يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره.    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة)
إبهاج المؤمنين بشرح منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين (الجزء الثاني)
206132 مشاهدة
الطلاق البائن والرجعي


فصل
[ الطلاق البائن والرجعي ]
ويملك الحر ثلاث طلقات
فإذا تمت لم تحل له حتى تنكح زوجًا غيره بنكاح صحيح ويطؤها، لقوله تعالى: الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ إلى قوله: فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ البقرة: 229 - 230 .


[ الطلاق البائن والرجعي ]
قوله: (ويملك الحر ثلاث طلقات):
بعد أن تكلمنا على صيغ الطلاق وما يستعمل فيها من عبارات، وأن منها ما هو صريح كقوله: أنت طالق أو طلقتك أو أنت مطلقة، أو لفظ الفراق، أو لفظ التسريح الذي ذكره الله، أو فارقوهن بمعروف، أو سرحوهن بمعروف، وكذلك الكنايات مثل قوله: أنت حرة، وأنت بائن، وأنت حبلك على غاربك، واذهبي، وذوقي، وتجرعي، واخرجي، واحتجبي، وما أشبه ذ لك.
بعد ذلك اختلف في بعض الأمور، ومنها: إيقاع الثلاث جميعًا كأن يقول:
أنت طالق ثلاثًا، فقيل: إنها تقع واحدة، كما هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- ولكنه خالف بذلك الأئمة الأربعة، وعذره أنه في زمانه ابتلي بالتحليل، صار الرجل إذا قال: أنت طالق ثلاثًا ورأى أنه لا يتمكن من استرجاعها استأجر من يحللها، والتحليل حرام كما هو معلوم، ودليله في ذلك حديث في صحيح مسلم والحديث قد اختلفوا فيه، وذكر صاحب سبل السلام عنه ستة أجوبة، وكأنه لم يقنع بها.
كذلك قولهم: أنت طالق البتة، كثير من العلماء يقول: البتة هي الثلاث، فلو كان يملك ألف طلقة ثم قال: أنت طالق البتة فإنها تحرم عليه أبدًا، هذا هو

اختاره جمع، وقال فريق آخر: لا يقع إلا واحدة.
أما عدد الطلقات التي يملكها المطلق الحر فهي ثلاث طلقات، وأما العبد فيملك طلقتين.
والسنة أن يطلقها واحدة ويتركها حتى تنقضي عدتها، فإن أراد الرجعة راجعها في العدة، وإن لم يرد رجعتها فإنها تحل لغيره بعد العدة، وتحل له بعد العدة برضاها ويكون خاطبًا من الخطاب، هذا هو طلاق السنة، بأن يطلقها واحدة، فمثلا إذا طهرت من حيضتها وقبل أن يطأها قال: أنت طالق، أو اشهد يا فلان وفلان أني طلقت امرأتي فلانة، ثم يتركها في منزله حتى تنتهي عدتها، فإن أرادها وراجعها وجامعها رجعت إلى عصمته، وإن لم يراجعها حتى
انقضت عدتها سرحها بمعروف وأرسلها إلى أهلها، وحلت لغيره من الأزواج، وتحل له إن أرادها ولو بعد سنة أو عشر سنين برضاها وبعقد جديد وبمهر جديد.
قوله: (فإذا تمت لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره... إلخ):
صورة ذلك: إذا طلقها مرة ثم راجعها في العدة، أو نكحها بعد العدة، ثم طلقا الثانية ثم راجعها في العد، ة أو نكحها بعد العدة، ثم طلقها الثالثة؛ فإنه قد تم ما يملك من الطلقات، فإذا تمت الثلاث فلا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره، ويشترط في الزوج الأخير أن يكون ناكحًا لها نكاح رغبة لا نكاح تحليل، وقد تقدم لنا تحريم التحليل. وكذلك لا بد أن يدخل بها الزوج الثاني ويطأها حتى تحل للأول، لقصة امرأة رفاعة حينما قالت: يا رسول الله، إن رفاعة طلقني فبت طلاقي ونكحت بعده عبد الرحمن بن الزبير، وذكرت أنه لم يصبها، فقال:

أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟! لا تحلين له حتى يذوق عسيلتك وتذوقي عسيلته يعني: حتى يحصل الوطء، فالله تعالى أطلق النكاح فقال: الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ البقرة: 229 يعني: الطلاق الرجعي؛ لأنه قال: وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ البقرة: 228 يعني: بعد الطلقتين، ثم قال: فَإِنْ طَلَّقَهَا أي الثالثة فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ البقرة: 230 فقوله: حَتَّى تَنْكِحَ البقرة: 230 بين النبي -صلى الله عليه وسلم- أن النكاح هنا الدخول بها والوطء، يعني: أن يدخل ويستمتع بها، فإذا طلقها الثاني أو مات عنها حلت للأول.