4- وترك المراء والجدال والخصومات في الدين هذه الثلاثة تدل على معنى واحد أو متقارب، فالمراء مشتق من المرية. قال في لسان العرب مادة (مرا): والامتراء في الشيء الشك فيه، وكذلك التماري، والمراء المماراة والجدل، والمراء أيضًا من الامتراء والشك، وفي التنزيل العزيز: { فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا } وأصله في اللغة الجدال، وأن يستخرج الرجل من مناظره كلامًا ومعاني الخصومة.. وقد مارَاه مماراة ومراء وامترى فيه وتمارى: شك. اهـ. وفي حديث السائب بن عبد الله المخزومي عند أحمد في المسند { أنه كان شريك النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل الإسلام، قال: "فكان لا يُدَاري ولا يماري } أخرجه أبو داود برقم (4836)، وابن ماجه برقم (2287)، وأحمد في المسند (3/425) عن السائب بن عبد الله قال: "أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فجعلوا يُثْنُونَ عليَّ ويذكروني، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "أنا أعلمكم" -يعني: به-، قلت: صدقت، بأبي أنت وأمي كنت شريكي فنِعم الشريك، كنت لا تداري ولا تماري". وهذا لفظ أبي داود. . وقد ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: { المراء في القرآن كفر } أخرجه الإمام أحمد (2/ 286، 300، 424، 475، 503، 528)، وأبو داود برقم (4603)، وابن حبان برقم (73)، والحاكم (2232). وصححه ابن حبان، والحاكم ووافقه الذهبي. قال أحمد شاكر (7835): إسناده صحيح، وقال الأرناؤوط في شرح السُّنّة (1/ 261): إسناده حسن. وفي الباب عن عمرو بن العاص عند أحمد (4/ 204، 205)، وعن أبي جهيم عنده أيضًا (4/ 170). أي: المجادلة والنزاع فيه بما يوجب الشك، ويوقع في المرية. ولكن المراء المذكور هنا يعم المراء في أمور الدين كلها كالجدال في القدر، وأفعال العباد، والمراء في أسماء الله وصفاته في معانيها وما تدل عليه، وكذا في الأمور الغيبية من عذاب القبر، وصفته وما بعده، وغير ذلك، فإن أهل السُّنّة يتوقفون عن ما لا يظهر لهم، ولا يجادلون أهل البدع، ولا يتنازعون في أمور الغيب التي ما أطلعهم الله عليها، وذلك من جملة عقيدتهم، حتى يجدوا دليلا يقولون به، والله أعلم. |