* إن شريعة الإسلام شريعة واسعة، وشريعة كاملة، استعملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب المؤمنين؛ لمَّا كانت المرأة قبل الإسلام لا قدر لها عند الجاهليين، بل كانوا يحتقرونها ولا يعطونها شيئا من المال؛ لأنها -في زعمهم- لا تقاتل ولا ترد الأعداء ونحو ذلك.
جاء الإسلام فجعل لها حقًا، وجعل لها مالا، وجعل لها مِلْكًا وعلق بها أحكاما كثيرة، وألزمها بعبادات كما ألزم الرجال بعبادات، وجعل لها من الأحكام مثل ما للرجال، وجعل النساء شقائق الرجال، ولا شك بأنهم بحاجة لمعرفة تلك الأحكام ولو أنها تختص بالنساء كأحكام الحيض، والولادة والنفاس، وما يتصل به النساء، وما تختص به.
* فالرجل بحاجة لمعرفة ذلك؛ حيث أن لديه نساء من زوجات أو بنات أو أخوات أو محارم، فهو في حاجة إلى أن يعرف الأحكام التي تتعلق بالنساء حتى يُعلِّم من تحت يده، وكذلك المرأة بحاجة إلى أن تعرف الأحكام التي تختص بالنساء، حتى تعرف كيف تعمل في تلك الأحكام.
* وقد استثنيت المرأة من بعض الأمور التي تختص بالرجال؛ وذلك لا شك أنه كرامة لها وحفاظٌ عليها، فثبت في الحديث أن عائشة -رضي الله عنها- قالت: يا رسول الله، هل على النساء جهاد؟ فقال: عليهن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة . فأسقط عنهنَّ الجهاد الذي هو قتال الكفار، وجعل عليهن هذا الحج الذي هو جهاد حيث أنه إجهاد للنفس وإتعاب لها، فقام مقام القتال مع أنه إذا احْتِيج إلى المرأة فإنها تشارك في خدمة المجاهد، فقد ثبت أن عائشة -رضي الله عنها- هي وامرأة من الأنصار في غزوة أحد كانتا تخدمان الغزاة، فتأتي هي وتلك المرأة بالماء وتفرغانه في أفواه القوم الذين صُرعوا أو أُصِيبوا، وكل ذلك خدمة منهما للمجاهدين، فيكون كل ذلك جهادًا.
* وهكذا كان بعض النساء يغزون مع المسلمين منهن أم سُلَيم أم أنس بن مالك وغيرها، كن يغزون فيداوين الجرحى وينقلن المرضى ويخدمن الغزاة ويقمن بعمل يُحْتَاج إليه، فكان ذلك مما دعت إليه الشريعة.
* ولكن جاءت الشريعة بكرامة المرأة، وهو صيانتها في البيوت، وألا تبرز إلى الرجال الأجانب، وأن تحتفظ بجمالها وبزينتها؛ ليكون ذلك أحفظ لها على أن تمتد إليها الأنظار، وأن تطمع فيها النفوس المريضة، فحجاب المرأة وسترها وتسترها عن الرجال لا شك أنه كرامة لها، وليس كما يقول دعاة الضلال: إنه تحجّر وتضييق على المرأة، وأن المرأة شقيقة الرجل، وأنها وأنها...، كما يهذي به هؤلاء الذين لهم أغراض نفسية يريدون أن يشبعوا أغراضهم، ويريدون أن ينالوا مشتهياتهم، فلم يجدوا بدًّا من أن يتكلموا الكلام الدنيء، وأن تبرز المرأة وتخرج إلى جانب الرجل وتشتغل معه سويا وهو غير مَحْرَم لها، وأن تُبْدِي زينتها وجمالها ليتمتعوا بما يريدونه منها.
* هذه ادعاءاتهم كما يقول بعض المتأخرين؛ يرون أن تبرز الأنثى بزينتها، ويرون أنها حرة في نفسها، وأن لها أن تبذل نفسها لمن تريد بعوض أو بغير عوض، ولا شك أن هذا إهانة لها.
* فعلى المرأة المسلمة أن تقتصر على ما أمرها الله به من التستر والتحجب
* أمر الله تعالى بتستر النساء وغضهن الأبصار، فقال تعالى: وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ إلى قوله: وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ .
* ولا شك أن هذا هو تعليم من الله للمرأة، وهو أن تحفظ زينتها ولا تبرزها أو تبديها لكل أحد؛ بل أن تتحفظ حتى لا تُبْدِي إلا لمحارمها وأهليها وأقاربها الذين حرمت عليهم، والذين هم أقارب لها ومحارم لها، كما أن من كرامتها ومن الحفاظ على صيانتها أن لا تخرج وتسافر إلا مع ذي محرم؛ وذلك لأن الأطماع تمتد إليها، الأطماع الدنيئة والنفوس الرديئة متى رأت المرأة متبرجة وخالية فإنها قد تطمع فيها حتى في الأماكن المقدسة، كما ذكروا أن امرأة من السلف كانت تطوف وحدها في البيت الحرام، فلما رآها أحد الفسقة جاء إليها وصار يطوف إلى جانبها ويعاكسها ويتكلم معها وهي لا تصغي إليه، فلما كانت في اليوم التالي قالت لزوجها ( أبو الأسود الدؤلي ) هلمّ فطف معي حتى تريني المناسك، فلمما رآها ذلك الفاجر تطوف ومحرمها معها ابتعد عنها فقالت:
تعدو الذئاب على من لا كلاب له | وتتقـي حرمـة المستأسـد الضاري |