تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية.       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه.
شرح كتاب العظمة المجموعة الثانية
107174 مشاهدة
الكلام على حملة العرش وعظم خلقهم

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال رحمه الله تعالى: ذكر حملة العرش وعظم خلقهم.
قال: حدثنا ابن زهير النيسابوري و عبد الله بن العباس الطيالسي قال: حدثنا أحمد بن حفص قال: حدثني أبي قال: حدثني إبراهيم بن طهمان عن موسى بن عقبة عن محمد بن المنكدر عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله عز وجل من حملة العرش ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة خمسمائة عام أو قال: خمسين عاما .
قال: حدثنا عبد الغفار بن أحمد الحمصي قال: حدثنا ابن مصفى قال: حدثنا يحيى بن سعيد عن إسماعيل عن الأحوص بن حكيم عن شهر بن حوشب عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه فقال: ما جمعكم؟ قالوا: اجتمعنا نذكر ربنا ونتفكر في عظمته فقال: ألا أخبركم ببعض عظمته قلنا: بلى يا رسول الله قال: إن ملكا من حملة العرش يقال له: إسرافيل زاوية من زوايا العرش على كاهله قد مرقتا قدماه في الأرض السفلى ومرق رأسه من السماء السابعة العليا في مثله من خليقة ربكم تبارك وتعالى .
قال: حدثنا محمد بن العباس بن أيوب قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد قال: حدثنا زيد بن الحباب قال: حدثنا أبو السمح قال حدثني أبو قبيء أنه سمع عبد الله رضي الله عنه يقول: حملة العرش ما بين موق أحدهم إلى مؤخر عينيه مسيرة خمسمائة عام.
قال: حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال: حدثنا محمود بن خالد قال: حدثنا عمرو بن عبد الواحد عن الأوزاعي قال: حدثنا حسان بن عطية رحمه الله تعالى قال: إن حملة العرش ثمانية أقدامهم مثبتة في الأرض السابعة رءوسهم قد جاوزت السماء السابعة وقرونهم مثال طولهم عليها العرش.
قال: أخبرنا إسحاق بن أحمد قال: حدثنا عبد الله بن عمران قال: حدثنا جرير بن عطاء بن السائب عن ميسرة عن زاذان رحمه الله تعالى في قوله عز وجل: وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ قال: أرجلهم في التخوم لا يستطيعون أن يرفعوا أبصارهم من شعاع النور.
قال: حدثنا أبو بكر بن عبد الله بن سليمان بن أشعث قال: حدثنا محمد بن خلف قال: حدثنا رواد يعني ابن علي بن الجراح عن الأوزاعي عن هارون بن رئاب قال: حملة العرش ثمانية يتجاوبون بصوت حزين رخيم يقول أربعة منهم: سبحانك وبحمدك على حلمك بعد علمك وأربعة منهم يقولون: سبحانك وبحمدك على عفوك بعد قدرتك.
قال جدي رحمه الله تعالى خبرت عن إدريس بن سنان عن أبيه عن وهب بن منبه رحمه الله تعالى: أن مناكب الملائكة الذين يحملون العرش ناشبة في العرش وما بين المناكب إلى أطراف الرءوس لا يوصف عظما والأقدام راسية بأسفل السافلين وحول العرش سبعون ألف صف من الملائكة صف خلف صف قيام ومن وراء هؤلاء مائة ألف صف من الملائكة، ما بين جناحي الملك مسيرة ثلاثمائة عام وما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة أربعمائة عام وما بين كتفي أحدهم مسيرة خمسمائة عام، وما بين ثديي أحدهم مسيرة خمسمائة عام، ومن قدمه إلى كعبه مسيرة خمسمائة عام، وما بين كعبه إلى ركبته مسيرة خمسمائة عام وما بين ركبته إلى أصل فخذيه مسيرة خمسين ومائتي عام، وما بين فخذيه إلى أضلاع جنبيه مسيرة ثلاثمائة عام، وما بين ضلعين من أضلاعه مسيرة مائتي عام وما بين كفه إلى مرفقه مسيرة مائتي عام، وما بين مرفقه إلى أصل منكبيه مسيرة ثلاثمائة عام، وكفاه لو أذن له أن يقبض بأحدهما على جبال الأرض كلها لفعل وبالأخرى على أرض الدنيا كلها لفعل.
