الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه
جمل رفيعة حول كمال الشريعة
11207 مشاهدة
الشريعة تعرضت لإيضاح الأمور العادية

كما أن الشريعة لم تتوقف على تبيين العبادات والقربات كما قد يظن ذلك الكثير من الناس؛ بل تعرضت لإيضاح الأمور العادية، وأوضحت الصفة الكاملة لاستعمالها، ففي باب الأكل تعرض الشرع لبيان الهيئة المحمودة في ذلك؛ فنهى عن الاتكاء حال الأكل كفعل من يريد الامتلاء من الطعام، وشرع الأكل باليمين تفاؤلا باليمن والبركة، وبالغ في النهي عن الأكل بالشمال تشبهًا بالشيطان وأعوانه، كما جاء بالأكل بثلاثة أصابع إلا لضرورة، فإن الأكل باليد كلها قد يوجب ترادف الطعام على مجراه، فربما أفسده وسبب الموت فجأة، وذلك من باب رعاية نعم الله وإحسان جوارها، وهكذا شرع أن يأكل كل فرد مما يليه، ونهى عن الأكل من وسط الصحفة، وعلل ذلك بأن البركة تنزل وسط الطعام، كما أمر بالاجتماع على الطعام، وذكر اسم الله عليه، وحمده بعد الشبع، ونحو ذلك مما فيه تذكير بعظيم منة الله في تيسيره لأسباب ذلك، ومما يسبب مع الصدق حلول البركة فيه حالا ومآلا.
وهكذا جاء بآداب الشُّرب المتضمنة لجمِّ فوائده والمستحسنة عقلا وشرعا، فنهى عن التنفس في الشراب والنفخ في الطعام، كراهة أن يصحبه شيء من الريق فيقذره على غيره، وأمر بالتنفس ثلاثا خارج الإناء، وبمص الشرب دون الْعَبِّ بقوة؛ وعلل ذلك بأنه أهنأ وأبرأ.
وتعرض للأواني التي لا يباح استعمالها في الأكل والشرب، كآنية الذهب والفضة وتوعد متعاطيها أشد الوعيد؛ لما فيها من الفخر والخيلاء والإسراف، وكسر قلوب الفقراء.
وهكذا شرع للأمة آداب التخلي وإن كانت مما يحتشم من ذكره، ومن الأشياء التي تلزم الإنسان بحكم العادة، ولكن لها آداب وأحكام تدخل بها في عموم الشريعة الإسلامية.
وكذا آداب اللبس والخلع، فجاء باستحباب لبس البياض من الثياب، وأباح غيرها إلا ما استثنى، وأحب لباس القُمُص، ولبس غيره من الأُزُر والأردية والسراويلات ونحوها، ونهى عن الخيلاء والإسبال في الثياب وبالغ في الوعيد على أهل الخيلاء والترفع على الناس، وأحب أن يرى الله آثار نعمته على عبده في اللباس ونحوه، ونهى عن المشي في نعل واحدة، وحث على التيامن في لباس الثوب والنعل ونحو ذلك، وحرم أنواعا من اللباس على الرجال كالحرير والذهب؛ لما فيها من الإسراف والتبذير، وتعجل الطيبات في الدنيا.
وكذلك تدخل الشرع في آداب النوم والجلوس والمشي والسفر، وفصل أحكام ذلك، وأدخل الجميع في جملة الشريعة الإسلامية.