تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم.
شرح كتاب العظمة المجموعة الثالثة
69849 مشاهدة
أثر التفكر في خلق الله تعالى في عبودية الإنسان

...............................................................................


السلام عليكم ورحمة الله.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كثيرا ما يحث الله تعالى عباده على النظر في مخلوقاته للعظة والاعتبار؛ وذلك لأن في النظر إليها بتعقل وبتأمل ما يقوي العقيدة ويرسخ الإيمان في القلب، ثم من آثار ذلك يحدث أو تقوى الأعمال وتتمكن.
فإذا نظر الإنسان في آيات الله تعالى اعتبر واتعظ وازداد إيمانه وزادت أعماله. فَمِنْ ذلك التدبر للقرآن، يقول الله تعالى: لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ التدبر: التعقل والتفهم لمدلول القرآن، حتى يستدل بذلك على أنه كلام الله، وعلى أنه منزل غير مخلوق، وعلى أننا مكلفون بما أمرنا الله به في هذا القرآن.
وكذلك التدبر والتعقل في سيرة النبي-صلى الله عليه وسلم- فإن الله تعالى جبله على الأخلاق الفاضلة، قال الله تعالى: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ فجعله على هذا الْخُلُق، جبله على أفضل الأخلاق، ليكون ذلك سببا في الاقتداء به في تلك الأخلاق، وفي تلك الأعمال، ليكون الذي يقتدي به حقا من أتباعه، وممن يطيعه ويتأسى به.
وكذلك أيضا: التأمل والتفكر في سنته التي هي شريعته التي بَلَّغَهَا، والتي أمره الله بأن يبلغها إلى أمته. فالتأمل والتفكر فيها يزيد الإنسان إيمانا، ويقوي معتقده، ويرسخ الدين في قلبه، حيث إن تلك الأحاديث التي تلفظ بها تدل على غزارة علم، وعلى قوة بيان، وعلى رساخة في الفهم. وذلك لأن الله تعالى أعطاه جوامع الكلم وفواتحه . فإذا تفكر المسلم في ألفاظه وجد فيها الدلالة على ما يُثَبِّتُ الإيمان، والدلالة على ما أعطاه الله تعالى من الفصاحة والبيان.
ويتبع ذلك أيضا ما أمر الله تعالى به من التأمل والتفكر في مخلوقات الله العلوية والسفلية، وإن من أقربها أن يتفكر العبد في نفسه: أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ يتفكر في نفسه: في كيفية خلقه، وفي تركيب أعضائه، فإن في ذلك آية عظيمة، وعبرة لمن اعتبر. ولأجل ذلك فإن العلماء رحمهم الله توسعوا في الكلام على عجائب المخلوقات، ومن جملتها خلق الإنسان. أقرب شيء إلى الإنسان نفسه، إذا تأمل وتفكر فيها عرف قدرة الذي خلقه، فإذا تأمل في أول أمره، أن أول أمره كان نطفة من مَنِيٍّ يُمْنَى أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى هكذا أخبر الله: أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى ؟!
ذكروا أن أحد المتكبرين وقف عند واعظ يعظ، فقال لذلك الواعظ: ألا تعرفني؟! ألا تحترمني ؟! ألا تدري من أنا ؟! فقال ذلك الواعظ: بل أدري ، أنت الذي أولك نطفة مذرة، وآخرك جيفة قذرة، وحشوك بين ذلك بول وعذرة !! يعني: فكيف مع ذلك تتكبر ؟! أول الإنسان وأول مبدئه ما ذكر الله أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى هذه النطفة التي تخرج من الصلب ماء مهين، لا شك أن تكوينها حتى يكون منها هذا الإنسان أنه من عجائب قدرة الله.
ولذلك دائما يُذَكِّرُ الله الإنسان مبدأ أمره، فيقول تعالى أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ أي: لستم تخلقون أولادكم، بل الله تعالى هو الخلاق العليم، أأنتم تخلقون هذا المني أم نحن الخالقون نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ أخبر الله تعالى بأنه الذي قدَّرَ خلق الإنسان. فأوله هذه النطفة التي تخرج من الصلب، وجعل الله تعالى فيها هذه الحيوانات المنوية تستقر في الصلب، أي: في الرحم، وبعد ذلك يطورها الله تعالى ويقلبها من حال إلى حال، فيقول الله تعالى في مبدأ خلقه: إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ يعني: أباكم آدم ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ أي الْخَلْق الذين هم نسله: ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ هذا تطوير الإنسان: تطوير مبدأ أمره، ويقول في آية أخرى: ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ هذه النطفة تستقر في قرار مكين ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثم يقول الله تعالي وغير مخلقة: وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا يخرجه الله تعالى طفلا صغيرا في غاية الصغر، يخرجه الله إلى هذه الدنيا ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ من يموت صغيرا، من يموت متوسطا، ومن يبلغ سن الهرم، حتى يبلغ أرذل العمر، بحيث لا يعلم شيئا. هذا مبدأ خلق الإنسان، وهذا منتهى خلقه.