إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) logo إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم.
shape
شهر رمضان استقباله - قيامه - أصناف الناس فيه
11610 مشاهدة print word pdf
line-top
شهر رمضان نعمة كبرى

لقد أنعم الله علينا نعمة كُبرى حيث بلَّغنا شهر رمضان وقيامه نعمة عظيمة وفضل كبير لمن وُفِّق لذلك، لما في هذا الشهر الكريم من أسباب المغفرة، ومن أسباب العتق من النار، فمن بلَّغه الله هذا الشهر بأنْ مدَّ في أجله حتى أدرك هذه الأيام الغَرَّ، وهذه الليالي الزهر، فقد تكرَّم عليه وخصَّه مما حرم منه غيره، فكم من أناسٍ وكم من أفراد اختتمت آجالهم قبل حلول هذا الشهر، وختم على أعمالهم.
إنه قد نزل بنا شهر كريم، وموسم عظيم، شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فهو شهر البركات والخيرات، شهر إجابة الدعوات، شهر إغاثة اللهفات، شهر إعتاق الرقاب الموبقات، شهر النفحات، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم، من تقرب فيه بخصلة من خصال الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهرُ الصبر، والصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة، وشهر يزاد فيه في رزق المؤمن، من فطَّر فيه صائما كان مغفرة لذنوبه وعتقا لرقبته من النار، يعطي الله هذا الثواب لمن فطر صائما على مذقة لبن، أو شربة ماء، أو تمرة، ومن أطعم فيه صائما وسقاه، سقاه الله من حوض النبي -صلى الله عليه وسلم -.
شهرٌ أوله رحمه وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار، فالرحمة للمؤمنين عموما، يتفضل الله عليهم ويرحمهم بواسع رحمته، فهو أرحم الراحمين. والمغفرة للمذنبين الذين كانوا قد أخطئوا وارتكبوا بعض المخالفات، فإذا تابوا وأنابوا وأقبلوا إلى ربهم في هذا الشهر فإنه -سبحانه- يغفر لهم ما كان من ذنوبهم ويمحو سيئاتهم. وذلك فضله وواسع رحمته، وإن لم تبلغ ذلك أعمالُهم، كذلك في آخره يعتق الله تعالى أهل الذنوب من الموبقات، يُعتقهم من النار ويؤهلهم لدخول الجنة ما لم يعودوا إلى رقِّ الأوزار والذنوب، ورد في ذلك أن الله تعالى يعتق كل ليلة عند الإفطار ألف ألف عتيق من النار، فإذا كان في آخر ليلة أعتق عدد ما أعتق في أول الشهر إلى آخره. فالتمسوا رضا الله -سبحانه وتعالى-؛ وذلك لأنه -سبحانه وتعالى- يقبل التوبة عن عباده.
ورد فيه من الفضل قوله -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وسلسلت الشياطين، وفتحت أبواب الرحمة فلم يغلق منها باب، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وسلسلت مردة الشياطين ؛ وذلك لكي لا يتمكنوا من إغواء المسلمين من أمة محمد الأمين، ينادي فيه مناد كل يوم: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة.
فعلى المسلمين أن يتوبوا ويتقربوا إلى ربهم بالأعمال الصالحة التي يحبها الله سبحانه، ويرتب عليها العتق من النار ومغفرة الذنوب والأوزار، ليكونوا من عباده المخلصين، وعليهم أن يستقبلوه بتوبة صادقة، يتعهدون فيها ألا يعودوا إلى الذنوب التي كانوا قد اقترفوها في سابق أعمارهم، فيقلعوا عنها ويتركوها كليا ويندموا، ويتأسفوا على ما مضى منهم من الخطايا والذنوب، والتقصير في حق علام الغيوب.
وكذلك عليهم أن يعاهدوا ربهم على أن يستمروا على هذه الأعمال الصالحة بقية أعمارهم، حتى يقبل الله تعالى منهم، ويغفر لهم، وهو أرحم الراحمين، عليهم أن يسارعوا إلى الخيرات، وأن يتسابقوا إلى درج الجنات، وأن يُكثروا من الحسنات، ويتوبوا من السيئات، حتى يعتقهم الله من آثام الخطيئات، فيكونوا عُتقاءه من النار، ويغفر لهم ذنوبهم، يسارعون كما أمرهم الله، بقوله تعالى:
وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ .

line-bottom