شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة logo اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر.
shape
كلمة لمدرسي تحفيظ القرآن
3521 مشاهدة print word pdf
line-top
مظاهر المحبة في الله تعالى

ومن ثواب ذلك أو من علامته: أن يجد لهذه المحبة حلاوة في قلبه. في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه، كما يكره أن يقذف في النار .
أن يحب المرء لا يحبه إلا لله؛ أي لأجل صلاحه، يحبه لأنه من عباد الله الصالحين، يحبه لأنه يحب الله، ولأن الله يحبهم فيحب كل من يحبهم الله، ومحب المحبوب محبوب، كما هو مشاهد من أحب شخصا أحب كل من يحبه.
ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: من أحب في الله، وأبغض في الله، ووالى في الله، وعادى في الله فإنما تنال ولاية الله بذلك، ولن يجد عبد طعم الإيمان -وإن كثرت صلاته وصومه- حتى يكون كذلك، ثم يقول: وقد صارت عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا، وذلك لا يجدي على أهله شيئا.
فهكذا في عهد ابن عباس رضي الله عنهما -أنكر على أهل زمانه أنهم يتحابون لمصالح دنيوية، إذا سألت إنسان من تحب من الناس؟ يقول: أحب فلان؛ لأنه أعطاني، وفلانا لأنه أقرضني، وفلانا لأنه شفع لي، وفلانا لأنه وسع لي، أو كفلني، أو أكرمني، أو أعطاني، أو ما أشبه ذلك.
ثم تراه يبغض آخرين. لماذا تبغض فلان؟ لأنه حرمني من كذا؛ طلبته قرضا أو سلفة فلم يعطني، أو طلبته شفاعة فلم يشفع أو ما أشبه ذلك.
هل تنتقد عليه أمرا في دينه؟ فيقول: لا. هل هو يشهد الزور؟ هل هو يقول بالكذب؟ هل هو يغش في المعاملة؟ يقول: لا. هل هو يأكل الحرام؟
إنما فقط يبغضه؛ لأنه لم يعطه أو لأنه لم ينفعه، مع أنه قد يكون له عذر في عمله هذا أو في فعله. لا شك أن هذه هي التي يقول ابن عباس مؤاخاة الناس على أمور الدنيا، وهذا بلا شك ‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌ما ينفعهم، لا يجدي على أهله شيئا. أي: لا يفيدهم.
إنما الذي يبقى أثره هو المحبة لله تعالى، وأما المحبة لأجل المصالح الدنيوية فإنها تضمحل؛ ولذلك يخبر الله تعالى في الآخرة بأن بعضهم يتبرأ من بعض، كما في قول الله تعالى: إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ كانوا في الدنيا يتناصرون ولكن على أمور دنيوية، أو على معاص ومحرمات أو ما أشبه ذلك، فكانوا متحابين ومتوالين على أمور الدنيا، فإذا جاء يوم القيامة؛ فكل منهم يتبرأ من الآخر، ويتمنى أنه ما صحبه.
قال الله تعالى: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ الأخلاء ؛ يعني: الأصدقاء الذين كانوا صداقتهم في الدنيا على أمور دنيوية، أو على معاص ومحرمات.
بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ كل منهم يتمنى فراق الآخر إذا اجتمعوا في النار -والعياذ بالله- يقول الله تعالى: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ ؛ يعني يصرفونهم عن الحق بعد إذ جاءهم عن الصراط المستقيم، عن الهدى.
ثم إنهم في يوم القيامة يتبرأ بعضهم من بعض؛ ولذلك قال تعالى: حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قرأها بعضهم: (جاآنا) يعني هذان القرينان، قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ ؛ أي بئس الصديق وبئس المحب؛ حيث إن محبتك أوبقتنا؛ أوقعتنا في الذنوب، أوقعتنا في ترك الصلوات، أوقعتنا في شرب المسكرات، أوقعتنا في سماع الأغاني المحرمة، أوقعتنا في ترك العبادات، وفي البخل بالواجبات: فَبِئْسَ الْقَرِينُ وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ ما ينفعهم كونهم يشتركون في العذاب، ولا يخفف ذلك عنهم.
