إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية.
محاضرة في حقيقة الالتزام
5057 مشاهدة
الحذر من دعاة البدع

الدعاة إلى البدع, وإلى الضلالات، والتي قد يسمونها سننا في نظرهم، ويضيفونها إلى الشريعة، وشريعة الله تعالى كاملة، وموضوع البدع، وتفنيد شبهات أهلها, وضرب الأمثلة عليها, موضوع طويل، ولا شك أنكم قد قرأتم جانبا منه كثيرا، أو قرأتم في الكتب التي صنفت في البدع, والرد على المبتدعة، فهذا الأمر مهم، وهو: التمسك بالسنة, وترك البدع، كذلك ترك المعاصي وقد يكون أهم؛ وما ذاك إلا لكثرة المعاصي، ولكثرة الدعاة إلى المعاصي، والذين يزينون للناس, أنها أصبحت -تلك المعاصي- من الضروريات, أو أنها من مسايرة الزمان، أو أن أهل هذا الزمان بحاجة إليها, لا يستغنون عنها، أو ما أشبه ذلك.
فالذين يتوسعون في الدعوة مثلا إلى سماع الأغاني، ويقولون: إنها تنشط الجسد, وإنها تنمي الفكر، وإنها تقوي الذكاء، وإنها.. وإنها.. أو إنها تسلية للإنسان, وإنها قضاء للوقت وإنها.. وإنها.. يضربون صفحا عن مضارها، وعن الأسباب التي توقع فيها، ويضربون صفحا عن النصوص التي تدل على حرمتها، لا شك أن هؤلاء من دعاة الضلال؛ فالملتزم يبتعد عن هذه الملاهي، عن سماع هذه الأغنيات ونحوها.
كذلك النظر إلى الأفلام الخليعة؛ لا شك أيضا أنه يقدح في الالتزام؛ فالذين يحبذون النظر إليها, ويقولون: فَرِّجْ عن نفسك يا أخي، إنك بحاجة إلى أن تفكه عينيك, وتسلي قلبك، انظر إلى هذا الجمال، انظر إلى هذه الصور الممتعة، متع نفسك, وهكذا؛ فيثيرون مثل هذه الشبهات، ولا يذكرون شيئا من الأسباب التي توقع فيها، أليست تزرع الفتن في القلوب؟ أليست تدفع إلى المعاصي؟ أليست توقع في الزنا وفي مقدماته؟ أليست تجرئ النساء على التكشف، وعلى السفور، وعلى الاختلاط بالرجال؟ أليست وسيلة إلى فعل الجرائم الشنيعة المحرمة؟ كل هذا لا يذكرونه.
إذًا فابتعادك عن مثل هذا هو حقيقة من حقائق التزامك، وضرورة من ضروريات استقامتك.
وهكذا أيضا إذا دعاك من يدعوك إلى تناول المشروبات، المشروبات المحرمة مثل: تناول المسكرات, أو المخدرات، أو ما أشبهها، وزعموا أنه لا ضرر فيها, أو أنها أشربة طيبة, وأنها.. وأنها.. لا شك أن مثل هؤلاء -أيضا- من دعاة الضلال, فالملتزم يبتعد عنهم.
نقول: إن الملتزم هو الذي يبتعد عن البدع, وعن المعاصي والمحرمات وعن الملاهي، والملاهي: كل المجالس التي ليس فيها إلا اللغو والباطل والكلام الذي لا فائدة فيه.
فمثلا: الكلام الذي تعمر به المجالس، ليس فيه إلا قيل وقال, وما أشبه ذلك، هذا من اللغو, الله تعالى قد مدح المؤمنين, وجعل من صفاتهم البعد عنه: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ الصفة الثانية بعد الصلاة: وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ والأدلة واضحة وكثيرة، فتجنبك لهذه المجالس, أو تجنبك لهذا اللغو من حقيقة التزامك.