إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. logo القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به)
shape
مسائل الجاهلية
6176 مشاهدة print word pdf
line-top
حمية الجاهلية

الموضع الرابع- أو المسألة الرابعة- قول الله تعالى: إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ هذا أيضًا من مسائل الجاهلية: الحمية هي التعصب من غير مبرر ومن غير سبب؛ وذلك لأنهم كانوا يتعصبون على غير هدى، فيتعصبون للظالم، وهم يعرفون أنه ظالم!! ويتعصبون للسارق أو للقاتل، وهم يعرفون ذَنْبَهُ، وينصرونه على ما كان عليه.
إذا غَضِبَ أحدهم فإنهم يغضبون له، ولا يسألونه لِمَ غَضِبَ! ويقاتلون معه، ولو كان قتاله ظُلْمًا، فيقتلون أبرياء، ونحوهم.
من ذلك ما وُجِدَ أيضًا في هذه الأزمنة المتأخرة من هذه الحمية الجاهلية، وهو أن أحدهم يتعصب لأولاده ولو كانوا ظالمين، ويتعصب لإخوته، ويتعصب لأسرته وعشيرته، مع أنه يعلم أنهم على باطل، ولكن لما كان يَوَدُّهُمْ لأجل القرابة ونحوها أخذ يَحْميهم حمية الجاهلية، ويبالغ في حمايتهم، ويبالغ في نصرتهم، ولو كانوا على باطل.
لا شك أن ذلك من أمر الجاهلية، وقد حَذَّرَ من ذلك النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فَثَبَتَ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله قد أذهب عنكم عُبِّيَّة الجاهلية وفخرها بالآباء أي: لا تتعصبوا للجاهلية.. لا تتعصبوا لأقاربكم، ولا تتفاخروا، فجعل ذلك من أمر الجاهلية الحمية الجاهلية .
نقول: إن الله تعالى أمر بالعدل على القريب والبعيد، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ اشهدوا على أنفسكم.. اعترفوا على أنفسكم إذا كنتم خاطئين، واشهدوا على أولادكم، واشهدوا على إخوانكم وعلى والديكم إذا وقعوا في خطأ، ولا تكتموا الشهادة، ولا تتعصبوا وتنصروهم وهم مُبْطِلُون.. فإن ذلك من أمر الجاهلية، هذا مما جاء الشرع بالنهي عنه.. ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال: ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا مَنْ يتحامى على عصبية، وليس منا من مات على عصبية العصبية هي: التعصب بالباطل للقريب بغير دليل، أو للصديق ونحو ذلك.
يدخل في ذلك أنك تشهد له وأنت كاذب؛ لأجل أن يحصل على مصلحة.. يدخل في ذلك أن تكتم الشهادة عليه وأنت تعلم أنه خاطئ، فَتُدْعَى للشهادة، فتقول: لا أشهد، ولا أدري، وليس كذلك! وما أشبهه، فكل ذلك من حمية الجاهلية.
وكذلك أيضًا ما جاء في هذا الحديث من فخر الجاهلية إن الله قد أذهب عنكم عُبِّيَّة الجاهلية، وفخرها بالآباء كان أهل الجاهلية يتفاخرون بآبائهم وأسلافهم، فيفتخر الرجل بأن آباءه أهل شجاعة، وأهل كرم، وأهل جود، وأهل فصاحة، وأهل قوة، وأهل ندى وكرم، ونحو ذلك، وهل ينفعهم ذلك؟
قال صلى الله عليه وسلم: لَيَنْتَهِيَنَّ أقوام يفتخرون بآبائهم الذين ماتوا.. إنما هم فَحْمٌ من فحم جهنم، أو لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ على الله من الْجُعل الذي يُدَهْدِهُ الْخِرَاءَ بأنفه، إنما هو مؤمن تَقِيٌّ، أو فاجِرٌ شَقِيٌّ، الناس كلهم بنو آدم، وآدم من تراب لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى طفوا الصاع بالصاع لا تملأه يُحَذِّرُ في هذا ونحوه من الفخر بالآباء الجاهليين.
وكذلك أيضًا فخر الإنسان بآبائه، وهو لم يَعْمَلْ كعملهم، بل يفتخر بهم، وهو مخالف لهم، يقول بعض المتأخرين:
إذا افتخرتَ بـأقـوامٍ لهـم شَـرَفٌ
قلنا صدقـت ولكـن بئس ما ولـدوا
ما ينفعك نسبك، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: مَنْ بَطَّأَ به عمله لم يُسْرِعْ به نَسَبُهُ لا ينفعك إلا عملك.. لا ينفعك شَرَفُ آبائك، ولا عزهم، ولا علمهم، ولا قوتهم، ولا مكانتهم في الناس ونحو ذلك، إنما عليك أن تَعْمَلَ كعملهم حتى تنتفع، فالافتخار بالآباء والأجداد هذا من أمر الجاهلية الذي أنكره النبي صلى الله عليه وسلم.