وإن حملة العرش طول كل واحد منهم مسيرة مائتي ألف سنة وسبعة عشر ألف سنة، وإن قدر موضع قدم أحدهم مسيرة سبعة آلاف سنة، وإن قدر موضع قدم أحدهم مسيرة سبعة آلاف سنة ولهم وجوه وعيون لا يعلم عدتها إلا الله تبارك وتعالى، فلما حملوا العرش وقعوا على ركبهم من عظمة الله تبارك وتعالى فلقنوا لا حول ولا قوة إلا بالله فاستووا قياما على أرجلهم، وإن قدم كل واحد منهم نافذة تحت الأرض السفلى مقدار مسيرة خمسمائة عام على الريح.
قال: حدثنا أحمد بن محمد المصاحبي قال: حدثنا ابن البراء قال حدثنا عبد المنعم بن إدريس عن أبيه عن وهب رحمه الله تعالى قال: مناكب الملائكة الذين يحملون العرش ناشبة في العرش وما بين المناكب إلى أطراف الرءوس قدر غلظ العرش وهو لا يوصف غلظا ولكل ملك منهم أربعة وجوه على أربع صور وجه أمامه ووجه خلفه ووجه عن يمينه ووجه عن شماله، وما بين الوجوه إلى الأقدام عيون بطرف الجسد كله والأقدام راسية في أسفل السافلين، وما خلق الله عز وجل من شيء دون الحملة في جوف الكرسي، والحملة وراء كل شيء وأربعة من الملائكة يدورون حول العرش مذ يوم خلق الله عز وجل العرش إلى يوم ينفخ في الصور، لكل ملك منهم ستة أجنحة يرف باثنين ويسبح باثنين ويخمر وجهه باثنين من لهب النور.
وهم يقولون: سبحانك قدوس الله الذي ملأت عظمته السموات والأرض لا يئوده حفظهما وهو العلي العظيم، لا يسأمون ولا يفترون ويذكرونه ويعظمونه بما هو أهله لا يدرون ما قربهم من الله ولا بعدهم منه، يقولون: سبحانك قدوس أنت بكل مكان أينما كنت وحيثما كنت وبين ملائكة حملة الكرسي وبين حملة العرش سبعون حجابا من ظلمة وسبعون حجابا من النور، غلظ كل حجاب منها مسيرة خمسمائة عام وبين الحجاب إلى الحجاب مسيرة خمسمائة عام، ولولا تلك الحجب لاحترقت ملائكة الكرسي من نور الملائكة حملة العرش، فكيف بنور الرب جل وعلا الذي لا يوصف ولا يدرى ما كنهه.
وحملة العرش اليوم أربعة أملاك، فإذا كان يوم القيامة أيدوا بأربعة آخرين فكانوا ثمانية: ملك منهم في صورة إنسان يشفع لبني آدم في أرزاقهم، وملك في صورة النسر يشفع للطير في أرزاقهم وملك في صورة أسد يشفع للسباع في أرزاقها، وملك في صورة ثور يشفع للبهائم في أرزاقها، ولكل ملك منهم أربعة وجوه: وجه إنسان ووجه نسر ووجه ثور ووجه أسد.
