شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك
الكلمة الأسبوعية
1950 مشاهدة
اسباب النصره والتمكين

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على اشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد...

فالمتأمل لتاريخ المسلمين منذ أن جاء النور المبين على يد الرسول الكريم محمد صلوات ربي وسلامه عليه ، يجد واقعهم يصدق قول الله تعالى (( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ )) (55) (النور) فإن الله تعالى ربط الاستخلاف في الأرض والتمكين للدين والأمن بعبادة الله المتضمنة لما صدر به الآية من الإيمان والعمل الصالح فكلما تحقق هذا في الأمة تحقق هذا .

يقول ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية هذا وعد من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم بأنه سيجعل أمته خلفاء الأرض، أي: أئمةَ الناس والولاةَ عليهم، وبهم تصلح البلاد، وتخضع لهم العباد، ولَيُبدلَنّ بعد خوفهم من الناس أمنا وحكما فيهم، وقد فعل تبارك وتعالى ذلك.

وله الحمد والمنة، فنسأل الله الإيمان به، وبرسوله، والقيام بشكره على الوجه الذي يرضيه عنا. فالصحابة، رضي الله عنهم، لما كانوا أقوم الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم بأوامر الله عز وجل، وأطوعهم لله -كان نصرهم بحسبهم، وأظهروا كلمة الله في المشارق والمغارب، وأيدهم تأييدًا عظيما، وتحكموا في سائر العباد والبلاد. ولما قَصَّر الناس بعدهم في بعض الأوامر، نقص ظهورهم بحسبهم أ هـ .

ويقول الشيخ ابن سعدي رحمه الله في تفسيره هذا من أوعاده الصادقة، التي شوهد تأويلها ومخبرها.

فوعدهم الله هذه الأمور وقت نزول الآية، وهي لم تشاهد الاستخلاف في الأرض والتمكين فيها، والتمكين من إقامة الدين الإسلامي، والأمن التام، بحيث يعبدون الله ولا يشركون به شيئا، ولا يخافون أحدا إلا الله، فقام صدر هذه الأمة، من الإيمان والعمل الصالح بما يفوقون على غيرهم، فمكنهم من البلاد والعباد، وفتحت مشارق الأرض ومغاربها، وحصل الأمن التام والتمكين التام، فهذا من آيات الله العجيبة الباهرة، ولا يزال الأمر إلى قيام الساعة، مهما قاموا بالإيمان والعمل الصالح، فلا بد أن يوجد ما وعدهم الله، وإنما يسلط عليهم الكفار والمنافقين، ويديلهم في بعض الأحيان، بسبب إخلال المسلمين بالإيمان والعمل الصالح أ هـ .

وقد كان سماحة الوالد رحمه الله يكثر من الاستشهاد بهذه الآية يقول رحمه الله لاشك أن نعم الله علينا كثيرة، وإن منها: نعمة الأمن في هذه البلاد؛ الأمن على الأنفس، والأمن على الأموال، والأمن على المحارم، والأمن على الأرواح، والأمن على البلاد فإنها من أكبر النعم؛ ولأجل ذلك وعد الله تعالى بها عباده إذا عملوا الصالحات، فقال تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا فأخبر بأنهم مؤمنون، وبأنهم عاملون للصالحات، وبأنهم يعبدون الله تعالى، وبأنهم لا يشركون به شيئا، ووعدهم: أولا: بأن يستخلفهم كما استخلف من قبلهم، ووعدهم أيضا بأن يمكن لهم في الأرض؛ بأن يمكن لهم فيها؛ حتى يتصرفوا فيها كما يشاءون؛ يحرثون، ويغرسون، ويتصرفون بما يسر الله تعالى، وبما يكون كفيلا، أو سببا في رزقهم.

ووعدهم أيضا بالأمن، فما أحوجنا إلى الأمن، ما أحوجنا إلى أن نكون دائما في حياتنا آمنين لا نخاف إلا الله تعالى، وهذا سببه قوة الدين، قوة الإيمان الذي امتلأت به القلوب؛ وذلك لأن العبد إذا آمن بأن الله تعالى هو الذي أحل له الحلال، وحرم عليه الحرام؛ علم بأنه حرام عليه أن يعتدي على أخيه المسلم، أن يعتدي عليه بسفك دم، أو بنهب مال، أو بهتك عرض، أو بغير ذلك؛ فيأمن العباد على أنفسهم وعلى أموالهم، وهذه من أكبر النعم.

ويقول رحمه الله إن العباد متى عملوا بالإسلام؛ فإن الله تعالى صادق الوعد وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا بهذه الشروط: الشرط الأول: الإيمان، والشرط الثاني: العمل الصالح، والشرط الثالث: العبادة، فإذا قاموا بها فهنيئاً لهم أن يتم الله تعالى عليهم ما وعدهم، يحصل لهم الاستخلاف والتمكين والأمن، والواقع أنه ما سلطت الأعداء على بعض البلاد إلا بتركهم حقيقة الإيمان وحقيقة العمل الصالح، فما الذي سلطهم على الفلسطينيين؟! لا شك أنه عدم الإيمان أو ضعف الإيمان، وكذلك ما الذي سلطهم -في كثير من البلاد- على المسلمين كما في الفلبين وفي كشمير وفي الشيشان وفي الدول الأخرى التي وقع فيها قتال وتسلط فيها الأعداء؟ لا شك أنه ضعف الإيمان وقلة الأعمال الصالحة،

وكذلك عبادة غير الله بوقوع الشرك، إما عبادة الهوى أو الدنيا أو ما أشبه ذلك.

فنقول: إن علينا أن نحقق عبادة الله تعالى حتى لا يسلط علينا عدواً من سوى أنفسنا كما وعد بذلك، ومن أسباب ذلك التآلف بين المسلمين، أن يكونوا إخوة في ذات الله تعالى وأن يؤمنوا بالله حقيقة الإيمان، وأن يعبدوا الله وحده عبادة صادقة، وأن يعملوا الأعمال الصالحة، فالإيمان الذي خاطبهم الله تعالى به: تحقيق أركان الإيمان، فمن آمن بالله إلهاً ورباً وخالقاً، فلا بد أن يعبده ويخافه ويرجوه ويستعد للقائه، وإذا ضعف هذا الإيمان في القلب ظهرت آثاره، إذا رأيت من لا يخاف الله فقل: هذا ضعيف، ضعيف الإيمان، إذا رأيت من يتجرأ على المحرمات فإن هذا ضعيف الإيمان بالله، كذلك أيضاً ضعف الإيمان باليوم الآخر، الكثير الذين يسمعون أن الله جعل أو أعد الجنة لمن أطاعه ومع ذلك لا يعملون للجنة، وأعد النار لمن عصاه ومع ذلك يعصون، يعصون الله، هؤلاء قد ضعف إيمانهم بالجنة والنار، لو كانوا مصدقين بها غاية التصديق لما تضعضع إيمانهم، ولما ارتكبوا المحرمات التي توعد الله عليها بالنار، وعملوا السيئات التي حرم الله تعالى أهلها الجنة. أهـ. وأقول والأمة تعاني في هذه الأيام من العسر والشدة إن السلامة والغنيمة هي في العودة الصادقة لله ولدينه ولسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وأما التعلق بالشعارات الوطنية والحزبية والقومية والفكرية فلايجدي ولاينفع .

أسأل الله للمسلمين سدادا ورشادا وهداية وتوفيقا ، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم .

عبد الرحمن بن عبدالله الجبرين 14/2/1435هـ