وكذلك أيضًا من أمر الجاهلية: كَوْنُ الإنسان يَسُبُّ مَنْ لا يَسْتَحِقُّ السب ويُعَيِّرُهُ بغير عَيْبٍ يَلْحَقُهُ، في حديث أبي ذر قال: إني سابَبْتُ رجلًا، فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أعيرتَهُ بأمه؟!! إنك امرؤ فيك جاهلية! في رواية أنه قال له: يا ابن السوداء.
هل يضره كون أمه سوداء؟! أو ينفعه كونها بيضاء؟ لا يضره، إنما ينتفع ويتضرر بعمله، فلذلك جعل هذا من أمر الجاهلية إنك امرؤ فيك جاهلية .
فلا يجوز للإنسان أن يفعل مثل ذلك، فلا يعيبُ إنسانا بآبائه، فيقول: أنت ولدُ أَهْلِ الْبُخْلِ، وأنت ولد أَهْلِ الشُّحِّ، وآباؤك جبناء، وآباؤك أذلاء مهينون وما أشبه ذلك، لا ينفعه ولا يضره عمل آبائه، وإنما يُمْدَحُ أو يُذَمُّ بأفعاله.
وبكل حال فنقول: إن الجاهلية الأولى التي حَذَّرَ منها النبي صلى الله عليه وسلم: كُلُّ أمر فيه جهل مخالف لأمر الشرع، فيتجنبه المسلمون، ويعملون بأعمال الشرع، وبذلك يكونون متمسكين بأمر الله، ولا يلحقهم عيب، ولا يلحقهم نَقْصٌ.
نكتفي بهذا للإجابة على الأسئلة، والله أعلم، وصلى الله على محمد .
أسئلة
س: بارك الله فيكم فضيلة الشيخ، ونفع الله بعلمكم، فضيلة الشيخ مسائل الجاهلية هل نقول: كل تشبه بالكفار من أمر الجاهلية؟
نقول: إن كل من خالف الشرع فإنه جاهل وجاهِلِيٌّ، ولو كانوا يَدَّعُون أنهم عندهم علم، فإذا رأيت مثلًا إنسانا يحفظ القرآن، ويحفظ السُّنَن، وقد قرأ في العلوم الشرعية، ولكنه مع ذلك إما يَحْكُمُ بحكم الطواغيت ونحوهم، أو يتعصب تَعَصُّبَ أهل الجاهلية.. يتعصب لأقاربه ونحوهم، أو يظن بالله غير الحق ظَنَّ الجاهلية، فإنك تقول: هذا جاهل.. وهذا جاهلي، قد يَغْضَبُ إذا قُلْتَ: أنت جاهل، ولكن تقول: فِعْلُكَ فِعْلُ جاهل، وذَنْبُكَ أكبر من ذنب الجاهل، فقد يكون الجاهل معذورًا؛ لأنه يعمل على جَهْلٍ، وأنت تُعَانِدُ، وتعمل خلاف ما تعلم.
س: بارك الله فيكم، فضيلة الشيخ انتشر في أوساط الشابات في معظم المراحل الدراسية وفي غيرها ما يسمى بعيد الحب فما هو نصيحتكم لمن يعمل هذا العمل؟
النبي صلى الله عليه وسلم أبطل الأعياد الجاهلية التي كانوا يقيمونها، ويلعبون فيها ونحو ذلك، واقتصر على أعياد الإسلام: عيد الجمعة، وعيد الفطر، وعيد الأضحى، فإذا جاءتنا أعياد جديدة فإنها أعياد جاهلية، لا يجوز الاحتفال بها، ولو سميت بأسماء جديدة، ولو كانت بأسماء مشوقة، فلا يجوز إقرارها، بل يجب الإنكار على مَنْ يدعو إليها.
س: كتاب الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله مسائل الجاهلية هل له شرح معاصر؟
لا أذكر أنه شُرِحَ يعني شرحا كاملا، شرحه كما ذكرنا محمود شكري الألوسي ولكن ما شرح إلا مائة، وكذلك أيضًا لم يُرَتِّبْهُ كترتيبه، ولذلك يصعب أن تأخذ مسألة وتجدها إلا بعد بحث كثير.
لا بد أنه قد شرحه بعض العلماء في دروسهم، قد شرحناه في الدروس الأسبوعية التي نقيمها في الرياض في بعض المساجد، وسجل الشرح، ولكن لم يجتهد .. تسجيله، ويمكن أنه يحصل عليه ويُفَرَّقُ إن شاء الله.
س: شيخ.. في لبس ليلة العروس هذا اللباس الأبيض .. الذي يباع في أسواق المسلمين، هل هذا أيضا..؟
لا شك أن هذا لا يجوز، فإنْ تشبه النساء بالرجال في اللباس فهذا جهل، وإن لم يكن أهل الجاهلية يفعلونه، بل هو من جاهلية المتأخرين، نساء العرب قبل الإسلام يتميزن عن الرجال في لباسهن، وفي كلامهن وفي عاداتهن، وجاء نساءٌ بهذه الأدهنة.. بهذه الأكسية المشابهة لأكسية الرجال، فكان ذلك أشدَّ من أهل الجاهلية.