وذكر وهب رحمه الله تعالى: أن حملة العرش طول كل واحد منهم مسيرة مائتي ألف سنة وسبعة عشر ألف سنة، وإن قدر موضع قدم أحدهم مسيرة سبعة آلاف سنة ولهم وجوه وعيون ما لا يعلم عدتها إلا الله تبارك وتعالى، فلما حملوا العرش وقعوا على ركبهم من عظمة الله عز وجل فلقنوا لا حول ولا قوة إلا بالله فاستووا قياما على أرجلهم، وإن قدمي كل واحد منهم نافذة تحت الأرضين السفلى مقدار مسيرة خمسمائة عام على الريح يحمدون الله عز وجل ويعظمونه ويسبحونه ويمجدونه لا يفترون يقولون: لا إله الله ذو العرش المجيد الرفيع، ثم يستغفرون للمؤمنين والمؤمنات.
قال: حدثنا الفضل بن عباس بن مهران قال: حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير قال: حدثنا مسلم بن خالد عن ابن أبي حسين عن شهر بن حوشب أنه حدثه قال: كان يقال إذا كان يوم القيامة فمدت الأرض مد الأديم، ثم حشر الله عز وجل من فيها من الجن والإنس، ثم أخذوا مصافهم من الأرض، ثم نزل أهل السماء الدنيا بمثل من في الأرض ومثلهم معهم من الجن والإنس حتى إذا كانوا مثل رءوس الخلائق أضاءت الأرض لوجوههم فَخَرّ أهل الأرض ساجدين قالوا أفيكم ربنا؟ قالوا ليس فينا وهو آت.
ثم أخذوا مصافهم ثم نزل أهل السماء الثانية كمثلي من في الأرض من الجن والإنس والملائكة ثم نزل أهل السماوات على قدر ذلك من التضعيف أضعاف في الشدة والقوة والنجدة والشجاعة والغلظة والعظمة ملائكة متراصة أقدامهم مصطكة مناكبهم متلازقة أكتافهم أنصافهم وقال سبحان الله وبحمده خلق الله من كلمته تلك ملكا فيذهب إلى السماء الرابعة فيغتسل في نهر يقال له الحياة ثم يخرج منها فينفض جناحه فيقطر منه مثل قطر السماء فيخلق الله عز وجل من كل قطرة ملكا يسبح ويقدس ويثبت ذلك للعبد إلى النفخة الأولى.
قال حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن قال حدثنا محمد بن هاشم قال حدثنا الوليد بن مسلم قال أنبأتنا عبدة بنت خالد بن معدان أن أباها قال: إن ملك نصفه نور ونصفه ثلج يقول سبحانك اللهم كما ألفت بين هذا النور وهذا الثلج فألف بين قلوب المؤمنين ليس له تسبيح غيره.
قال حدثنا قتيبة قال حدثنا بكر بن مضر عن صخر بن عبد الله عن زياد بن أبي حبيب قال سمعته يقول: إن في السماء ملكا خلق من ثلج ونار فمن دعاء ذلك الملك أن يقول اللهم كما ألفت هذا بين الثلج والنار فألف بين عبادك المؤمنين.
قال حدثنا عبد الرحمن بن حسن قال حدثنا أبو شيبة بن أبي شيبة قال حدثنا بكر بن عبد الرحمن بن عيسى المختار عن عيسى بن المختار عن أبيه عن ابن أبي ليلى عن المنهال عن مجاهد رحمه الله تعالى أنه قال: إن لله عز وجل ثمانية أملاك أربعة بالمشرق وأربعة بالمغرب فإذا أمسى قال الذي بالمشرق يا باغي الخير أقبل ويقول الذي في المغرب يا باغي الشر أقصر فإذا مضى ثلث الليل قال الذي بالمشرق اللهم أعط منفق ماله خلفا، ويقول الذي بالمغرب اللهم أعط ممسكا تلفا فإذا مضى ثلث الليل قال الثالث الذي بالمشرق سبحان الملك القدوس ويقول الذي بالمغرب سبحان الملك القدوس والرابع واضع الصور على فيه ينتظر متى يؤمر بالنفخة والآخر مقابله.
