبل السعي ولا بعده؟ هو ها اليوم، طواف القدوم. طاف ولا ما طاف؟ لم يطف، سعى فقط. سعى ولم يطف. ما يكفيه هذا الطواف ولا يجزئه، السعي هذا ما يكفيه، لا بد أنه يسعى. ... ونحن أيضا ما نستحب هذا. نستحب أنه يرتب، وأن السعي لا يكون إلا بعد طواف مشروع. يا شيخ، ... يصوم ... في مكة ... |