الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه.
شرح كتاب العظمة المجموعة الثالثة
69080 مشاهدة
قصة ذي القرنين وسعة ملكه وتمكين الله له من أرضه وسلطانه

قصة ذي القرنين وسعة ملكه وتمكين الله له من أرضه وسلطانه.
قال: حدثني أبي -رحمه الله تعالى -قال: حدثنا أحمد بن رستم قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثنا حرملة بن عمران قال: أخبرني أبي قال: أخبرني عبيد الله بن أبي جعفر أن ذا القرنين في بعض مسيره مر بقوم قبورهم على أبواب بيوتهم وإذا ثيابهم لون واحد ورقاعهم واحدة، وإذا هم رجال كلهم ليس فيهم امرأة فتوسم رجلا منهم، فقال: لقد رأيت شيئا ما رأيته في شيء من مسيري قال: وما هو؟ فوصف له ما رأى منهم فقال: أما هذه القبور التي على أبوابنا فإنا جعلناها موعظة لقلوبنا تخطر على قلب أحدنا الدنيا فيخرج فيرى القبور فيرجع إلى نفسه فيقول: إلى هذا المصير وإليها صار من قبلي وأما هذه الثياب فإنه لا يكاد الرجل يلبس ثيابا أحسن من ثياب صاحبه إلا رأى فضلا على جليسه، وأما قولك: إنكم رجال كلكم ليس معكم نساء فلعمري فلقد خلقناهن ذكرا وأنثى ولكن هذا القلب لا يشغل بشيء إلا اشتغل به فجعلنا نساءنا وذرياتنا في قرية قريبة منا، فإذا أراد الرجل من أهله ما يريد الرجل أتاها فكان معها الليلة والليلتين ثم يرجع إلى ما هاهنا، وأنا جعلنا هذه للعبادة قال: فما كنت لأعظكم بشيء أفضل مما وعظتم به أنفسكم سلني ما شئت قال: من أنت قال: أنا ذو القرنين قال: ما أسألك وأنت لا تملك شيئا قال: وكيف وقد آتاني الله-عز وجل- من كل شيء سببا قال: لا تقدر على أن تأتيني ما لم يقدر إلي ولا تصرف ما قدره علي.
قال: حدثني أحمد بن محمد بن شريح قال: حدثنا محمد بن رافع قال: حدثنا إسماعيل قال: حدثني عبد الصمد عن وهب بن منبه -رحمه الله تعالى -قال: كان ذو القرنين ملكا قيل لم سمي ذو القرنين قال: اختلف فيه أهل الكتاب فقال: بعضهم له ملك الروم وفارس وقال: بعضهم كان في رأسه شبه القرنين.
قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم عن عمران عن قتادة -رحمه الله تعالى -قال: خرج ذو القرنين من الروم وكان رجلا صالحا.
قال: حدثنا عبد الله بن عبد الكريم قال: حدثنا عبد الكريم بن الهيثم قال: حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع قال: حدثنا صفوان عن عبد الملك بن عبد الله الخزاعي رحمه الله تعالى: إن ذا القرنين كان فيما مكن الله تعالى له فيما سار من مطلع الشمس إلى مغربها إلى السد، كان إذا نصر على أمة أخذ منها جيشا فسار بهم إلى أمة غيرهم، فإذا فتح الله وراء ذلك الجيش أخذ من أخرى الذي يفتح له عليهم حتى يبلغ مكانه الذي يريد فأتى على أمم من الأمم فذكر نحو الذي بعده.
قال: حدثنا أحمد بن محمد بن إبراهيم قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن عبيد قال: حدثني القاسم بن هاشم قال: حدثنا الحكم بن نافع قال: حدثنا صفوان بن عمرو عن عبد الرحمن بن عبد الله الخزاعي رحمه الله تعالى: إن ذي القرنين أتى على أمة من الأمم ليس في أيديهم شيء مما يستمتع الناس به من دنياهم قد احتفروا قبورا، فإذا أصبحوا تعاهدوا تلك القبور فكنسوها وصلوا عندها ورعوا البقل كما ترعى البهائم، وقد قيض لهم معاش من نبات الأرض فأرسل ذو القرنين إلى ملكهم أن أجب الملك ذا القرنين فقال: ما لي إليه حاجة فأقبل ذو القرنين فقال: إني أرسلت إليك لتأتيني فأبيت فها أنا قد جئتك فقال: له لو كانت لي إليك حاجة لأتيتك فقال له ذو القرنين ما لي أراكم على الحال الذي رأيت لم أر أحدا من الأمم عليها فقالوا: وما ذاك قال: ليس لكم دنيا ولا شيء أما اتخذتم الذهب والفضة فاستمتعتم بها فقالوا: إنما كرهناهما لأن أحدا لم يعط منهما شيئا إلا تاقت نفسه ودعته إلى أفضل منهما.
قال: ما بالكم احتفرتم قبورا فإذا أصبحتم تعاهدتموها فكنستموها وصليتم عندها، قالوا: أردنا إذا نظرنا إليها فأملنا الدنيا منعتنا قبورنا من الأمل، قال: أراكم لا طعام لكم إلا البقل من الأرض فلا اتخذتم البهائم من الأنعام ما احتلبتموها وركبتموها واستمعتم بها فقالوا: كرهنا أن نجعل بطوننا لها قبورا ورأينا أن في نبات الأرض بلاغا وإنما يكفي ابن آدم أدنى العيش من الطعام، وإنما جاوز الحنك منه لم نجد له طعما كائنا ما كان من الطعام ثم تناول ملك تلك الأمة بيده خلف ذي القرنين فتناول جمجمة فقال: يا ذا القرنين أتدري من هذا قال: لا ومن هو قال: هذا ملك من ملوك الأرض أعطاه الله سلطانا على أهل الأرض فغشم وظلم وعتا فلما رأى الله-عز وجل- ذلك حسمه بالموت، فصار كالحجر الملقى قد أحصى الله عليه عمله حتى يجزيه في آخرته.
