إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك.    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه
مجموعة محاضرات ودروس عن الحج
103963 مشاهدة
بيان حرمة المناسك

نقول بعد ذلك: المحرم إذا دخل مكة -إذا كان إحرامه بعمرة- فإنه وصل إلى هذه البلدة المحرمة فعليه أن يعترف باحترامها وبحرمتها، الله-سبحانه وتعالى- ذكر أنها البلد الحرام والبلد الأمين في قوله تعالى: وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ وفي قوله تعالى: أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ وفي قوله تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ .
إذا دخل هذه البلدة اعترف بحرمتها، واعترف بأهمية العمل فيها، واعترف أيضا بفضلها؛ فيغتنم العمل الصالح، العمل الصالح الذي في هذه البلدة له مضاعفته وله مكانته؛ لأن هذه البلدة تميزت عن غيرها، تميزت بالبيت الحرام .
ولما تميزت بهذا البيت الحرام كان لها حرمة، البيت العتيق سماه الله تعالى بذلك، وسماه إبراهيم البيت المحرم في قول إبراهيم رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ وقال الله تعالى: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ .
سماه عتيقا -يعني- لقدمه، أنه أول ما بني على الأرض، قال الله تعالى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ أي بهذا البلد، تسمى بكة وتسمى مكة لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ .
أولا: إن هذا البلد كله بلد حرام، حرمته معترف بها قبل الإسلام، ثم قيل إن الذي حرمه إبراهيم عندما قال: عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ وقيل إنه محرم عليه تحريما عريقا، لما أن النبي-صلى الله عليه وسلم- دخل مكة سنة ثمان وأبيح له القتال في ذلك النهار، ولما كان اليوم الذي بعده اعتدى بعض السفهاء، وقتلوا قتيلا في هذا البلد، وقالوا: زالت الحرمة، زالت حرمة مكة ؛ حيث قاتل فيها النبي-صلى الله عليه وسلم-.
أنكر ذلك إنكارا شديدا، وخطب الناس وقال: أيها الناس، إن الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض؛ فهي حرام بحرمة الله تعالى، لا يحل لمسلم أن يسفك بها دما، ولا يعضد بها شجرة، لا يُقطع شجرها، ولا يُعضد شوكها، ولا يُختلى خلاها -يعني الحشيش- ولا يُنفر صيدها، ولا تُلتقط ساقطتها .
هذا دليل على حرمة هذا البلد، فلا يُقطع الشجر إلا الشجر الذي ينبته الآدميون، ومن قطعه فإن عليه فدية، ولا يختلى الخلا يعني الحشيش، بل يترك للدواب ترعاه بأفواهها، ومن قطعه فإن عليه قيمته يتصدق به، وكذلك أيضا لا يقاتل فيها، لا يحل القتال فيها، حتى ولو لقي أحدهم قاتل أبيه فلا يحيذه، وكذلك أيضا لا ينفر صيدها؛ ولأجل ذلك تشاهدون هذه الطيور فيها، الحمام والعصافير ونحوها لا أحد ينفرها، ولا أحد يصيدها فهي آمنة، ومن قتل شيئا منها فإن عليه الفدية كفدية جزاء الصيد، فهكذا حرمة هذا البيت .
كذلك أيضا مضاعفة الأعمال فيه، جاء أن المسجد الحرام تضاعف فيه الصلوات، الصلاة فيه بمائة ألف، الصلاة الواحدة في المسجد الحرام الذي حول الكعبة بمائة ألف، أما بقية المساجد ففيها خير وفيها مضاعفة، ولكن لا تصل إلى هذا الحد-يعني إلى هذا المقدار- ولكن مكة كلها تضاعف فيها الأعمال.
كذلك أيضا السيئات، ليست السيئة في الحرم أو في البلد الحرام مثلها في غيره، لا بد أنه يتجنب المعاصي فيها، بل ذكر أن ابن عباس كان ساكنا في مكة ثم إنه قرأ قول الله تعالى: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ فاستنبط من الآية أن من هم بمعصية وإن لم يعملها في الحرم أو في البلد الحرام فإنه يعاقب بمجرد النية وإن لم يحصل الفعل؛ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ النية، إذا هم الإنسان بمعصية -وإن لم يعملها -فإنه يعاقب على ذلك، ولو تركها بعد ذلك ولم يتمكن منها.
فمن همَّ بزنا في البلد الحرام عوقب على هذا الهم، ومن هم بسرقة عاقبه الله على هذا الهم، ومن هم بقتل بريء عاقبه الله تعالى بذلك، ومن هم أن يشرب خمرا- ولو لم يشربها -عوقب على ذلك على هذا الهم؛ وذلك لأنه لم يحترم هذه البقاع الشريفة، التي هي أماكن الطاعة وأماكن العبادة، وقد جعلها مكان ذنب ومكان معصية، واستهان بحرمتها، واستهان بمكانتها فكان ذلك جزاؤه. جزاؤه أن يحرم، ويعاقب عقوبة عاجلة أو آجلة، لو متع في الدنيا وهو يسرق ويزني ويفحش ويكذب ويشهد الزور ويرابي ويأخذ الرشا ويأكل أموال الناس بالباطل ويقتل ويظلم؛ لو متع فإن ذلك لا يدل على سلامته، بل يعد الله له عذابا شديدا.
إذا دخل المسلم هذه البلدة عرف مكانتها وأهميتها؛ فاحترمها وابتعد عن المعاصي التي يعاقب عليها، وتكون العقوبة عليها أشد من العقوبة في غيرها، وكذلك حفظ جوارها سواء كان محرما أو بعدما يتحلل من الإحرام.