اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك
الربا وما يتعلق به من أحكام
5049 مشاهدة
الربا

وبعد أن عرفنا أن الإنسان إنما يكون متورعا، وإنما يكون محافظا على دينه إذا ابتعد عن هذه المشتبهات، فإن من جملة المحرمات الواضحة: الربا، الذي ذكره الله، وأعلن ذكره، وقد نزل فيه آيات مكية، وآيات مدنية.
فمن الآيات المكية قول الله تعالى في سورة الروم: وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ ومعنى ذلك: أنهم يجعلون الأموال في ذمة المدين، فيربو ذلك المال في ذمة المدين؛ لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ أي: أنه لا يزكو، ولا يكثر، ولا ينمو عند الله؛ بل مآله إلى المَحق، مآله إلى الفشل، مآله إلى الاضمحلال.
ومن الآيات المدنية قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً ومعنى ذلك أنهم إذا كان للإنسان دين عند رجل جاء إليه، وقال: أعطني ديني، فإذا لم يجده، قال: أؤخر الدين عليك سنة على أن أزيد فيه، أزيد في الأجل، وأزيد في المال، فتتضاعف الأموال أضعافا مضاعفة، فإذا استوفاها بعد ذلك فقد أكل ربا أضعافا مضاعفة، وهذا النوع هو: الربا الجاهلي، الذي لا شك في حرمته.
وقد كان اليهود يتعاملون به، وقد عابهم الله بذلك في قوله تعالى: وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ أي: أنهم قد نهاهم الله تعالى في كتبهم عن الربا فلم ينتهوا.
فالذين يأكلون الربا من هذه الأمة يكون سلفهم اليهود، والجاهليون، الذين نزلت فيهم هذه الآيات، وهذه الآيات نزلت في مكة وفي المدينة على فترات، مما يدل على أن الله تعالى نهى المؤمنين عن أكل الربا قديما، ومع ذلك بقيت معاملات ربوية نهى الشرع عنها بعد ذلك في آخر حياة النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وكان من آخر ما نزل عليه الآيات التي في البقرة، التي فيها التصريح بتحريم الربا، فأولها قول الله تعالى: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ مثلهم الله بهذا المثال العجيب، وهو: أنهم إذا بعثوا يوم القيامة فكأن أحدهم مجنون، أن الذي يتخبطه الشيطان من المس هو: الذي يصرعه الجان، شيطان الجن يصرعه ويسقط ويقوم، يقوم أحدهم من القبر، أو يبعث وهو يصرع ويقوم، كلما قام صرع وسقط، لا يقومون من قبورهم إلا كما يقوم المصروع، الذي يتخبطه الشيطان من المس.
قيل: إنهم يعرفون يوم القيامة بضخامة بطونهم، أن في بطونهم ضخامة، وكبرا، تصرعهم تلك البطون، ويسقطون من أجل ما أكلوه؛ عقوبة عاجلة قبل الآجلة؛ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا أي: جمعوا بين الأمرين: جمعوا بين استحلال الحرام، وجمعوا بين أكله، ولا شك أن ذلك الاستحلال كفر.
من استحل الحرام -ولو لم يأكله- فإنه كافر، ففعل المعصية فعلها يعتبر ذنبا، وخطيئة، ولكن أكبر من ذلك وأعظم: إحلالها، الفتوى بأنها جائزة، الفتوى بأنها حلال، وأنه لا إثم فيها، فالذين قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا يعني: لا فرق بين الربا والبيع، هذا كسب وهذا كسب، هؤلاء قد أحلوا ما حرم الله، وتحليل ما حرم الله تشريع مع الله، وتصرف مع الله تعالى في الكون، ولا شك أن ذلك كفر؛ ولأجل ذلك قال: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ وعيد شديد، عذر الله الذين قد أكلوا الربا في ما سبق عذرهم الله، وقال: إذا انتهوا وتابوا فلهم ما قد قبضوه، ولهم ما قد أكلوه، وأما في المستقبل فإن عليهم أن يتوبوا، فإذا لم يتب أحدهم فليستعد للعذاب، من عاد فأولئك مأواهم النار - والعياذ بالله- وهذه عقوبة كبيرة، ووعيد شديد؛ لأجل هذا الوعيد جعل النبي -صلى الله عليه وسلم - أكل الربا من السبع الموبقات، في الحديث الثابت الصحيح أنه -صلى الله عليه وسلم– قال: اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله، وما هن ؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات هذه هي: السبع، التي هي: من كبائر الذنوب، جعلها موبقات، يعني: مهلكات، توقع في الهلاك، وفي التردي.
