يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير
أخبار الآحاد
47833 مشاهدة
الفصل الأول أدلة من قال إن خبر العدل يفيد العلم وبيان ما يرد عليها والجواب عنه

 هذا القول هو مذهب جمهور السلف ، وأكثر المحدثين والفقهاء من أتباع الأئمة الأربعة وغيرهم، وهو الصحيح عن الإمام أحمد رحمه الله فقد اشتهر عنه القطع بأَحاديث الرؤية والعلم بمدلولها، وذلك يحتمل أنها عنده من المتواتر المعنوي لكثرتها ، ويحتمل أنه يقطع بالآحاد.
والصحيح المشهور عنه القطع بثبوت الحديث متى توفرت فيه شروط الصحة؛ فقد حكى عنه غير واحد القطع المطرد في خبر الثقة بإفادة العلم.
ويتأيد ذلك بما اشتهر عنه من الشهادة للعشرة بالجنة مع أن الخبر فيهم آحاد، ولم يخرجه أهل الصحيحين، ولكنه مما تلقي بالقبول . والشهادة لا تكون إلا بعد العلم بالمشهود به.
وقال المروذي قلت لأبي عبد الله ها هنا إنسان يقول : إن الخبر يوجب عملا ولا يوجب علما ، فعابه وقال: لا أدري ما هذا ؟ فإنكاره لهذا القول صريح في أنه يُسوي بين العلم والعمل .
ونص في رواية أحمد بن الحسين الترمذي أنه يحتم على الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما الرواية الثانية عنه بترك الجزم فغير صحيحة عنه، وإن اشتهرت عند الأصوليين؛ وعمدتها ما حكاه الأثرم عنه أنه قال: إذا جاء الحديث بإسناد صحيح فيه حكم أو فرض، عملت به ودنت الله به، ولا أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك.
وهذه الرواية انفرد بها الأثرم وليست في مسائله ، ولا في كتاب السنة، وإنما نقلها شيخ الإسلام ابن تيمية من خط القاضي على ظهر المجلد الثاني من العمدة، والقاضي ذكر أنه نقلها من كتاب معاني الحديث للأثرم بخط أبي حفص العكبري . ولم يذكر الأثرم أنه سمع ذلك من الإمام أحمد ولعله بلغه من واهم وهم عليه في لفظه وعلى تقدير ثبوتها فلعل توقفه عن الشهادة بها على سبيل التورع ، فقد كان رحمه الله يجزم بتحريم أشياء وبوجوب أشياء، ويتورع عن إطلاق لفظ التحريم أو الوجوب، بل يقول : أكره كذا، أو أستحب كذا.
فأما ما روي عنه أنه قال : ولا نشهد على أحد من أهل القبلة أنه في النار لذنب عمله ، ولا على أحد أنه في الجنة لصالح عمله، إلا أن يكون ذلك في حديث فنصدقه ونعلم أنه كما جاء ، ولا ننص الشهادة فقد فسر القاضي أبو يعلى قوله : ولا ننص الشهادة . بأن معناه : ولا نقطع على ذلك . ورد عليه شيخ الإسلام وبين أن مراده : لا نشهد على معين . وأبطل تفسير القاضي بقوله في شأن الحديث: ونعلم أنه كما جاء، فإنه يقتضي صريحا إفادة العلم عنده .
 فتحقق بذلك ضعف الرواية بعدم القطع، وترجحت الرواية الأولى والحمد لله، وقد عرفت بهذا مستند من أثبت عن أحمد فيه روايتين، ومن رجح عنه إفادة الظن، وهو ما فهموه من هذه الرواية الموهمة، فلا تنخدع بتتابع أهل الأصول على ترجيحهم عنه ما اختاروه، فعذرهم كما قدمنا عدم التمكن في علم الحديث ، وعدم الرجوع إلا إلى كتب أهل الكلام.
فأما ما نقل الآمدي عن أحمد من القول بإفادة الخبر العلم اليقيني من غير قرينة، واطراد ذلك في كل خبر . فإن هذا القول ليس على إطلاق، لما فيه من المجازفة، ولا يظن بعاقل أنه يصدق كل ما سمعه من خبر، مع ما عهد في الناس من كثرة الكذب ، واختلاق الأخبار التي لا حقيقة لها.
وقد اشتهر عن الإمام أحمد ما لا يحصى من كلامه في الجرح والتعديل، ورده لأخبار الضعفاء، فهو لا يقبل الخبر للعلم به والعمل بمقتضاه إلا بعد توفر شروط القبول فيه.
وقد نقل السخاوي في فتح المغيث له حكاية الجزم بكل خبر متلقى بالقبول، عن جمهور المحدِّثين وعامة السلف . وذكر الإسفراييني إجماع أهل الصنعة على القطع بصحة ما في الصحيحين وأن من حكم بخلاف ما فيهما بغير تأويل سائغ نقض حكمه .