وأما إذا كانوا من أهل الخير فإن صداقتهم تبقى، وكذلك محبتهم في الدنيا، وكذلك محبتهم في الآخرة، فهم أصدقاء متحابون متوادون ولو كانت ديارهم متفرقة، ولو كان بينهم مئات، أو ألوف الأميال؛ فإن القلوب مجتمعة.
أما إذا كانوا؛ مودتهم على المحرمات ونحوها؛ فإنهم يتفرقون في الآخرة، ويسب بعضهم بعضا، كما في قول الله تعالى: ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا .
ويقول الله تعالى: الْأَخِلَّاءُ ؛ يعني الأصدقاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ المتقون تبقى محبتهم، وتبقى مودتهم، ويبقون متصادقين في الآخرة، وكذلك يجتمعون في دار كرامة الله عز وجل، ولو كانوا متباعدين في البلاد، ومتباعدين في الأنساب، يجتمعون، ويفرح بعضهم بلقاء بعض، ويكون ذلك من جملة الثواب، الْأَخِلَّاءُ يعني الأصدقاء والأحباب: بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ .
أما الذين محبتهم على أمر الدنيا فإنها تضمحل هذه المودة وتتغير عندما تتغير أسبابها، فتجد اثنين، أو جماعة متصاحبين متصادقين كأنهم إخوة، ثم يأتي عليك وقت قصير، وإذا بعضهم يسب الآخر، ويتمنى أنه لا يجالسه، وتقع بينهم الهجران والسباب، فتسأله: ألست كنت صديقا لفلان؟ كنت أعرفكم، وأنتم كالإخوة متحابين تجالسون، وتسافرون جميعا، ويزور بعضكم بعضا، ويحب بعضكم بعضا، ويعطي أحدكم صاحبه ما طلبه، كيف تغيرت هذه المحبة؟ وكيف تغيرت هذه الصداقة في وقت قصير؟
هل أبغضته لأنه أحدث في العقيدة -بمعنى أنه اعتقد عقيدة سيئة: ابتدع أو عصى الله أو كفر أو أساء في حق الله عز وجل-؟
فيقول: حاشا لا أتهمه، هو مستقيم في دينه يصلي، ويصوم، ويزكي، ويذكر الله، فيقرأ القرآن، ولا يركب شيئا من المحرمات، ولا أتهمه بسوء: لا بفاحشة، ولا بزنا، ولا بخمر، ولا برشوة، ولا بربا، ولا. لماذا هجرته؟ لماذا أبغضته؟
فيقول: إنه هو الذي هجرني، دعوته فلم يجبني، أو أولم ولم يدعني، أو اقترضت منه فلم يعطني، أو ما أشبه ذلك من الأمور الدنيوية.
هذا دليل على أن المحبة ليست محبة دينية. المحبة التي هي محبة الله، ومحبة من يحبهم الله لا تتغير بأمور الدنيا، بل هي راسخة في القلوب، ممتلئة بها القلوب، لا تغيرها الأمور الدنيوية، وهذه هي التي يتصف بها العباد الصالحون الذين لا يغيرهم شيء من الأمور التافهة الدنيوية.
أما المؤمن الحق فإنه يختار الصالحين فيصالحهم، ويصادقهم، يجالسهم؛ لأنهم صالحون؛ فيحبهم لأن الله تعالى يحبهم، يحبهم لأنهم من العُبَّادِ الذين يعبدون ربهم ويخشعون له ويخضعون، يحبهم لأنهم يتقربون إلى الله بالقربات والعبادات التي يحبها الله، يتقربون إليه بالأعمال الصالحة، يحبهم لأنهم يقرءون كلام الله ويتدبرونه، لأنهم يكثرون من ذكر الله، ويدعون الله، يحبهم لأنهم يفعلون الخير يتصدقون، ويصومون، ويحجون، ويعتمرون ابتغاء وجه الله، يحبهم لأنهم متنزهون عن الآثام، وعن أنواع الإجرام، وعن اقتراف شيء من المحرمات، يحبهم وإذا أحبهم حرص على أن يكونوا جلساءه، وأن يكونوا جميعا مؤانسين له مقترنين به.
