إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم.    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف
إبهاج المؤمنين بشرح منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين (الجزء الأول)
181206 مشاهدة
اشتراط المحرم للمرأة في السفر للحج

ومن الاستطاعة: أن يكون للمرأة محرم إذا احتاجت إلى سفر.


قوله: (ومن الاستطاعة: أن يكون للمرأة محرم إذا احتاجت إلى سفر):
اشتراط المحرم للمرأة في السفر يتعين عند حدوث الخوف، وذلك لأنها كانت قديما إذا سافرت على البعير لم يؤمن أن يعرض لها قطاع الطريق، ويعرض لها أهل الشر وأهل الفساد، وهي لا تقدر أن ترد عن نفسها؛ فلذلك اشترط لها المحرم.
وذهب المالكية إلى أنه يجوز لها أن تحج مع نسوة ثقات معهن محارمهن، وذلك لأن المالكية أغلبهم في المغرب وفي الأندلس وفي جهات أفريقيا البعيدة ويشق عليهم أن يحجوا كل عام، فلذلك لا يحج منهم إلا أفراد قلت، فقالوا: إذا تيسر للمرأة حج ولم يكن لها محرم، فإن عليها أن تحج مع نسوة ثقات معهن محارمهن، والجمهور قالوا: لا تحج إلا مع محرمها، لكن في هذه الأزمنة قد يتسامح في هذا الأمر؛ وذلك لعدم وجود الخلوة المحذورة، ولقصر المدة.
والخلوة هي : كون المرأة -مثلا- تسافر مسيرة شهر أو شهرين أو ثلاثة أشهر وهي راكبة على البعير يمر بها بعيرها يوما هنا ويوما هناك، ويخلو بها إنسان ليس بمحرم، أما في هذه الأزمنة فإذا ركبت في الطائرة أو في الباخرة أو في الحافلة ركبت بين نساء، ولم يكن أحد يتعرض لها ولا يميزها، واستقرت في مركبها إلى أن تنزل دون أن يتفطن لها ودون أن يعرفها أحد ودون أن يخلو بها أحد، فالخلوة في هذه الأزمنه قليلة، ومع ذلك لا يزال الشرط باقيا، لكن عند الضرورة يجوز ذلك كالخادمات اللاتي يقدمن بلا محارم، ويشترط أهلهن: عليكم أن تحجوا بهن، فإذا حجت مع حافلة في رحلة يميزون فيها النساء عن الرجال، ويجعلون لهن مستقرا خاصا، فلعل ذلك جائز للحاجة.
أما إذا كان الحج لا يحتاج إلى سفر كما لو كانت في مكة، فمكه قريبة لا تحتاج إلى محرم.