إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة
محاضرات عن طلب العلم وفضل العلماء
13334 مشاهدة
كيفية طلب العلم ووسائله

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، وسار على نهجه واستن بسنته واقتفى أثره واهتدى بهداه ... أما بعد:
في البداية أحييكم بتحية الإسلام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ثم إني أصالةً عن نفسي ونيابة عن إخواني الحضور من الوافدين لهذا البيت ومن جماعة هذا المسجد ترحب بفضيلة الشيخ العلامة الدكتور عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين عضو الإفتاء سابقا، والذي حضر في هذه الليلة ليحدثنا عن موضوع من أهم الموضوعات، وقضية منهجية من أهم القضايا المنهجية التي تهم المسلم والمسلمة في حياتهما؛ ألا وهي كيفية طلب العلم، ففي البداية أشكر للشيخ مسعاه، وأسأل الله جل وعلا أن يشكر له ذلك الخير . ولا أطيل الحديث؛ فإني أعلم أن القلوب .. والآذان متطلعة لسماع الحديث من فضيلته فليتفضل مشكورا مأجورا بإذن الله تعالى.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير، أحمد الله وأشكره، وأثني عليه وأستغفره، وأسأله من فضله العظيم أن يوزعنا شكر نعمه وأن يدفع عنا نقمه، وأشهد أنه هو الله الإله الحق إله الأولين والآخرين، وأشهد أنه أرسل الرسل وأنزل الكتب وختم رسله بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
وأنزل عليه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، ونشهد أنه صلى الله عليه وسلم بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، وأنه علم الأمة كل ما يحتاجون إليه، وثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ما بعث الله من نبي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وأن يحذرهم من شر ما يعلمه لهم فقام صلى الله عليه وسلم بالبيان والبلاغ والتعليم حتى أوضح لهم كيف يعرفون الله تعالى وكيف يعبدونه... وبعد:
الموضوع الذي نتطرق إليه: كيفية طلب العلم؛ موضوع مطروق، وموضوع مشهور، ولكن من باب المساهمة فيه، ومن باب المشاركة، ومن باب التذكير والذكرى تنفع المؤمنين؛ نحب في هذه الأوقات أولا: نذكر المراد بالعلم الذي نبحث حوله، وكيفية الطلب والمراد بالطلب، والطريق الأقوم الذي يسلكه طالب العلم، والوسائل التي يتحصل عليها حتى يتمكن من طلب العلم، وأذكر نماذج من فعل الصحابة -رضي الله عنهم- ونماذج أيضا من فعل مشائخنا وما قبلهم حتى وصلوا إلى رتبة العلم.
فأقول: حقيقة العلم الذي نبحث فيه والذي يهمنا ويهمك أيها الطالب هو علم الديانة، علم النبي -صلى الله عليه وسلم- علم الشريعة، العلم الذي هو ميراث الأنبياء، والذي حث عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- ورغب في طلبه، وأخبر بهول طلبه، تذكرون حديث أبي الدرداء الذي شرحه ابن رجب في رسالة مستقلة الذي أشار إليه البخاري في أحد الأبواب من كتاب العلم في صحيحه وهو قوله -صلى الله عليه وسلم- من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة، وإن طالب العلم ليستغفر له كل شيء حتى الحيتان في البحر، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع، وإن فضل العالم على العابد؛ كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء هم ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر .
إذن، فالعلم الذي نتكلم حوله هو ميراث الأنبياء، أي: كل علم تُلقي عن الأنبياء وخاتمهم نبينا صلى الله عليه وسلم فإنه العلم الذي يطلبه طلاب العلم، والذي يهتمون به، فلا يعتبر بما شَغَل عنه من العلوم الجديدة التي تشغل عن العلم الصحيح، ورد أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: طلب العلم فريضة على كل مسلم .
والفرض لا شك أنه يعاقب مَن تركه وأعرض عنه؛ ولأجل ذلك يُذم المعرضون المنشغلون بما سواه، كما ورد في تفسير قول الله تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى والذكر يدخل فيه القرآن والسنة والتفقه فيهما، فهذا هو حقيقة العلم الذي هو ميراث الأنبياء، وقد ذكره العلماء نظما ونثرا، فيقول بعضهم:
العلـم قـال الله قال رسولـه
قـال الصحابـة ليس خـلف فيه
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة
بيـن النصـوص وبين رأي فقيه

يعني: أن العلم الحقيقي هو كلام الله وكلام نبيه وكلام الصحابة والتفقه في ذلك.
ويقول آخر:
كل العلوم سوى القرآن مُشغِلة
إلا الحديث وإلا الفقـه في الديـن
العلم ما كان فيـه قال حدثنـا
وما سوى ذاك وسواس الشياطين

هذا هو حقيقة العلم.
وذكر بعضهم أهمية بعض العلوم الآلية، وفي ذلك يقول بعضهم:
وإذا طلبت من العلوم أهمهـا
فأهمهـا منهـا مقيم الألسـن

يعني أنه هذا البيت مُنْتَقَد ليس هو أهمها؛ ولذلك رد عليه ابن عبد البر كما في كتاب العلم فيقول:
وإذا طلبت مـن العلوم أهمها
فأهمهـا عنـد التقـي المؤمن
علم الديانة يا فتى فاظفر بـه
................................

إلى قوله:
هذا الصحيح ولا مقالـة جاهل
(فأهمهـا منها مقيـم الألسن)
لو كـان ذا فقه لقال مجاوبـا
فأهمهـا منهـا مقيـم الأدين

أي: أن الأهم هو العلم الذي به يَعبد ربه، وبه يعرف كيف عبادة الله، وبه يعرف كيف يؤدي حقوقه، وبه يعرف كيف يتجنب المحرمات، الذي يحصل بسببه انزجار عن المحرمات، واستفادة في الأوقات، من كان كذلك فحقا أنه من حملة العلم، وأنه من العاملين به حقا.