إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه.
أهل الحسبة
1916 مشاهدة
غربة الإسلام

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
سلام عليكم أيها الإخوة ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير، وحياكم الله بهذا المكان المبارك، وفي هذا الاجتماع الطيب، وحيا الله هذه الوجوه الطيبة، التي جمعها التحابّ في ذات الله، وجمعها التآلف الذي ربط الله به بين المسلمين، الأخوة الإيمانية الدينية فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا .
أيها الإخوة! نحن في زمان الغربة، تحقق ما ذكره النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله: بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ؛ فطوبى للغرباء وسئل عن الغرباء فقال: هم النزاع من القبائل أو الذين يصلحون عند فساد الناس أو الذين يصلحون ما أفسد الناس من سنتي أو الذين يفرون بدينهم من الفتن .
إنما النزاع من القبائل أي: أن من كل قبيلة فردا أو فردين، وبقية القبيلة ليسوا من هؤلاء الغرباء، وسموا غرباء؛ لأن أحدهم غريب بين الناس، يرى كأنه ليس من الناس، الناس في واد وهو في واد، جمهور الناس وأكثريتهم متوسعون في أمور دنياهم، ومنهمكون في شهواتهم وفي شغلهم ولهوهم.
والصالح منهم والمتمسك يرى مثل الشعرة في جلد البعير، الأكثرية من الناس هم الذين قد تغيروا عن ما كان عليه أسلافهم وآباؤهم وأجدادهم إلا من شاء الله.
ومعنى قوله: وسيعود غريبا أنه سيصبح الإسلام غريبا، وسيصبح أهله غرباء.
وقد تحققت هذه الغربة منذ زمان؛ قد روي عن الإمام أحمد -رحمه الله- أنه قال: ما أغرب السنة! وأغرب منها من يعرفها!
فهذا في زمن الإمام أحمد الذي هو في أحد القرون الثلاثة المفضلة، فكيف بما بعده؟
وقد ذكروا أن بعض التابعين دخلوا على أنس -رضي الله عنه- واشتكوا إليه ما يلقون من الحجاج بن يوسف من الأذى، فقال: اصبروا فإنه لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه، حتى تلقوا ربكم، سمعته من النبي -صلى الله عليه وسلم- .
وقد تحكم الغربة وتشتد في زمان، ثم تنحل بإذن الله ويتسع الأمر، ولكن الغالب والأكثر هو استحكامها إلا من شاء الله؛ ففي زمن أول القرن الرابع عشر الماضي حدث مثل هذه الغربة أو أشد؛ حيث ذكر الشيخ سليمان بن سحمان -رحمه الله- أنهم لما كانوا في ولاية آل رشيد منعوا من إظهار الخير، ومنعوا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأمر كل أحد منهم أن يقتصر على نفسه، وفي ذلك أنشأ قصيدة ميمية منشورة في ديوانه، وذكر فيها ما يلاقيه أهل ذلك الزمان من غربة الدين فيقول فيها:
على الدين فليبك ذوو العلم والهدى
فقـد طمست أعلامه في المعـالم
وقد صار إقبـال الورى واحتيالهم
على هذه الدنيا وجـمع الدراهم
يعادون فيها بل يوالون أهلهـا
سواء لديهم ذو التقى والجـرائم
إذا انتقص الإنسان منها بما عسى
...... ذخـرا أتــى بالعظـائم
وأبدى تعاجيبا من الحزن والأسى
على قلة الأنصار من كـل فاهم
فأني على الدين الحنيفي والهـدى
وملة إبـراهيم ذات الدعـــائم
فليس عليهـا بعد أنتم معارفـها
من الناس من باك وآس ونـادم
وهكذا استمر فيها يذكر الغربة في ذلك الزمان، مع أنه فيه العلماء الكثير، وفيه العباد ولم تفش هذه المنكرات، ولم تظهر الخمور، ولم يظهر الفجور، ولم يحدث هذا الاختلاط، ولم يكثر الكفار، بل المسلمون عزيزون أقوياء، والموحدون مظهرون لدينهم، ولكن لما أنهم وجدوا هذا الذي فيه شيء من التحجر على الأخيار أن يظهروا خيرهم، عد ذلك من الغربة، الغربة الشديدة.
وهكذا أيضا في زمن الشيخ الحافظ الحكمي -رحمه الله- أظن أنه مات سنة سبع وسبعين من القرن الرابع عشر، أي بعد الثلاثين والألف ومع ذلك ظهرت في زمنه أيضا الغربة، يعني: استغرب ما وقع فيه الناس في زمانه، وأين هو من زماننا!
فله قصيدة دالية يقول فيها:
ولا نصيح لعصري مـن يفوه بنا
يناقض الشـرائع إيــاه يعتمـد
ورتبـوا هنـاك فـي الأفهام..
أين الطبيعة يا مخبول إذ وجدوا
وما لزلاتهـم ورد على صدري
وما لمعتنقيها في الفلاح يـد
قد يدخلون بها عاداتهم وسجاياهم
وحكم طواغيت لهـم فرضـوا
محسنين لها كيما تروج علـى
عمي البصائر ممن فاتـه الرشد
من أجل ذلك قـد أضحى زنادقة
كثيرهم لسبيل الغي قد قصـدوا
يرون أن تضرب الأنثى بزينتها
وبيعهـا البضع تأجيل وتنتقـد
على صحائفهم يا صاح قد عكفوا
ولو قرأت كتاب الله ما سجـدوا
وعن تدبر حكم الشرع قد صُرفوا
وفي المجلات كل الذوق قد وجدوا
وللشوارب أعفوا واللحى نتفـوا
تشبها ومجاراة ومـا اتــأدوا
ثقافة ..... سـاء مـا ألفـوا
حضارة من مروج هم لها قصدوا
عصرية عصرت خبزا فحاصلهـا
سم نقيع فيـا ................
إلى أن قال:
يا غـربة الدين والمستمسكون به
كقابض الجـمر صـبرا وهـو يتقد
هكذا يمثلون معنى:
يا غـربة الدين والمستمسكون به
كقابض الجـمر صـبرا وهـو يتقد
يشير بذلك إلى الحديث المشهور الذي فيه قول النبي-صلى الله عليه وسلم- لما ذكر الزمان المستقبل زمان الغربة، فقال: للعامل فيها أجر خمسين يعملون مثل عمله وذكر سبب ذلك؛ وهو قلة الموافق وكثرة المخالف.
وذكر أن أحدهم، المتمسك بالسنة كقابض الجمر كالقابض على الجمر هذا في زمان الغربة المستمسك بسنتي عند فساد أمتي له أجر شهيد .
ففي هذه الأزمنة علينا أن نحتسب حتى نكون من هؤلاء الذين وصفوا بأنهم الغرباء، الذين يصلحون عند فساد الناس، أو الذين يصلحون ما أفسد الناس من السنة، أو الذين يفرون بدينهم من الفتن.