إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر.
شرح كتاب مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد
25357 مشاهدة
عدم الاعتبار بكثرة أهل الباطل ووجوب الاعتصام بالحق

فتأمل هذا تأملا جيدا لعلك أن تسلم من هذه الهوة الكبيرة التي هلك فيها أكثر الناس، وهي الإقتداء بالكثرة والسواد الأكبر، والنفرة من الأقل.


في زمنه يقولون: كيف تكون أنت وفرقتك وأهل بلدك -تكونون أهل النجاة، وأهل البلاد الأخرى شرقا وغربا تتدعي أنهم أهل هلاك وأنهم مشركون؟
لا عبرة بكثرة أهل الباطل، يقول ابن القيم
لا عبرة بمـخالف لــهم ولـو
كانوا عديد الشاء والبعران
ولأن الله تعالى أخبر بأن الأكثرين هم الهالكون في قوله تعالى: وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ وفي الدار الآخرة يقول الله لآدم أخرج من أمتك بعثا إلى النار، فيقول: من كم؟ فيقول: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون، وواحد في الجنة لذلك يقول ابن القيم
يا سلعة الرحمن لست رخيصـة
بــل أنت غالية على الكسلان
يـا سلعة الرحمن ليس ينالها
فـي الألف إلا واحد لا اثنان
فإذا كان كذلك؛ فلا يغتر بالكثرة بكثرة الهالكين، ولا ينفر من الأقل.
فما أقل من سلم منها ما أقلهم.
ما أقل السالم؛ الله تعالى يقول: وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ صدق عليهم إبليس ظنه؛ لأنه قال: لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا لأحتنكنهم؛ يعني يقرمهم بلسانه وتحت حنكه يعني: يهلكهم.
ثم يقول: ولنختم ذلك بالحديث الصحيح الذي أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الإيمان عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته، ويقتدون بأمره .
الحواريون وهم خواصه كالحواريين مع عيسى وكقوله صلى الله عليه وسلم: لكل نبي حواري وحواري الزبير يعني أنه من جملتهم.
وأصحاب يأخذون بسنته؛ يعني يتمسكون بها ويقتدون بأمرها، ويهتدون بهديه ويستنون بسنته، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف كما في قول الله تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ يعني جاء من بعدهم قوم بعد أولئك المتمسكين: يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ .
يقولون ما لا يفعلون وهذه مصيبة يقولون ما لا يفعلون؛ يدلون الناس بالقول ولكنهم يخالفون، والناس يقتدون بأفعالهم أكثر مما يقتدون بأقوالهم؛ يعظون الناس ولكنهم لا يمتثلون. يقول بعض الشعراء:
مــواعظ الواعظ لن تقبلا
حــتى يعيها قـلبـه أولا
يا قوم من أظلم من واعظ
خالف ما قد قاله في الملا
أظـهر بين الناس إحسانا
وخالف الرحمن لما خلا
لا شك أن هذا واقع كثيرا، وعقوبة من يفعل ذلك أشد العقوبة.
تذكرون حديث أسامة بن زيد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه، فيدور فيها كما يدور الحمار بالرحى؛ فيجتمع عليه أهل النار فيقولون: يا فلان، ما لك؟ ألم تكن تأمر فينا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ فيقول: بلى قد كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه نعوذ بالله!
يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون يفعلون ما لا يأمرهم به الشرع. فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل .
جهادهم؛ يعني يدخل فيه قتالهم باليد أو إزالة منكرهم باليد، كما في حديث أبي سعيد الذي عند مسلم من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فيغير عليهم تغييرا ظاهرا باليد، ومن عجز عن ذلك انتقل إلى اللسان؛ فيكون قد برئ منهم وتبرأ منهم، ومن خاف ضررا إذا جاهدهم بلسانه جاهدهم بقلبه وذلك بأن ينكرهم وينكر عليهم بقلبه، ويتبرأ منهم ويبتعد عنهم، ويبغضهم ويقول: اللهم إنه منكر وإنا له منكرون، فمن لم يكن كذلك؛ بأن جالسهم ووانسهم وحادثهم ومازحهم وأقرهم على ذلك ومدحهم؛ فليس بمؤمن، وليس في قلبه من الإيمان مثقال حبة من خردل. نعوذ بالله.