القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره.
شرح مقدمة التفسير لابن تيمية
83792 مشاهدة
شرح مقدمة التفسير لابن تيمية

... وعلى آله وصحبه أجمعين.
عندنا مقدمة في تفسير القرآن لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، أَجمل فيها بعض القواعد، وبعض الأصول التي يعرف بها مكانة القرآن، ويعرف بها كيفية تفسير القرآن، ويكون طالب العلم على معرفة بكيفية التفسير. معلوم أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يهتمون بالقرآن قراءة وتفسيرا. فكانوا يتعلمون القرآن، ويتعلمون تفسيره ومعانيه جميعا. وكانوا مع ذلك يفسرونه لمن بعدهم. ومع أنهم فصحاء، يعرفون اللغة، نزل القرآن بلغتهم، فإنهم مع ذلك يحرصون على معرفة ما دل عليه، على معرفة القرآن، ومعرفة دلالاته. ويفسرون ذلك أيضا لتلاميذهم ومن جاء بعدهم. كل ذلك من الاهتمام بما دل عليه القرآن.
يقول شيخ الإسلام رحمه الله تعالى:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللسامعين.
قال المصنف رحمه الله تعالى: الحمد لله نستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصلى الله وسلم عليه تسليما كثيرا.
أما بعد: فقد سألني بعض الإخوان أن أكتب لهم مقدمة تتضمن قواعد كلية تعين على فهم القرآن، ومعرفة تفسيره ومعانيه، والتمييز في منقول ذلك، ومعقوله بين الحق، وأنواع الأباطيل. والتبيين على الدليل الفاصل بين الأقاويل. فإن الكتب المصنفة في التفسير مشحونة بالغث والثمين، والباطل الواضح، والحق المبين. والعلم إما نقل مصدق عن معصوم، وإما قول عليه دليل معلوم. وما سوى هذا فإما مزيف مردود، وإما موقوف لا يعلم أنه بهرج ولا منقود.
وحاجة الأمة ماسة إلى فهم القرآن الذي هو حبل الله المتين، والذكر الحكيم، والصراط المستقيم. الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسن، ولا يخلق على كثرة الترديد، ولا تنقضي عجائبه، ولا يشبع منه العلماء. من قال به صدق، ومن عمل به أُجِرَ، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم، ومن تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله.
قال تعالى: فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى وقال الله تعالى: قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ .
وقال تعالى: الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وقال تعالى: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ .
وقد كتبتُ هذه المقدمة مختصرة بحسب تيسير الله تعالى من إملاء الفؤاد، والله الهادي إلى سبيل الرشاد. فصل.


سمعنا أنه رحمه الله ابتدأ هذه المقدمة بخطبة الحاجة المشهورة التي رواها ابن مسعود وغيره. إذ كان صلى الله عليه وسلم يقول: إن كان لأحدكم حاجة فليقل: إن الحمد لله نحمده ونستعينه ... إلى آخره، في هذه الخطبة الثناء على الله تعالى، وكذلك العبادة. من العبادة الاستعانة والاستغفار. من العبادة الاستعاذة بالله من شرور الأنفس، وسيئات الأعمال. من الثناء على الله تعالى أنه لا هادي لمن أضل، ولا مضل لمن هدى. كذلك أيضا الشهادة لله تعالى بالوحدانية ولنبيه صلى الله عليه وسلم بالرسالة. كذلك الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم والتسليم.