قال حدثنا أبو علي المصاحبي قال حدثنا ابن البراء قال حدثنا عبد المنعم عن أبيه عن وهب رحمه الله تعالى أنه قال: إن السماوات السبع محشوة من الملائكة لو قيست شعرة ما انقاست منهم الذاكر ومنهم الراكع ومنهم الساجد ترعد فرائصهم وتضطرب أجنحتهم فرقا من الله عز وجل ولم يعصوه طرفة عين.
قال حدثنا أبو الربيع الزراري قال حدثنا يعقوب القمي عن جعفر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال جبريل يا محمد يا نبي الله صلى الله عليه وسلم إن أهل السماء الدنيا سجود إلى يوم القيامة يقولون سبحان ذي العزة والجبروت وأهل السماء الثانية قيام إلى يوم القيامة يقولون سبحان الحي الذي لا يموت .
قال حدثنا العباس بن حمدان قال حدثنا محمد بن معمر قال حدثنا روح قال حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد رحمه الله تعالى: فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا قال الملائكة ينزلها الله عز وجل بأمره على من يشاء.
قال حدثنا إسحاق بن أحمد قال قال حدثنا عبد الله بن عمران قال حدثنا أبو معاوية قال حدثنا الأعمش عن مسلم عن مسروق رضي الله عنه: وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا قال الملائكة.
قال حدثنا إسحاق قال حدثنا عبد الله قال حدثنا وكيع عن سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد رحمه الله تعالى: فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا قال الملائكة وفي قوله تعالى: وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا قال الملائكة.
قال حدثنا أحمد بن أبان عن فضيل بن عبد الوهاب قال حدثنا هشيم عن إسماعيل بن سالم عن الحكم رحمه الله تعالى: وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ قال بلغني أنه ينزل معه المطر من الملائكة أكثر من ولد آدم وولد إبليس يحصون كل قطرة وأين تقع ومن يرزق ذلك النبات.
قال حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن قال حدثنا محمد بن عمرو الحمصي قال حدثنا بقية قال حدثنا محمد بن زياد قال سمعت محمد بن شريح التيمي قال سمعت كعبا رحمه الله تعالى يقول: لو تجلى لابن آدم عن بصره لرأى على كل جبل وسهل شيطانا كلهم باسط إليه يداه فاغر إليه فاه يريدون هلكته فلولا أن الله عز وجل وكل بكم ملائكة يذبون عنكم من بين أيديكم ومن خلفكم وعن أيمانكم وعن شمائلكم بمثل الشهب لتخطفوكم .


سمعنا هذه الآثار في حملة العرش, ويغني عن هذه التفاصيل ما ذكر الله في القرآن, قال الله تعالى: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا ولا شك أنهم من الملائكة الذين يحملون العرش ومَنْ حوله, وقال تعالى: وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ أي: محيطين به, ومَنْ حوله وقال تعالى: وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ ذكر الله ذلك في يوم القيامة, أي في يوم القيامة يحمل العرش ثمانية, وفي نظم عبد الله بن رواحة قال:
شـهـدت بـأن وعـد اللـه حـق
وأن النـار مـثـوى الكـافـرينـا
وأن العـرش فـوق المـاء طـافٍ
وفـوق الـعـرش رب العـالمينـا
وتحمـلـــه ملائكــة كـرام
ملائـكــة الإلـه مسـومـينا
هذا أقره عليه النبي صلى الله عليه وسلم, فدل على أن الملائكة الكرام يحملون العرش وفي هذا دليل على أن العرش مخلوق وأنه محمول تحمله هذه الملائكة هؤلاء، ولا شك أن حملهم له بأمر ربهم، ولو لم يكن الله تعالى فوق عرشه لكان حملهم له عبثا, وبدون فائدة, فدل ذلك على أن الرب سبحانه فوق عرشه استوى على العرش كما شاء, وأمر الملائكة أن يحملوا العرش, ومع ذلك فإن العرش لا يحيط به -بعظمته- إلا مَنْ خلقه
ذكر الله تعالى الكرسي, قال تعالى: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وذكر ابن عباس وغيره أن الكرسي كالمرقاة بين يدي العرش, مع سعة الكرسي الذي اتسع للسماوات السبع, والأرضين السبع, فإنه صغير بالنسبة إلى العرش, ومع ذلك فإن هذا العرش الذي هذه عظمته تحمله الملائكة الكرام, وكيف حملوه؟
لا شك أنهم ما حملوه إلا بأمر الله, وبتقوية الرب تعالى لهم.