ثم تناول جمجمة أخرى بالية فقال: يا ذا القرنين أتدري من هذه قال: ومن هو قال: ملك ملكه الله تعالى بعده قد كان يرى ما يصنع الذي قبله بالناس من الظلم والغشم والتجبر فتواضع لله وخشع لله وعمل بالعدل في أهل مملكته فصار كما ترى قد أحصى الله عليه عمله حتى يجزيه في آخرته ثم أهوى إلى جمجمة ذي القرنين فقال: وهذه الجمجمة قد كانت كهاتين فانظر يا ذا القرنين ما أنت صانع فقال: له ذو القرنين هل لك في صحبتي فأتخذك أخا ووزيرا وشريكا فيما آتاني الله تعالى من هذا المال؟ قال: ما أصلح أنا وأنت في مكان ولا أن نكون جميعا قال ذو القرنين ولم؟ قال: من أجل أن الناس كلهم لك عدو ولي صديق قال: وعم ذلك قال: يعادونك لما في يدك من الملك والمال ولا أجد أحدا يعاديني لرفضي ذلك ولما عندي من الحاجة وقلة الشيء فانصرف عنه ذو القرنين .
قال: حدثني أحمد بن إبراهيم قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن عبيد قال: قال سعيد بن سليمان قال: حدثنا خلف بن خليفة قال: حدثنا أبو هاشم الرماني قال: بلغني أن ذا القرنين لما بلغ المشرق والمغرب مر برجل معه عصا يقلب عظام الموتى وكان إذا أتى مكانا أتاه أهل ذلك المكان فسألوه فلم يأته فعجب ذو القرنين فأتاه فقال: لِمَ لَمْ تأتني ولم تسألني؟ قال: لم يكن لي إليك حاجة وعلمت أنك إن يكن لك إلي حاجة ستأتيني قال: وما هذا الذي تقلب؟ قال: عظام الموتى هذا عملي منذ أربعين سنة أريد أن أعرف الشريف من الوضيع فقد اشتبهوا علي فقال له ذو القرنين هل لك أن تصحبني وتكون معي؟ قال: إن ضمنت لي أمرا صحبتك قال ذو القرنين فما هو قال: تمنعني من الموت إذا نزل بي قال ذو القرنين ما أستطيع ذلك قال: لا حاجة لي في صحبتك.
قال: وحدثنا أحمد بن محمد قال: حدثنا عبد الله بن محمد عن حبان بن موسى عن ابن المبارك عن رشدين بن سعد قال: حدثنا عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال -رحمه الله تعالى -أنه بلغه: أن ذا القرنين في بعض مسيره دخل مدينة فاستكف عليه أهلها ينظرون إلى موكبه الرجال والنساء والصبيان وعند بابها شيخ على عمل له فمر به ذو القرنين فلم يلتفت إليه الشيخ فعجب ذو القرنين له فأرسل إليه فقال: ما شأنك استكف علي الناس ونظروا إلى موكبي، فما شأنك أنت؟ قال: لم يعجبني ما أنت فيه إني رأيت ملكا مات في يوم هو ومسكين ولموتانا موضع يجعلون فيه فأدخلا جميعا، فأطلعتهما بعد أيام وقد تغيرت أكفانهما ثم أطلعتهما بعد أيام وقد تزايلت لحومهما ثم رأيتهما قد تفصلت العظام واختلطت، فلم أعرف الملك من المسكين فلم يعجبني ملكك فلما خرج استخلفه على المدينة.


عرفنا قد أخبر الله تعالى بأن ذا القرنين مكنه وآتاه من كل شيء سببا، وأنه وصل إلى مشرق الأرض وإلى مغربها وأنه خاطب الموجودين الذين في المشرق والذين في المغرب، وأما التفاصيل التي ذكروا وأنه وجد مقام كذا وأن هؤلاء زهاد لا يشتهون شيئا من الدنيا وأنهم يأكلون كذا وكذا هذه من الحكايات التي يذكرها القصاص والوعاظ، وقد لا يكون كثير منها ثابتا كأحاديث القصاص والوعاظ يعتبر بها من غير أن تعتمد من غير أن يوثق بأنها يقينية وإنما يذكرونها للمواعظ.
قصة ذي القرنين وردت في القرآن هذه يستيقن بها أنه أتبع سببا حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وصل إلى أقصى المغرب وإذا الشمس تغرب في ذلك البحر أو في تلك العين الحامية أو الحمئة ولم يتجاوزها، ثم رجع إلى المشرق وصل إلى مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم -لم نجعل لهم- ما جعل الله بينهم وبينها سترا، ثم رجع إلى ما بين السدين ثم عمل ذلك السد الذي أخبر الله عنه، لما اشتكى إليه أولئك ضرر يأجوج ومأجوج هذا مما يجزم به لأنه في القرآن، وأما التفاصيل فلا يجزم بتلك التفاصيل لعدم اليقين من صحتها والله أعلم.