ويبغض من يبغضهم الله تعالى، ويبتعد عنهم ولو كانوا أقارب له، ولو كانوا من أسرته، ولو كانوا من قبيلته، أو من بلدته، فيبغض كل من يبغضهم الله، ويحب كل من يحبهم الله؛ محبة وبغضا لله تعالى، وهذا هو أوثق عرى الإيمان؛ كما ورد في حديث: أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله يعني أقوى عرى الإيمان.
ولما ذم النبي صلى الله عليه وسلم أهل المصالح الدنيوية سماهم عبيدا لدنياهم في قوله: تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة لماذا كان عبدا له؟ لأنه يحب لأجل الدينار، ويبغض لأجل الدينار، ويوالي لأجل الدينار، ويعادي لأجل الدينار، ويعطي لأجله، ويمنع لأجله؛ المعنى أنه كأنه عابد لهذه الدنيا، عابد لأهلها، كأنه عابد للمال؛ يبغض من حرمه، ويحب من أعطاه، لا لصلاح ولا غير ذلك.
وإذا كان كذلك فإن على المسلم أن يحرص على أن يكون أصدقاؤه من عباد الله الصالحين، أن يكون أصدقاؤه وجلساؤه وأحبابه وأولياؤه -هم أولياء الله الذين يحبهم الله؛ ويحبهم لمحبة الله. الذين أصلحوا أعمالهم، وصدقوا في ذلك فهم جلساؤه وأنساؤه وأولياؤه، ويبتعد عن أضدادهم ممن ليسوا كذلك، كما ورد في السنة الترغيب في مؤاخاة، ومجالسة الصالحين من عباد الله.
ذكر أن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: أبعد عنا هؤلاء العبيد، لا ترانا العرب ونحن نجالسهم. يريدون المؤمنين من المماليك؛ لأنهم ضعفاء كبلال وصهيب وخباب وعمار ؛ يعني ضعفاء من المماليك، أسلموا وكانوا يجالسون النبي صلى الله عليه وسلم، فقال المشركون: لا نجالسك وهم معك، أبعدهم عنا.
فكأنه طمع أن يؤمن أشراف الكفار ووجهاؤهم، فأراد أن يبعد هؤلاء الضعفاء؛ فعند ذلك أنكر الله عليه قال تعالى: وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ ؛ أي لا تطرد هؤلاء المساكين، ولو كانوا فقراء، ولو كانوا مماليك في الأصل، بل عليك أن تجالسهم، وأن تبقى معهم.
وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ يعني مؤمنين، يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ أول النهار وآخره، يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ مع أنه هم بطردهم طمعا في أن يؤمن به أولئك الأكابر، وأولئك السادة والقادة، ولكن علم الله تعالى أن هؤلاء هم الذين يصدق عليهم أنهم أولياؤه وأنهم أحبابه؛ فأمره بأن يبقى معهم.
وأنزل عليه أيضا قول الله تعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ؛ أي احبس نفسك، وابق مع هؤلاء ولو كانوا من المساكين، ابق معهم: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ؛ أي: لا ترفع نظرك إلى غيرهم تريد زينة الحياة الدنيا؛ فإن الله تعالى يرزقك ويغنيك من فضله.
ولا تطمع فيمن هم من أهل الدنيا، ومن أهل المصالح الدنيوية، الذين همهم الدنيا، وليس همهم الآخرة: وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا .
فهكذا أمر الله تعالى نبيه بأن يكون جلساؤه وأحبابه هم الصالحين، ولو كانوا من الفقراء؛ فكل من كان من الصالحين ومن الأخيار، ومن عباد الله الذين مجالسهم مجالس ذكر، ومجالس علم، ومجالس إيمان، والذين لا يخوضون في مجالسهم في غيبة ولا نميمة ولا سب، ولا قذف وعيب وهجاء، ولا كلام سيئ، ولا غناء وخمر وزمر، ولا شيء من المحرمات، ينزهون مجالسهم عن مثل هذه المحرمات، إنما هي مجالس علم؛ قال الله، وقال رسوله، وحكم كذا وبيان كذا وكذا، أو كلاما مباحا لا يضر، ولا يقدح في دين، ولا في عدالة، أو نحو ذلك.
