(يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة
درس في الجمعة مع بلوغ المرام
5816 مشاهدة
سترة المصلي

بسم الله الرحمن الرحيم
قال الإمام ابن حجر رحمه الله في باب سترة المصلي: عن أبي جهيم بن الحارث رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه من الإثم لكان عليه أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه متفق عليه، واللفظ للبخاري.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك عن سترة المصلي، فقال: مثل مؤخرة الرحل أخرجه مسلم .
وعن سبرة بن معبد الجهني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليستتر أحدكم في صلاته ولو بسهم أخرجه الحاكم .
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقطع صلاة المرء المسلم -إذا لم يكن بين يديه مثل مؤخرة الرحل- المرأة، والحمار، والكلب الأسود الحديث. وفيه: الكلب الأسود شيطان أخرجه مسلم .


بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على محمد شرعت سترة المصلي حتى يقتصر نظره عليها، ولا يرفع بصره، ولا يتجاوز نظره موضع سجوده. وشرعت أيضا لحمايته حتى لا يمر أحد بين يديه؛ لأن المرور بين يديه قد يشغله ويشغل باله وقلبه، ويجلب إليه الخواطر والوساوس. والمصلي مأمور بأن يقبل على صلاته، وألا يحدث نفسه بشيء خارج عما هو فيه من هذه العبادة وهذه الصلاة؛ فلذلك منع المرور بين يديه، وأمر بأن يصلي إلى شيء يستره.
فأولا: تحريم المرور بين يديه يدل على ذلك ترتب العقاب، في هذا الحديث يقول: لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيرا من أن يمر بين يديه في الرواية هذه ماذا عليه من الإثم؟ وإن كانت كلمة من الإثم لم تكن ثابتة في الحديث، ولكنها مرادة، ماذا عليه من العقوبة؟ ماذا عليه من الإثم ؟ أي ماذا ارتكب من الذنوب؟ لماذا؟ لأنه يشغل بال المصلي؛ لأنه يتعرض لضرر المصلي، لأنه يعرض المصلي للتحدث به وللتفكر فيه، وما أشبه ذلك. والمصلي مأمور بأن يقبل على صلاته، ويبعد عن نفسه كل شيء يجلب إليه الوسوسة، ويجلب إلى نفسه أو إلى قلبه التحدث بشيء يشغله عن الإقبال على صلاته، وكل شيء يشغله عليه أن يبعده.
فمن ذلك ما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى مرة وعليه خميصة لها أعلام؛ يعني رداء أو كساء لها أعلام؛ أي فيها خطوط معترضة طولا أو عرضا، فلما انصرف خلعها، وقال: اذهبوا بهذه الخميصة إلى أبي جهم وائتوني بأنبجانية أبي جهم ؛ فإنها ألهتني آنفا عن صلاتي ؛ يعني هذه الأعلام الخطوط نظر إليها، فرأى أنها شغلته؛ شغلته عن الإقبال على الصلاة شيئا يسيرا؛ يعني حدث نفسه بها فانصد عن الصلاة وعن الإقبال عليها.
ومن ذلك قصة القرام:
قصة القرام دخل مرة، أو جاء من سفر، وإذا عائشة قد سترت سهوة لها بقرام فيه تماثيل؛ يعني سترت النافذة بستارة، تلك الستارة وذلك القرام؛ يعني تلك السترة فيها شيء من التماثيل، فيها خطوط معترضة أو مستطيلة، أو فيها شبه صور فأمر بإزالة ذلك القرام، وقال: أميطي عني قرامك -يعني أزيليه- فإن تماثيله تعرض لي في صلاتي يعني إذا أراد أن يصلي تطوعا في بيته عرضت له؛ يعني جلبت له فكرا، وجلبت له تحدثا بحيث يحدث نفسه بتلك الصور وتلك الأعلام وتلك التماثيل.
وفي رواية يقول: إني إذا نظرت إليها ذكرت الدنيا إذا نظرت إلى هذه الصور ذكرت الدنيا؛ يعني أنه يحب أن صلاته ليس فيها شيء ينقصها من تلك الخطرات؛ لأن المصلي إذا أقبل على صلاته كتبت صلاته كاملة، كتب أجره تاما. وأما إذا خطرت عليه هذه الخواطر فإنها تنقص صلاته، ما يكون مقبلا عليها إقبالا كليا؛ بل يكون إقباله عليها ناقصا؛ فبذلك نقول: إن على المصلي أن يبعد عن نفسه كل شيء يشغله عن الإقبال على صلاته؛ فمن ذلك ورد النهي عن أن يكون قدام المصلي شيء يشغله عن الإقبال على الصلاة.
منع المشائخ والعلماء من الكتابات التي في قبلة المسجد مخافة أنها تشغل المصلي. الكتابات ولو كانت نصائح ولو كانت مواعظ، لكن قد ينظر إليها ويقرأها فيتعلق قلبه بها، وتتحدث نفسه بها فينقص إقباله على صلاته. ومن ذلك كراهة العلماء متقدميهم ومتأخريهم الصلاة على السجاد التي فيها خطوط وفيها أرقام وفيها نقط قد تشغل المصلي إذا نظر إليها.
وكانوا يستحبون أن تكون السجاد سادة، ليس فيها شيء من الألوان إلا لون واحد؛ حتى لا تشغل المصلي عن الإقبال على صلاته، إذا نظر إلى تلك الخطوط أو تلك الكتابات أو تلك الأرقام أو النقط أو الخطوط المعترضة. ومن ذلك النهي عن استقبال الأنوار المضيئة كثيرا؛ لأنها قد تشوش على المصلي وتشغله عن الانشغال بالصلاة.
نقول: ومن ذلك النهي عن المرور بين يدي المصلي، النهي أن يمر بين يديه إنسان، أيا كان ذلك الإنسان صغير أو كبير رجل أو امرأة أو حيوان. ينهى أن يمكن أحدا يمر بين يديه؛ فهذا الذي يمر بين يديه لا شك أنه يشغله عن الإقبال على صلاته، ويفوت عليه جزءا من الصلاة.
هذا الجزء هو انشغال قلبه بذلك الشخص؛ لأن المصلي إذا دخل في الصلاة مأمور بأن يكون تفكيره وحديث نفسه في الصلاة؛ حتى لا تتوارد عليه الأفكار ولا الوساوس ولا الأحاسيس ولا أحاديث النفس، يقبل على صلاته إقبالا كاملا هذا هو السبب.
فالذي يمر بين يدي المصلي؛ أي بينه وبين موضع سجوده متعرض لهذا الوعيد، لو يعلم ما عليه من الإثم لكان أن يقف –ينتظره- ولو أربعين قيل: أربعين سنة، وقيل: أربعين شهرا، وقيل: أربعين يوما، ونقول: إنه لو وقف ولو أربعين دقيقة لكان ذلك خيرا له. إذا رأيت من يصلي فلا تمر بين يديه، انتظر، تقف واقفا ولو أربعين دقيقة، مع أنه يكفيه خمس دقائق، أو ثلاث دقائق، ويسلم من صلاته فليس عليك مشقة إذا وقفت هذا الوقوف حتى يصلي، ولم تتعرض لهذا الوعيد الذي هو الإثم الذي يحصل لمن مر بين يدي المصلي.