إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه.
شرح كتاب بهجة قلوب الأبرار لابن السعدي
74009 مشاهدة
شرح حديث أربع من كن فيه كان منافقا خالصًا

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلي آله وصحبه أجمعين. الحديث السابع: عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا أؤتمن خان وإذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر متفق عليه.


هذا الحديث في خصال المنافقين نعوذ بالله. الأصل أن المنافق هو الذي يظهر الإيمان ويبطن الكفر، يعقد قلبه على الكفر والميل إلى الكفار والتكذيب للشرع، وعدم تقبل أحكام الدين فهو كافر في الباطن، ولكن يظهر الإسلام ليأمن على ماله وليأمن على أهله، وعلى بدنه يأمن من القتل؛ لأنه إذا أظهر الكفر قتل كما يقتل الكفار.
فهو كافر في الباطن مع الكفار، يُطلِع الكفار على أسرار المؤمنين ويخاطبهم، ويقول: أنا معكم وأنا على المؤمنين، وأما في الظاهر فإنه يخالط المؤمنين ويصلي ويحج ويجاهد، ولكن كل ذلك رياء منه لا أنه يفعل ذلك عن قناعة، وإنما رياء كما في قول الله تعالى: الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يعني يتربصون ينتظرون ما يحل بكم، فإذا نصركم الله وغنمتم، قالوا: أعطونا من الغنائم نحن معكم ونحن منكم ونحن بينكم مقيمون معكم، وإذا انتصر الكفار قالوا: نحن معكم نطلعكم على أسرار المؤمنين، ونبين لكم أحوالهم ولم نقاتلكم معهم، فأعطونا من غنائمكم أو لا تتعرضوا لنا، وأمنونا هكذا يقولون.
ثم قال تعالى: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ فأخبر بأنهم يخادعون الله, بمعنى: أنهم يظهرون ما الله تعالى عالم بأنه كذب ومخادعة يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ .