إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه
شرح القواعد الأربعة
24767 مشاهدة
القاعدة الثانية: من الشرك طلب الشفاعة والزلفى إلى الله بما لم يشرعه

القاعدة الثانية: أنهم يقولون: ما دعوناهم وتوجَّهنا إليهم إلا لِطلب القربة والشفاعة.
فدليل القربة قوله تعالى: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ .
ودليل الشفاعة قوله تعالى: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ والشفاعة شفاعتان: شفاعة منفيِّة، وشفاعة مثبتة.
فالشفاعة المنفية: ما كانت تطلب من غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله.
والدليل قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ والشفاعة المثبتة: هي التي تطلب من الله، والشافع مكرم بالشفاعة، والمشفوع له من رضي الله قوله وعمله بعد الإذن، كما قال تعالى مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ


هذه القاعدة مكملة للقاعدة الأولى، يعني: أن المشركين يعترفون بأن الله تعالى هو الرب الخالق المالك المتصرف، ومع ذلك يعبدون هذه الأوثان، وهذه المعبودات: من أموات وجمادات وأشجار وأحجار، لماذا يعبدونها؟ يجعلونها وسائل ووسائط تقربهم إلى الله، وتشفع لهم، وهم يعترفون أن الله تعالى هو المتصرف، ولكن يقولون: لا بد أن نتخذ شفعاء يشفعون لنا عند الله، وينفعوننا، فلذلك جعلوها وسائط.
ومن جعل بينه وبين الله تعالى وسائط -يدعوهم ويزعمون أنهم ينفعونهم عند الله- فقد أشرك، وقد أشبه المشركين. وهذا ما يعتقده أيضا القبوريون، فإن عذرهم: الشفاعة، أو الوساطة، أو مثل ذلك، فالمشركون الأولون يقولون: نريد منهم القربى، ونريد منهم الشفاعة، هذا قصدهم.
ذكروا في دليل القربى في هذه الآية في سورة الزمر قول الله تعالى: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ أي يقولون: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى وهذه مقالة القبوريين، يعني يقولون: إننا نريد أن يقربونا إلى الله، ولكن المشركين الأولين يعرفون اللغة، ويعرفون مدلولاتها، فيعرفون أن فعلهم هذا ليس إلا تعبدًا وتذللًا، فلذلك قالوا: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى فسموا فعلهم وتذللهم عبادة، وأما القبوريون فإنهم تحاشوا أن يسموه عبادة؛ لأنهم يقرءون قوله: إِيَّاكَ نَعْبُدُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ فلذلك غيروا الاسم، وسموه توسلا وتوسطا واستشفاعا وما أشبه ذلك.
والأسماء لا تغير الحقائق؛ فإن العبرة بما في نفس الأمر، العبرة بالأفعال. عرفنا أن المشركين يعبدون آلهتهم، ويسمونها آلهة، لأن قلوبهم تألههم، والذين وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً يعني: سموها آلهة، وقالوا: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا لأنهم يألهونها.
وسموهم أولياء، يعني أنهم يتولونهم، اتخذوا من دون الله أولياء أي: يتولونهم أو ينصرونهم أو يدَّعُون أنهم لهم أولياء، ويعبدونهم، ويعترفون بأن فعلهم عبادة، ويقولون: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى نحن بعيدون، أبعدتنا ذنوبنا، وهؤلاء مقربون، فإذا عبدناهم قربونا إلى الله، وإذا سألناهم سألوا لنا الله.
فالزلفى هي: جمع زلفة، فزلفة الدرج، يعني: يصعدون بمنزلتهم: أي درجات، إلى أن يقربونا إلى الله، ويقربونا إلى رضاه. هذه شبهتم، كذلك القبوريون.
وأما الشفاعة، فالشفاعة دليلها ما ذكر في هذه الآية في سورة يونس قول الله تعالى: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ يصرحون بأنهم شفعاء، يشفعون لهم عند الله. والشفيع هو: الواسطة، وسمي شفيعا لأنه إذا انضم إلى المشفوع له أصبح شفعا، يقولون: أنا واحد، أنا فرد، أنا وِتْر، أريد أن ينضم إلي هذا الولي، أو هذا النبي، وإذا انضم إلي صرنا شَفْعًا، يشفعني. الفرد، الوتر هو: الواحد، والاثنان: شفع، لقوله تعالى: وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ يعني: أنه إذا انضم إليَّ صيرني شفعا، فأتقوى به فيشفع لي، فيتوسط لي عند الله، أنا أدعوه وهو يدعو الله لي، فجعلوا هذا شفيعا. يقولون: هؤلاء شفعاؤنا عند الله، يشفعون لنا حتى يرزقنا، وحتى يوسع علينا، وحتى ينصرنا على أعدائنا، يحصل لنا بشفاعتهم مصالح وخيرات؛ فسموهم شفعاء. وهكذا أيضا ذكر الله عن مؤمن ياسين أنه قال: أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا أي: لا تنفعني شفاعتهم. فدل على أن من مقاصد المشركين الشفاعة، يدَّعُون أن هذه الأوثان التي يعبدونها تشفع لهم عند الله.