إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه.
شرح كتاب العظمة المجموعة الأولى
123600 مشاهدة
الأدلة على عظمة الخالق سبحانه

...............................................................................


ذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في آخر كتابه كتاب التوحيد باب قول الله تعالى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ثم إنه أورد الأدلة التي تدل على عظمة الخالق سبحانه. نحن نرى سعة هذه الأرض اتساعها، وكيف وسعت من عليها؛ من هذه المخلوقات التي لا يحصيها إلا الله سواء في البر أو في البحر وهي أرض واحدة.
قد ذكر الله تعالى أن الأرض سبع في قوله تعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ أي: سبع أرضين، فأين الأراضين الأخر التي أخبرنا الله تعالى بها؟ لا يعلم مكانها وموضعها إلا الله. نحن خلقنا على هذه الأرض ومنها خلقنا وفيها نعود ولكن لا بد أن نصدق بما أخبرنا الله، وبما أخبرنا به النبي -صلى الله عليه وسلم- من وجود الأرضين السبع، وكذلك من وجود السماوات السبع ومن سعة ما بيننا وبين الأرض وبعد ما بيننا وبين السماوات كما أخبر -صلى الله عليه وسلم- بأن المسافة التي بين الأرض والسماء مسيرة خمسمائة سنة.
الأرض بأجمعها لو سارها إنسان أمكن أن يقطعها في خمسين سنة على قدمه أو أقل أو أكثر، فكيف بخمسمائة سنة. لا شك أن هذا دليل على عظمة هذا الكون. كذلك أيضا ذكروا. ذكر أن كثف كل سماء أي: غلظها مسيرة خمسمائة سنة، وأن ما بين كل سماءين كذلك، وأن فوقها ماء أو بحر من أسفله إلى أعلاه كما بين سماء إلى سماء، وأن فوق ذلك أيضا حملة العرش. ورد أيضا في وصفهم ما يدل على عظمتهم حتى قال -صلى الله عليه وسلم- أذن لي أن أحدث عن ملك ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة خمسمائة سنة أو كما قال.
لا شك أن الذي خلقهم أعظم وأجل من أن يقاس بخلقه، أو أن يعطى أحد من الخلق شيئا من حقه، وإذا عرف المؤمن وتفكر في هذا كله أخذ عبرة وموعظة أنه مخلوق ضعيف؛ أنك مخلوق ضعيف لا تملك شيئا، ولو ملكت ما ملكت فإنك لا تحيط بشيء ولا تملك شيئا، وأن الخلق كلهم من بني آدم لو اجتمعوا على أن يحركوا ساكنا لم يُرِد الله تحريكه لن يقدروا على ذلك، وأنهم جميعا لا يستقلون بإيجاد شيء ما أراد الله تعالى إيجاده.
إذا كان الله أخبر بأن الأرض قبضته وأن السماوات مطويات بيمينه، فهذه الأرض وهذه السماوات حقيرة صغيرة بالنسبة إلى عظمته حتى ورد في حديث أو في أثر عن ابن عباس ذكره الشيخ رحمه الله في آخر كتاب التوحيد يقول: ما السماوات السبع والأرضون السبع في كف الرحمن إلا كحبة خردل في يد أحدكم . ماذا تساوي حبة الخردل؟ نبات صغير أصغر من حب الدخن معروف. هذه الحبة حبة خردل يقبض الإنسان مثلا ألفين أو ثلاثة آلاف بكفه، فهذه السماوات بسعتها والأرضين بسعتها في كف الرحمن كحبة خردل.
يعرف المسلم بذلك عظمة الرب سبحانه وتعالى، ثم يعظمه ويعبده حق عبادته، ويعرف بعد ذلك أن الخلق كلهم لا يملكون لأنفسهم فضلا عن غيرهم نفعا ولا ضرا وأنهم لم يخلقوا شيئا بل هم المخلقون، ولو احتالوا ولو فعلوا ما فعلوا ولو صنعوا هذه الصناعات التي أقدرهم الله تعالى عليها، فإن قدرتهم محدودة.
ولذلك نرى أنهم يظهرون العجز عن إدراك الأمور الغيبية، وكذلك عن إدراك الأشياء القريبة. عجزوا مثلا عن إدراك ماهية الروح التي في الإنسان التي يكون بها حيا، وبخروجها يكون ميتا، وكذلك أرواح الحيوانات وما أشبهها. عجزوا عن معرفة كنهها، فإذا عجزوا عن ذلك سلموا الأمر للرب تعالى فعرفوا أنه الذي يملك ذلك كله، وأنه هو الذي يستحق العبادة كما ذكر ذلك أئمة المسلمين وعلماؤهم.