إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به)    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك.
الرد على ابن حزم
6746 مشاهدة
فساد الاعتبار

يقول الله جل وعلا: قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ .
تكلمنا بالأمس على قوله: قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ .
وقوله-جل وعلا- حكاية عن إبليس: قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ كأن الله لما سأل إبليس وهو عالم، لأنه -جل وعلا- أعلم بالموجب الذي بسببه امتنع إبليس من السجود قال له: مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ وهو أعلم، فأجاب إبليس عليه لعائن الله بما كان يضمره من الكبر، وكأنه اعترض على ربه، وواجه ربه جل وعلا بأن تكليفه إياه أمر لا ينبغي ولا يصلح فخطأ ربه جل وعلا، سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا.
وجعل ذلك ذريعة له ومبررا في زعمه الباطل لعدم السجود. قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ .
كيف تأمرني بأن أسجد لآدم وأنا أفضل من آدم ؟
والفاضل ليس من المعقول أن يؤمر بالسجود للمفضول فهذا تكليف ليس واقعا موقعه. هذا قول اللعين لعنه الله: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ .
خير تستعمل استعمالين، تستعمل اسما للخير الذي هو ضد الشر، وكثيرا ما تستعمل في المال كقوله: إِنْ تَرَكَ خَيْرًا أي مالا.
وتستعمل صيغة تفضيل، وهو المراد هنا.
فقوله: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ أصله أنا أخير منه، أي أكثر خيرا منه لفضل عنصري على عنصره، ولفظة خير وشر جعلتهما العرب صيغتي تفضيل، وحذفت همزتهمـا لكثرة الاستعمال كمـا قال ابن مالك في الكافية:
وغالبـا أغنـاهمـا خـير وشـر
عـن قولهـم أخـير منـه وأشـر
قال إبليس اللعين: أنا خير من آدم .
والذي هو الفاضل، والذي هو أكثر فضلا وخيرا لا ينبغي أن يهضم ويؤمر بالسجود لمن هو دونه، فهذا التكليف ليس واقعا موقعه؛ ولذا لا أمتثله فتكبر، وتجبر، وجعل تكليف ربه له واقعا موقع ... عليه لعائن الله، فباء بالخيبة والخسران، نعوذ بالله جل وعلا.
قال إبليس: أنا خير من آدم ثم بين سبب الخيرية فقال: خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ يعني أن عنصري أشرف من عنصره؛ لأن النار في زعمه أشرف من الطين؛ لأن النار مضيئة، نيرة، طبيعتها الارتفاع، خفيفة، غير كثيفة، وأن الطين .. كثيف، مظلم، ليس بمرتفع، هذا قوله في زعمه.
وزعم أن الفرع تابع لعنصره في الفضل، فقاس نفسه على عنصره الذي هو النار، وقاس آدم على عنصره الذي هو الطين، واستنتج من ذلك أنه خير من آدم ؛ لأن عنصره في زعمه خير من عنصره.
.. الذي هو اسْجُدُوا لِآدَمَ على إبليس لعنة الله.
وأول من قاس قياسا فاسدا ورد به نصوص الله وأوامره ونواهيه هو إبليس اللعين عليه لعائن الله، فكل من رد نصوص الشرع الواضحة بقياسات باطلة عنادا وتكبرا، فإمامه إبليس؛ لأنه أول من رد النصوص الصريحة بالمقاييس الكاذبة عليه لعنة الله.
وقياس إبليس هذا باطل من جهات عديدة.
الأول منها- أنه مخالف لنص أمر رب العالمين؛ لأن الله يقول: اسْجُدُوا لِآدَمَ وكل قياس خالف أمر الله الصريح فهو قياس باطل، باطل، باطل.
وقد تقرر في علم الأصول أن كل قياس خالف نصا من كتاب أو سنة فهو باطل، ويقدح فيه بالقادح المسمى فساد الاعتبار.
ومخالفة القياس للنص تسمى فساد الاعتبار، وتدل على بطلان القياس فهذا وجه من أوجه البطلان؛ لأنه مخالف للنص الصريح. ولا إلحاق، ولا قياس مع وجود النصوص الصريحة.
الثاني- أن إبليس كاذب في أن النار خير من الطين، بل الطين خير من النار؛ لأن طبيعة الطين الرزانة، والتؤدة، والإصلاح، والجمع، تودعه الحبة فيعطيكها سنبلة، وتودعه النواة فيعطيكها نخلة، وإذا نظرت إلى البساتين المغروسة في طين .. طيب وجدت ما فيها من أنواع الثمار الجنية، والروائح، والأزهار، والثمار عرفت قيمة الطين.
أما النار فطبيعتها الطيش، والخفة، والتفريق، والإفساد، وكلما وضعت شيئا فيها فرقته، وفسدته، وطبيعتها الطيش، والخفة، يطير الشرر من هنا فيحرق ما هناك، ثم يطير الشرر من هناك فيحرق ما وراءه، والذي طبيعته الطيش، والخفة، والإفساد، والتفريق لا يكون خيرا من الذي طبيعته التؤدة، والرزانة، والجمع، والإصلاح، تودعه الحبة فيعطيكها سنبلة، وتودعه النواة فيعطيكها نخلة، فالطين خير من النار بأضعاف؛ ولذا غلب على إبليس عنصره وهو الطيش، والخفة فقاس، وتمرد على ربه، وخسر الخسران الأبدي.
وغلب على آدم عنصره الطيني فلما وقع في الزلة رجع إلى السكينة، والتؤدة، والتواضع، والاستغفار لربه حتى غفر له.
الثالث- أنا لو سلمنا تسليما جذريا أن النار خير من الطين فشرف الأصل لا يدل على شرف الفرع فكم من أصل شريف، وفرعه وضيع. وكم من أصل وضيع وفرعه رفيع.
إذا افتخـرت بآبـاء لهـم شـرف
قل لا صدقت ولكن بئس ما ولـدوا
فكم من أصل رفيع، وفرعه وضيع.