فهذه هي مجالس أولياء الله الصالحين؛ ولذلك نهى الله تعالى نبيه، ونهى أيضا الصالحين من الأمة عن مجالسة الفاسقين، فقال تعالى: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ إذا مررت بمجلس أهله يخوضون في ذلك المجلس في آيات الله، ويستهزئون بها فيسخرون من الصالحين؛ يسخرون من عباد الله الصالحين ويتنقصونهم؛ فإياك أن تجلس معهم، أو إياك أن تغبطهم في مجالسهم.
وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ ؛ إذا نسيت مثلا وجلست معهم، ثم تذكرت فقم: فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ أي بعدما تذكر قم ولا تقعد بعد الذكرى معهم.
ويقول في آية أخرى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ ؛ يعني إذا جلستم معهم وهم يستهزئون بآيات الله، ويتمسخرون من الصالحين.
فيصفون أهل الخير بأنهم رجعيون، وبأنهم ضعفاء المعرفة، وبأنهم أهل بلادة وأهل تفاهة، ويحتقرون الخير، ويحتقرون أهله، ويسخرون من أولياء الله، فيسخرون من عباده الصالحين؛ فلا تقعد معهم، فإذا جلست معهم فأنت شريك لهم في هذه المجالسة، وفي هذه الكلمات: إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ .
وإنما على المسلم أن يكون جلساؤه وأصحابه هم أهل الخير من كانوا، وأينما كانوا، يحرص على صحبتهم وعلى مجالستهم ومصادقتهم، كما ورد في الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم: مثل الجليس الصالح والجليس السوء: كحامل المسك ونافخ الكير. فحامل المسك: إما أن يحذيك، وإما أن يعطيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه رائحة طيبة،. ونافخ الكير: إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه رائحة خبيثة مثل واقعي؛ وذلك لأن الجليس الصالح ينصحك، ويرشدك، ويدلك على الخير، ويبينه لك، ويساعدك عليه، ويحذرك عن الكسل، وعن التثاقل عن الصلوات، وعن التثاقل عن العبادة، ويحثك على كثرة الأعمال الصالحة: على الذكر، وعلى القراءة، وعلى الدعاء، وعلى النفقة فيما يحبه الله، وعلى مواصلة العبادة، وينهاك عما يقدح في عقيدتك، وما يقدح في ديانتك.
وأما الجليس السوء فإنه بضد ذلك؛ يكسلك عن الطاعة، يكسلك عن الخير، يكسلك ويثبطك عن فعل الخيرات وعن فعل الواجبات، ويثقل عليك أمور الطاعة وأمور العبادة.
وكذلك أيضا يزين لك المعاصي؛ فيحبب إليك شيئا من المحرمات، يتكلم معك وأنت تتكلم معه أو تجاريه في كلامه السيئ في سخرية أو استهزاء، أو تنقص لأهل الخير أو عيب أو سلب، أو ما أشبه ذلك؛ ولأجل ذلك ورد الحث على اختيار الأصدقاء والجلساء الصالحين.
ورد الحديث المشهور قول النبي صلى الله عليه وسلم : لا تصحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي ؛ احرص على أن يكون أصحابك من أهل الإيمان وأهل الخير.
وكذلك قال صلى الله عليه وسلم: المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل ؛ يعني خليله يعني صديقه، فإن كان خليله وصديقه رجلا صالحا فإنه يقاس به؛ ولذلك قال بعضهم:
فـــلا تصحـب أخ الجهــل
وإيـــــاك وإيــــــــاه
فكــم مــن جاهـــل أردى
حليمـــا حــين آخـــــاه
يقـــاس المــرء بالمــرء
إذا مــا المــرء مـاشــــاه
وللشـيء علـــى الشــيء
مقـــــاييس وأشــــــباه
وللقـلــب علــى القلــب
دليـــل حـــين يلقـــــاه
ويقول ابن عبد القوي
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه
فكــل قـرين بالمقـارن يقتـدي
القرين: هو الجليس. لا تصحب إلا أهل الخير؛ أي الأخيار الذين يساعدونك ويعينونك:
وصـاحب إذا صاحبت كل مـوفق
ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي
فهكذا تكون الموالاة والمحبة من الله وفي الله، ينبغي أن نكون محبين لأهل الخير، وموالين لهم، ومبغضين للأشرار، وأن تكون محبتنا لله وفي الله؛ حتى نكون من أحباب الله.

line-bottom