إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم.
شرح كتاب دليل الطالب لنيل المطالب
70999 مشاهدة
باب الاستنجاء

...............................................................................


الباب الذي بعده. باب الاستنجاء وآداب التخلي:
الاستنجاء مشتق من النجو الذي هو القطع تقول العرب: نجوت الشجرة أي: قطعتها، ويطلق الاستنجاء في الاصطلاح على غسل النجاسة من السبيلين القبل أو الدبر، غسل أثر البول أو أثر الغائط يسمى استنجاء لماذا سمي؟ لأنه يقطع النجاسة وقيل: لأنه يوقف البول. إذا تبول الإنسان ثم غسل أثر البول أو غسل ذكره، أو غسلت المرأة فرجها يتوقف -بإذن الله- البول يكتسب برودة، ثم يتوصل إلى إيقاف البول؛ فلذلك سمي بالاستنجاء؛ ولذلك استحب الاستنجاء بالماء.
آداب التخلي: آداب دخول الخلاء. الخلاء هو المكان الخالي. كانوا إذا أرادوا قضاء الحاجة يبعد أحدهم فيقال: ذهب إلى الخلاء أي المكان الخالي لقضاء حاجته .
يقول في تعريف الاستنجاء: هو إزالة ما خرج من السبيلين بماء طهور أو حجر طاهر مباح منق، كأنه لم يفرق بين الماء والحجارة وسمى الجميع استنجاء، والأكثرون يفرقون، فالغسل بالماء يسمى استنجاء، والمسح بالحجارة يسمى استجمار؛ لأنه مسح بالجمار الحجارة الصغيرة التي كالإصبع أو نحوه تسمى جمرة، ومنه رمي الجمرات التي في الحج؛ فلذلك تسمى جمرات ويسمى التمسح بها استجمارا فعلى هذا الاستنجاء هو الغسل بالماء غسل المخرجين بالماء، والاستجمار مسحهما بالأحجار أو ما يقوم مقامهما كالمناديل. اشترطوا في الحجر أن يكون طاهرا بخلاف ما إذا كان ملوثا بنجاسة، وأن يكون مباحا فلا يأخذ شيئا من الحجارة المغصوبة، وأن يكون منقيا وهو الخشن فلا يكون أملس كالزجاج فإنه لا ينقي.
يقول: الإنقاء بالحجر ونحوه أن يبقى أثر لا يزيله إلا الماء يعني أن يمسح الدبر بحيث لا يبقى إلا أثر لا يزيله إلا الماء. أثر شيء من الرطوبة أو نحوها لا يزيله إلا الماء، يجزي التمسح بالحجارة والمناديل والخرق والأعواد والخشب ونحوها ليس شرطا أن يكون حجارة، وإنما نصوا على الحجارة؛ لأنها الأغلب أن التمسح يكون بالحجارة قديما، وفي هذه الأزمنة غالبا يكون بالمناديل وإن كان الأولى بالماء، متى يطهر المحل بالاستجمار؟ اشترطوا ثلاث مسحات. كل مسحة تعم المحل. ثلاث مسحات بثلاثة أحجار أو بثلاثة أعواد أو نحوها أن يمر كل حجر على المحل كله. هكذا جاء في بعض الروايات ولكن جاء في رواية أخرى ذكرها ابن حجر في التلخيص وذكرها الصنعاني في السبل وغيرهم ثلاث مسحات اثنتان للصفحتين وواحدة للمشربة يعني: جانبي الدبر ووسط المخرج.
ولكن إذا كانت المسحة تعم الصفحتين والوسط جاز ذلك. هكذا قالوا: لا يجزي إلا ثلاث مسحات؛ وذلك لأن المسحة الأولى تزيل جرم النجاسة، والمسحة الثانية تزيل بقيتها، والثالثة تنشف الرطوبة التي في المحل فيطهر المحل، فإن لم يطهر ولم ينق بالثلاث واحتاج إلى رابعة أضاف خامسة، وإن لم يطهر إلا بست أضاف سابعة في الحديث الصحيح ومن استجمر فليوتر من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج، فالإنقاء هو الأصل أن عليه أن ينقي بالمسح لو كان وجد حجرا واحدا وللحجر ثلاثة أطراف فمسح بكل طرف أجزأه لأنه يحصل به الإنقاء. الإنقاء بالماء أن يعود المحل إلى خشونته كما كان وظنه كاف يعني: إذا كان يغسله بالماء بعد أثر التغوط فمتى يكتفي؟ بعضهم قال لا يزيد على سبع غسلات؛ لأنه أكثر ما جاء في غسل الأواني.