ذكر أنه لما خلقهم الله وقال: خلقتكم لحمل عرشي, قالوا: وكيف نحمل عرشك وأنت رب العالمين؟ فقال: قولوا: سبحان الله وبحمده حتى تَحْمِلُوه, فما استطاعوا أن يحملوه إلا بالتسبيح, لما أنهم يسبحون الله ويحمدونه, ويكبرونه, ويُجِلُّونه, ويُعَظِّمُونه, كان ذلك سببا في قدرتهم وقوتهم حتى حملوا هذا العرش, مع عظمته, ومع ارتفاعه, وكون الرب سبحانه وتعالى مستويا على عرشه.
وردت كما سمعنا هذه الأدلة في عظمة هؤلاء الملائكة حملةِ العرشِ, وأن منهم إسرافيل وهو الْمُوَكَّلُ بالنفخ في الصور, وأن زاوية من زوايا العرش على عاتقه, وأن رأسه قد خرق السماء السابعة, وأن قدميه تحت الأرض السابعة السفلى, فكيف تكون عظمته؟!
وهكذا ما سمعنا من هذه الآثار في عظمة هؤلاء الملائكة، وذلك ما ذُكِرَ من أن مسيرة ما بين عاتق أحدهم إلى ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة خمسمائة سنة وكذلك عظمة أجسادهم بهذه المسافات المسيرة, يعني: المسيرة معتادة, الإنسان لو سار إلى طرف الدنيا يمكن أن يستغرق في سيره مثلا ثمانين سنة, أو مائة سنة. إذا قلنا: إنه يسير من طرف الأرض إلى طرفها, فكيف بمسيرة مائتي سنة؟ خمسمائة سنة؟ خمسة آلاف سنة؟ أو خمسين ألف سنة؟
لا شك أن هذا دليل على عظمة خلقهم, إذا كان هذه عظمة خلقهم. ورد أن ما بين السماء الدنيا والأرض مسيرة خمسمائة سنة, من الأرض التي نحن عليها, إلى السماء الدنيا التي رُكِّبَتْ فيها هذه النجوم والشمس والقمر مسيرة خمسمائة سنة, وأن ما بين كل سماء والتي تليها مسيرة خمسمائة سنة, وأن ما بين الأرض وبين الأرض الأخرى مسيرة خمسمائة سنة, ونحن لا نعلم أين الأرض الأخرى التي ذكر الله؟ حيث أخبر بأن الأرضين سبع, قال تعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ أي: سبع أرضين, فكل مسافة ما بين أرض إلى أرض خمسمائة سنة وما بين سماء إلى سماء خمسمائة سنة، وقالوا أيضا: إن كثف كل سماء يعني غلظها مسيرة خمسمائة سنة, فمن يحيط بهذه المخلوقات إلا الذي خلقها وأوجدها؟!
لا شك أن هذا دليل على عظمة هذه المخلوقات, وأما هذه الآثار وهذه النقول التي ذكرت فقد يقال أن الكثير منها أسانيده ضعيفة لا تصح, والكثير منها أيضا من الإسرائيليات كالتي رُوِيَتْ عن وهب بن مُنَبِّهٍ ونحوه ممن ينقلون عن كتب بني إسرائيل, فإنها لا تُعْتَمَدُ كدليل يدخل في العقيدة, ولكن قد يغني عنها ما ذكره الله تعالى من الأدلة الأخرى التي تدل على عظمة الملائكة, وعظم خلقهم, ومن جملتهم الذين يحملون العرش. نكتفي بهذا.