إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف logo إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية.
shape
الحج منافعه وآثاره
14801 مشاهدة print word pdf
line-top
ثانيا: منافع الإحرام

عندما يقبل المسلم إلى المواقيت التي حددها النبي -صلى الله عليه وسلم- المحيطة بالحرم يعرف أنه قرب من هذا المكان الذي أمر الله تعالى بالتوجه إليه في قوله تعالى: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ فإذا أتى وقرب من هذه الأماكن المقدسة استعد لذلك, فأولُ عمل يقوم به هو أن يتجرد من ثيابه المعتادة, ويلبس ثيابا خاصة.
ما هي المنفعة من هذا اللباس الذي يشبه لباس الموتى؟!
من هذه المنافع أنه يتذكر الانتقال من الدنيا! وأنه هكذا يخرج منها. فيخاطب نفسه قائلا : فأنا الآن قد خلعت زينتي, وخلعت لباسي, وجميع ما كنت أتجمل به, وارتديت رداء ألقيته على ظهري, وإزارا سترت به عورتي, فهذا يذكّرني بالحال الأخروية, ويذكّرني بالدار الآخرة, ويذكّرني بالانتقال من الدنيا.
ومن المنافع اتفاق الحجاج كلهم على هذا اللباس, لا فرق بين غنيّهم وفقيرهم! وبين أسودهم وأحمرهم وأبيضهم! وبين صغيرهم وكبيرهم! كل الرجال على حال واحد! لا شك أن ذلك يفيد أن الناس كلهم على حدٍّ سواء, مستوون عند الله سبحانه وتعالى, بمعنى أنهم في الحق سواء, وأنهم في العبودية سواء.
عند ذلك يشعر الغني أنه مساوٍ لغيره, لا فرق بينه وبين الفقراء, فيحمله ذلك على أن يتعاطف معهم, ويحسن إليهم, ويواسيهم, ويعلم أنه وإياهم أخوة, وأنهم متساوون في حق الله تعالى وفي حق عبادته.
ويحمله ذلك أيضا على أن يتواضع لله ولا يتكبر, ولا يغترَّ بنفسه إذا علم بأن جميع المسلمين على حد سواء في هذه الحال, فيزول ما بين المسلمين من البغضاء.
وَصَفَتِ المودة في قلوبهم واجتمعت كلمتهم, فتآلفوا وتعارفوا وتقاربوا في ذات الله سبحانه وتعالى, فكان ذلك سببا لتعاونهم التعاون المطلوب؛ الذي هو التعاون على البر والتقوى, والتعاون على تنفيذ حقوق الله, وحدود الله, والتعاون على جبر الضعفاء, وعلى جبر المنكسرين ونحو ذلك. تشاهدهم يوم عرفة على هيئة واحدة, كاشفين رءوسهم, مرتدين هذه الأردية, مؤتزرين بهذه الأزر, كلهم على حد سواء, فتقول :
أين الأمير من المأمور؟!
أين الغني من الفقير؟!
أين الكبير من الصغير؟!
لا فرق بينهم.. كلهم على حال واحدة متساوون.
لا شك أن لهذه الحكمة منافع عظيمة, وهي أنهم يتحابون في ذات الله, ويتقاربون, ولا يحتقر بعضهم بعضا, ولا يزدري بعضهم بعضا, ولا يتكبر بعضهم على بعض, بل يكونون جميعا متآلفين ومتحابين في ذات الله سبحانه وتعالى, ولو كان بعضهم أغنى, أو أرفع رتبة, أو أشرف أو أسن, فالفرق بينهم إنما هو بالتقوى : إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ .

line-bottom