يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع.
أطب مطعمك
5480 مشاهدة
آثار الكسب الطيب

فأولا: آثار الكسب الطيب ما ذكر في هذا الحديث أن من كان كسبه حلالا ومطعمه حلالا فإن دعوته تكون مستجابة؛ إذا دعا الله تعالى أجاب دعوته، وأعطاه طلبته؛ وذلك لأنه تغذى بما هو غذاء حلال لا شبهة فيه، وقد دل على ذلك أيضا الحديث المشهور أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين؛ فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب ومطعمه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك؟ .
ننظر في هذا الحديث أخبر بأن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا أي لا يقبل من الأعمال إلا طيبا، ولا يقبل من الكسب إلا طيبا، ولا يقبل من الصدقات ويثيب عليه إلا الكسب الطيب والمال الطيب، وأخبر بأن الله تعالى أمر المؤمنين بالطيبات: كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ معنى ذلك اقتصروا على الطيبات فكلوا منها ولا تأكلوا الخبائث.
وكذلك أمر المرسلين: كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا مع أن المرسلين إنما هم الذين يعلمون الأمة ما هو طيب وما ليس بطيب، فإذا كان كذلك فإن علينا أن نحرص على الكسب الطيب، ونبتعد عن الكسب الخبيث، وقد كثرت الأدلة على ذلك مثل قول الله تعالى: وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ فالطيبات هي ما أباحه الله تعالى من المكاسب، والخبائث ما فيه خبث حسي أو خبث معنوي، فالطيبات حلال والخبائث حرام.
وكذلك قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ فالطيبات هاهنا يعم ما كان طيبا من حيث مكسبه، وما كان طيبا من حيث مظهره.
وكذلك الخبائث ظاهرا والخبائث باطنا، كذلك ورد أن أن الله تعالى أنكر على اليهود في القرآن أنكر عليهم الأخذ من الحرام يقول الله تعالى: وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ فجعل هذا من العيوب التي يعابون بها، وذلك دليل على أنهم كفروا بذلك، أو ضلوا وفسقوا بذلك لما أخذوا الربا وتعاملوا به، وكذلك لما أكلوا أموال الناس بالباطل يعني أخذوها ظلما فكان هذا تحذيرا لهذه الأمة أن يفعلوا كفعلهم كما قال عمر رضي الله عنه: مضى القوم ولم يعن به سواكم أي: أن هذا تحذير لكم أن تفعلوا كفعلهم.
كذلك أيضا ورد أن الله تعالى عاب الذين يأكلون السحت فوصف اليهود بقوله: سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ السحت هو الحرام بأي نوع كان من أنواع الحرام، وهكذا قال تعالى: وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ السحت هو الحرام كل شيء من المحرم فإنه داخل في السحت فالذين يأكلون السحت داخلون في هذا الوعيد، أو داخلون في هذا الوصف.
نعود إلى الحديث الأول فنقول: إن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين أمرهم جميعا بأن يأكلوا من الطيبات، وأن يقتصروا عليها.