توعد الله عليها بوعيد شديد منه: العذاب والنار، كما في هذه الآية: وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ثم يقول تعالى: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ومحقه هو: قلة البركة لأهله، إما نزع البركة حسيا، أو نزعها معنويا، فإن أصحاب الأموال الربوية ولو ربت أموالهم، ولو كثرت تجاراتهم، ولو ملكوا ممالك، ولو كثر خيرهم، ورزقهم، ومالهم فإن قلوبهم ليست غنية؛ بل لا يزالون يلهثون، ويطلبون المال، فكأن قلوبهم فقيرة، ولو حصلوا ما حصلوا؛ وذلك من محق البركة.
يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا أي: يقلل بركته، ويقلل قيمته في قلوب أهله، وقد يكون المحق حسيا، بمعنى: أن الربا يصير ماحقا، وماحيا للكسب؛ فيقع صاحبه في المآل في الخسران المبين، والتباب، وتقع تجارته في الكساد، والبوار؛ عقوبة عاجلة، فإذن يخشى، ويخاف آكل الربا من هذا الوعيد، محق البركة ومحق الرزق، يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ومعنى يربيها يعني: يضاعفها لأهلها، كما في قوله تعالى: وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ يربي الصدقات، يعني: يضاعفها لأهلها، وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ .
ثم يقول: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ أمرهم أولا: بالتقوى، بعد أن ناداهم بالإيمان، أمرهم بتقوى الله، التي هي: الخوف منه، وتوقي عذابه، ومن أسباب الخوف فعل المحرمات؛ فإن الذي يفعل المحرمات لا يأمن العذاب، فعليه أن يخاف، عليه أن يتقي الله، وعليه مع التقوى أن يذر ما بقي من الربا، يترك الأموال التي له.. في ذمم الناس، ذروا ما بقي، اتركوا ما بقي من الربا، إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ إن كنتم صادقين في أنكم قد آمنتم وصدقتم، واتبعتم ما جاء عن الله، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا لم تتوبوا ، فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ يقال: إنه يقال للمرابي يوم القيامة: قم حارب الله ورسوله، وماذا يفعل ذلك الضعيف؟! من يرى يحارب الله ورسوله ؟!! الله تعالى ذكر عن المنافقين أنهم: يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ فكذلك الذين يحاربون الله ورسوله مغلوبون، في أية جهة هم مغلوبون، الله تعالى الغالب وهم المغلوبون، كيف يحارب الله ؟! كيف يحارب الرسول ؟!.
ثم يقول تعالى: وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ معناه: أنك إذا تبت من الآن فاقتصر على رأس مالك، ولا تأخذ الزيادات التي هي: الربا، فلا تظلم ولا تظلم، تقتصر على رأس مالك، وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ ذلك المدين الذي في ذمته هذا المال والربا، وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ إذا كان معسرا فاصبر عليه وأمهله وأنظره؛ حتى يجعل الله بعد عسر يسرا، فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ أي: أنظره إلى أن يأتيه اليسر والثروة والغنى.
فمثل هذه الآيات في صراحتها ينبغي أن يتأملها المسلم، وقد أيدتها أيضا الأحاديث الصريحة، فثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه يعني: لعنهم لأجل أنهم يتعاونون على هذا الإثم؛ فآكله هو: الذي يستجلبه من ذمم الناس ويأكله، وأما موكله فهو: الذي اعترف به، وأعطاه للآكل، وأخرجه من ماله، وأما الكاتب والشاهدان فلكونهما حفظاه وأقراه، وهما عارفان بأنه ربا صريح؛ فجعلهم كلهم سواء في هذا الإثم، وإن كانوا متفاوتين في العقوبة، لكن سوى بينهم في استحقاق هذا الوعيد الذي هو: اللعن -والعياذ بالله- فإذا عرف المسلم.
إذا عرف المؤمن أنه متوعد بهذا الوعيد فليجتنبه، وقد وردت آثار كثيرة تدل على شدة إثمه، حتى روي في بعض الأحاديث: لدرهم واحد من ربا أشد أو أعظم من ستة وثلاثين زنية وإن كان هذا لم يبلغ درجة الصحة؛ لكن هو من جملة الأحاديث التي فيها وعيد شديد، والتي يرويها العلماء، ويبينون، ويحذرون منها، ليحذروا من هذه الأشياء التي توقع في الحرام، أو تقرب منه.