جاء فيه حديث وإن كان ضعيفا أمرنا بغسل الأنجاس سبعا ومع ذلك قالوا: يغسل الدبر أربع يغسله سبع غسلات على الأكثر، والصحيح أنه يصب عليه ويدلكه باليسرى إلى أن يعود المحل إلى خشونته وتزول اللزوجة التي من أثر النجاسة هذا هو الاستنجاء بالماء.
قد روي عن بعض السلف أنهم أنكروه وكانوا يقتصرون على التمسح فروي عن حذيفة أنه قيل له: إن الاستنجاء بالماء أفضل فقال: إذن لا يزال في يدي نتن يعني إذا عرضتها على دبري، فكأنه ينكر الاستنجاء بالماء وغسل دبره باليد، ولكن نقول إنه إذا بقي فيها أثر فإنه يغسلها بالماء، والماء يطهره يطهر ما فيها وروي أن ابن عمر لما ذكر له الاستنجاء وغسل الدبر بالماء أنكر ذلك وقال: وهل يفعله إلا النساء؟ كأنه يستنكر ذلك، لكن روي عنه أنه قال: إنا جربناه فوجدناه صالحا يعني: الاستنجاء بالماء قد ثبت ذلك مرفوعا عن عائشة قالت لبعض النساء حولها: مُرن أزواجكن أن يستنجوا بالماء فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعله تعني: الاستنجاء بالماء ذكرت أنه عليه الصلاة والسلام كان يفعله.
وروى ذلك أيضا ابن عباس يقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدخل الخلاء فأحمل أنا وغلام نحوي إداوة من ماء فيستنجي بالماء يحملون إداوة يعني: قدحا فيه ماء يضعونه له فإذا انتهى من التخلي جاء واستنجى بالماء. يعني: غسل به أثر النجاسة وإذا ثبت مرفوعا فإنه لا مجال لإنكار من أنكره، الجمع بينهما أفضل بأن يبدأ بالاستجمار بالحجارة الحجارة أو نحوها وبعده بالماء. الحجارة تزيل جرم النجاسة والماء يطهر أثره. هكذا. هذا هو الأفضل أن يجمع بينهما ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل أهل قباء قال: إن الله تعالى أثنى عليكم في قوله تعالى: فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا ما هو هذا التطهر؟ فقالوا: نغسل أدبارنا من الغائط فقال: هو ذاك وفي رواية ذكرها ابن كثير عند تفسير هذه الآية في سورة التوبة، وأشار إليها أيضا ابن حجر في التلخيص وغيره قالوا: إنا نتبع الحجارة الماء أي نبدأ بالحجارة نتمسح بها، ثم بعد ذلك نغسل بالماء فأقرهم على ذلك؛ فلذلك استحب بعضهم الجمع بينهما.
وفي أثر رواه ابن أبي شيبة وغيره عن علي رضي الله عنه أنه قال لبعض أصحابه: إن من كان قبلكم كانوا يبعرون بعرا وأنتم تزلطون زلطا، فأتبعوا الحجارة الماء، وذلك لأنهم لما فتحت عليهم الدنيا وكثرت عليهم النعم وصاروا يأكلون من أنواع المأكولات. كان الذي يخرج منهم يسيل يعني: مثل ما يثلط ثلطا يعني: يخرج الغائط بسيلان أو برطوبة بخلاف الأولين فإنهم لقلة النعم عليهم كانوا يخرج من أحدهم يضع أحدهم كما تضع الشاة يابسا فيكتفون بالحجارة؛ فلذلك قال لهم: اجمعوا بين الحجارة والماء أتبعوا الحجارة الماء. هذا هو المستحب. يجوز الاقتصار على أحدهما الاقتصار على الماء أفضل، والاقتصار على الحجارة كافٍ؛ لأنه يصدق عليه أنه أزال جرم النجاسة أنه عمل بما ورد فمن اقتصر على الحجارة أجزأ ولكن الأفضل أن يقتصر على الماء، وأفضل من ذلك أن يجمع بينهما.
يقول في آداب التخلي: يكره استقبال القبلة واستدبارها في الاستنجاء يعني: في حالة غسل فرجه لا يستقبل القبلة ولا يستدبرها في حالة غسله بالماء ونحوه من باب الكراهة لا التحريم، وذلك لاحترام جهة الصلاة لا يجعلها خلف ظهره ولا يجعلها أمام فرجه.