ونقل السيوطي في التدريب عن الحافظ السجزي إجماع الفقهاء أن من حلف على صحة ما في البخاري لم يحنث. ونقل عن إمام الحرمين أنه قال : لو حلف بطلاق زوجته أن ما في الصحيحين من كلام النبي صلى الله عليه وسلم لما ألزمته بالطلاق .
وقال أبو عمرو ابن الصلاح بعد ذكر الحديث الصحيح المتلقى بالقبول : وهذا القسم جميعه مقطوع بصحته، والعلم اليقيني النظري واقع به، خلافا لقول من نفى ذلك ؛ محتجا بأنه لا يفيد إلا الظن .. قال : وقد كنت أميل إلى هذا وأحسبه قويا ، ثم بان لي أن المذهب الذي اخترناه هو الصحيح، لأنه ظن من هو معصوم عن الخطأ لا يخطئ، والأمة في إجماعها معصومة من الخطأ، ولهذا كان الإجماع المبني على الاجتهاد حجة مقطوعا بها، وأكثر إجماعات العلماء كذلك، وهذه نكتة نفيسة نافعة، ومن فوائدها القول بأن ما انفرد به البخاري أو مسلم مندرج في قبيل ما يقطع بصحته، لتلقي الأمة كل واحد من كتابيهما بالقبول .. سوى أحرف يسيرة تكلم عليها بعض أهل النقد من الحفاظ كالدارقطني وغيره. انتهى .
فقد اختار هذا الإمام القطع بثبوت ما في الصحيحين ، لما اتضح له الدليل ، ولم يبال بكثرة المخالفين، وكأنه لم يطلع على أقوال السلف والأئمة، وموافقتهم لما رجحه ليتقوى بهم ، وقد تعقبه بعض المشايخ من أهل العلم والصلاح ، كالنووي وغيره ، وظنوا أنه قد انفرد بهذا القول عن الجمهور والمحققين ؛ وهم معذورون في ذلك على اجتهادهم ، حيث إنه ليس لهم بهذا الباب خبرة تامة ، وإنما يرجعون فيه إلى ما يجدونه في كتب أهل الكلام من المعتزلة والأشاعرة كابن الحاجب والرازي والغزالي والباقلاني والجبائي وأبي الحسين البصري ونحوهم.
وقد رد البلقيني على النووي وذكر أن اختيار ابن الصلاح هو المحكي عن فضلاء أهل المذاهب وأهل الحديث ، وعامة السلف . وتعقبه أيضا ابن حجر بأن كثيرا من المحققين وافقوا ابن الصلاح وقد اختار ذلك أيضا ابن كثير والسيوطي .
وذكر في شرح الكوكب أن أكثر الأصحاب قالوا: إنه يفيد العلم إذا احتف بالقرائن التي تسكن إليها النفس؛ وأن المسلسل بالأئمة الحفاظ يفيد العلم، وهو المذهب، وظاهر كلام الأصحاب، وجزم به ابن أبي موسى في الإرشاد .
قال القاضي في مقدمة المجرد : خبر الواحد يوجب العلم إذا صح سنده، ولم تختلف فيه الرواية، وتلقته الأمة بالقبول ، وأصحابنا يطلقون القول فيه، وأنه يوجب العلم وإن لم تتلقه بالقبول ، قال : والمذهب على ما حكيت لا غير اهـ .
وقال الشيخ تقي الدين أكثر أهل الأصول وعامة الفقهاء من الحنابلة والشافعية والحنفية والمالكية قالوا: يفيد العلم، ويقطع بصحته إذا تلقته الأمة بالقبول، أو عملت به، إلا فرقة تبعت أهل الكلام، وذكر أن بعض المحدثين قال : إن فيه ما يوجب العلم اليقيني ، كرواية مالك عن نافع عن ابن عمر .
وقد نص مالك على إفادته العلم، وقطع به ابن خويز منداد وحكاه عن مالك وهو قول عامة الفقهاء من المالكية ذكره عبد الوهاب .
وعليه الشافعية بلا نزاع ، فقد صَّرح به الشافعي في الرسالة ، وفي اختلاف مالك .
وعليه أيضا أصحاب أبي حنيفة وداود وأصحابه، كما نصره ابن حزم في الأحكام ونص عليه الحسين الكرابيسي وأبو إسحاق الشيرازي في كتبه الأصول ، سواء عمل به الكل أو البعض، وقد صَّرح الحنفية بأن المستفيض يوجب العلم كحديث : لا وصية لوارث وحديث أخذ الجزية من المجوس، وحديث ميراث الجدة السدس، ونحوها مما عمل به السلف والخلف، وكلها آحاد , فقد رأيت إجماع السلف على القطع بصحتها ، ورأيت كيف تناقل هذا القول أصحاب الأئمة الأربعة، وجزموا به في مؤلفاتهم، وكذا من اختاره من المتكلمين، كأبي إسحاق الإسفراييني وابن فورك وغيرهما.