اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية.
الكلمة الأسبوعية
306 مشاهدة
وماذا بعد الحج

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..

وبعـــــد فقد من الله تعالى على المسلمين في هذا الشهر بالتوفيق للأعمال الصالحة، وبالأخص أولئك الذين أكرمهم الله بأداء مناسك الحج، فأحرموا لله تعالى وأقاموا شعائره، ودخلوا فجاج مكة المكرمة، ووقفوا في المشاعر خاضعين خاشعين، وطافوا بالبيت العتيق وبالصفا والمروة، وحلقوا رؤوسهم خاضعين لرب العالمين، وهان عليهم ما دفعوه من المال في هذه المناسبة، وذلك فضل الله تفضل به عليهم بهدايتهم للإسلام والإيمان، والعقيدة الصحيحة السليمة، وإعانتهم على التوجه إلى تلك البقعة المباركة، واستجابتهم لدعوة الله تعالى لتعظيم شعائره، حتى أنهوا أعمالهم وقضوا مناسكهم وذكروا ربهم وأطاعوه، وحمدوا ربهم على أن أعانهم، حتى رجعوا إلى أهليهم وبلادهم سالمين غانمين، يحتسبون الأجر فيما أنفقوه وصرفوه من الأموال، وفيما نالهم من التعب والنصب والمشقة التي نالتهم، يعلمون أن الأجر على قدر النصب. فهكذا يحتسب المؤمن المخلص عمله هذا ويرجو أن الله تعالى يغفر له ذنبه، ويرزقه من حيث لا يحتسب؛ تحقيقًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من حج هذا البيت فلم يفسق ولم يرفث خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والفضة.

ثم إنه ولابد يتأثر بتلك الأعمال الصالحة التي تقرب إلى الله بها في ذلك الموسم، ويعرف أنه عملها لله تعالى مخلصًا له الدين، ويتذكر بها آثار الأولين الذين وقفوا في تلك المشاعر، وطافوا بالكعبة المشرفة، وعاهدوا ربهم أثناء هذه العبادة أن يخلصوا أعمالهم في بقية حياتهم، شكرًا لربهم، فيواظبون على التوحيد والعبادة بجميع أنواعها لله رب العالمين، وينصرفوا بقلوبهم وأبدانهم عن غير الله، فلا يلتفتون إلى مخلوق، ولا تتعلق قلوبهم بغير ربهم، فيكثرون من الدعاء مع الخوف والرجاء، والرغبة والرهبة، اتباعًا لصفة الأنبياء الذين مدحهم الله تعالى بقوله: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ).

فالمسلم كلما عمل عملاً صالحًا أحس من قلبه بإقبال على ربه، ومحبه صادقة لتلك العبادة وما أشبهها وهذه من علامات قبول العمل ! فنوصي المسلمين بالثبات بعد مواسم الطاعات، واتخاذها فرصة جديدة لإصلاح حالهم في السير إلى ربهم، والموفق من وفقه الله ..