إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه
الحج منافعه وآثاره
10183 مشاهدة
المقدمة

إن الحمد لله نحمده ونستغفره ونستعينه، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة حق نلقى الله تعالى بها.
ونشهد أنه هو إلهنا وربنا وخالقنا، وأنه تعبّدنا وفرض علينا أن نعبده، ونحمده ونشكره، ونذكره ونعترف له بالفضل والامتنان، ونسأله سبحانه أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.
ونصلي ونسلم على عبده ورسوله محمد بن عبد الله الذي أرسله الله بالهدى ودين الحق؛ ليظهره على الدين كله، ونشهد أنه بلّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وبيّن للأمة ما تحتاج إليه، فبين لهم أحكام عباداتهم، وبلغ ما أرسل به، واستشهد أصحابه رضي الله عنهم في حجة الوداع بقوله: ألا هل بلغت فقالوا: نشهد أنك بلغت وأديت ونصحت .
فشهدوا له بالبيان والبلاغ والنصح، فصلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه واتبع طريقه.
أما بعد أيها الأخوة... وأيها الشباب:
إننا جميعا نرجو -إن شاء الله- أن نكون من المتحابين في الله، والمتزاورين في الله، والمتجالسين والمتعارفين في الله، الذين يغبطهم أولياء الله على ما بينهم من المحبة والمودة، التي لم يكن الباعث لها مجرد المعرفة أو الصلة أو الصداقة، ولكن الباعث لها هو المحبة في الله والمحبة لله.
المحبة التي حمل عليها دين الإسلام، الذي هو عبادة الله وحده، فنحب الله تعالى، ونحب كل من يحب الله، ونحب أهل طاعته سبحانه وتعالى.
وإن هذه المحبة في ذات الله تقتضي النصيحة والبيان، والإرشاد والتوجيه، فكل من أحب أخاه، نصحه ووجهه، ودله على طرق الخير، ولا شك أن من جملة ذلك أمور العبادة التي نحن متعبّدون بها.
ولعل من أهمها وأجلها أداء مناسك حج بيت الله الحرام، وبمناسبة أننا في أشهر الحج، التي ذكرها الله في قوله: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ وقد بين العلماء هذه الأشهر فقالوا بأنها شهران وعشرة أيام، وهذه الأشهر هي التي يشرع للحاج الإحرام والحج فيها.
ومن المناسب أن نذكر شيئا من منافع هذا الحج، ومن منافع هذه المناسك التي يُحْرِم بها المسلمون، ويتقربون بها إلى الله، والتي بينها نبينا -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع، وقال: خذوا عني مناسككم .
ولا شك أن هذا الحج الذي هو عبارة عن الإحرام والطواف والسعي وما يتصل به، هو أعمال بدنية، وأعمال قولية، وأعمال مالية.
وهذه الأعمال ونحوها ما شرعت إلا لعبادة الله، وما شرعت إلا للتزود من معرفة الله سبحانه وتعالى، وما شرعت أيضا إلا لمنافع عظيمة تفوق العد والحساب؛ ولأجل ذلك ذكر العلماء أن فيها منافع، واستدلوا بقول الله تعالى: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ .
وقد بحث العلماء عن هذه المنافع فقالوا: لا بد أن تكون هناك منافع متعددة.
ولا شك أن أعظم المنافع كون العبد يتقرب إلى الله تعالى بهذه القربة وبهذا المنسك، ويطلب من الله تعالى الثواب والأجر، ويطلب منه أن يضاعف له أجره على ما يتجشم من مشقة وتعب ونصب، فذلك منفعة عظيمة؛ حيث أنه يترتب على ذلك ثواب عظيم.
وقد عدّد العلماء للحج منافع عدة: بدنية، ومالية، وثقافية، واجتماعية، وعلمية، ولا بد أن تجتمع هذه المنافع كلها في هذه المناسك، ولا بد أن يشعر بها من كان حقا من أهل المعرفة ومن أهل التأثر.
ولأهمية معرفة منافع الحج، والحكمة التي شرع من أجلها، فإننا نحب أن نذكر شيئا من هذه المنافع، علَّ الله أن ينفع بها.
نسأل الله أن يكتبها في ميزان أعمالنا إنه سميع مجيب، ونسأله تعالى أن يزيدنا من معرفته، ومعرفة أحكام عبادته، إنه هو السميع العليم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.