س: اللبس الذي يُرَى على كثير من الشباب.. لباس البدلات الإفرنجية الضيقة، ولبس بعض السلاسل ما هو نصيحتكم؟ وحَلْق رءوسهم على هيئة الْقَزع، فما هي نصيحتكم يا فضيلة الشيخ؟
هذا من التقليد الأعمى، كثيرٌ من الشباب في هذه الأزمنة لَمَّا رأوا الكفار الذين اشتهروا بأنهم أهل حِرَف، وأهل صناعة، وأهل ابتكار واختراع، وأهل معرفة بالصناعات ونحوها، ورأوهم يرتدون هذه الأكسية الضيقة، البنطال واللباس الضَّيِّق، قلدوهم، وظنوا أنهم اكتسبوا ذلك بهذه الأعمال، وما علموا أن هذا جهل كبير.
فليس لباسهم هذا هو الذي جعلهم مُفَكِّرين، وإذا لبستم أنتم هذه اللبسة السيئة التي تبدي عوراتكم حتى تُحَجِّمَ عضو الإنسان، وتحجم ألْيَتَيْهِ فيكون كأنه عَارٍ، ويظنون أن هذا فخر، وأنه اعتزاز!! لا شك أن هذا كله ليس من الإسلام في شيء، وأنه من أمر الجاهلية.
كذلك ما فعله أيضًا كثير من الشباب مِنْ لباس على الرأس الذي له طرف ممتد أمام الوجه اسمه الكبوس، وهو من لباس النصارى ونحوهم، نقول: إن هذا أيضًا لا يجوز، وإنه من أمر الجاهلية الأولى.
وهكذا أيضًا: تَخَتُّمُهُمْ بالذهب، وهكذا عملهم هذه السلاسل التي يتشبهون بها بالنساء، فنقول: هذا كُلُّهُ من أمر الجاهلية.
س: في طلاب ننتقل عن الموضوع لكن جاءتني كَمٌّ من الأسئلة تستنكر وجود الأخوات المتسولات في هذا المسجد، وأيضا أننا نخبر الإخوان أننا اتصلنا بالمسئولين في مكتب مكافحة التسول، وما على الرسول إلا البلاغ، والأسئلة التي وردت يا شيخ: ما حكم التَّسَوُّل وما هو موقف إمام المسجد تجاه طلب وزارة الشئون الإسلامية الذي جاء بمنع المتسولين، وجزاكم الله خيرا؟
لا شك أن المساجد بُنِيَتْ للطاعة والعبادة، فَجَعْلُهَا ميدانا ومكانا لهؤلاء الذين يفضون في الطريق أو يجلسون في الطريق- رجالًا ونساءً- ليسألوا الناس من الأموال هذا مما يُنْكِرُهُ الشرع، إذا كانوا مستحقين وفقراء يمشون على الناس في بيوتهم، أو في دكاكينهم، وسوف يجدون مَنْ يعطيهم ويتصدق عليهم ما يسد حاجتهم.
فأما في المساجد فإنها تُصَان عن مثل هؤلاء، سيما إذا كانوا نساءً، وكانوا في الطرق التي يمر بها الناس دخولًا وخروجًا، على مَنْ وُكِّلَ بذلك أن يأخذ على أيديهم ويمنعهم.
س: فضيلة الشيخ هذا سائل يقول: هل الدعوات والمسائل الجاهلية التي يدعو إليها أعداء الدين الذين يُسَمَّوْنَ بالعلمانية، وغيرها من الدعوات التي قَصْدُها هَدْمُ الشريعة، وما هو الواجب على المسلم تجاه هذه الدعوات؟
لا شك أنها من أمر الجاهلية أو أَشَرُّ وأنها كفريات ومكر؛ وذلك لأن هؤلاء يدعون إلى مخالفات شرعية، فيدعون مثلًا إلى فعل المعاصي.. يَدْعُون إلى تبرج النساء، ويَدعُون أن هذا حضارة، ويَدْعُون إلى تشبههم بالرجال، يدعون أيضًا إلى حلق اللحى، ويَدَّعُون أن هذا رُقِيٌّ، وأن إعفاء اللحى يعتبر تأخرًا وتزمتًا، ونحو ذلك.
يَدْعُون إلى الإكباب على سماع الغناء، يَدَّعُون أنه تَرْفِيهٌ وتَسْلِيَةٌ، وهذا أيضًا دعوة إلى أمور الجاهلية، وإلى المعاصي وما أشبه ذلك.
وهكذا أيضًا الدعاة إلى الانحلال، وإلى تَرْكِ الدين كُلِّيًّا والعياذ بالله!‍ هذا كله من أمر الجاهلية، وأشَر من الجاهلية؛ وذلك لأنه تمكين أو دعوة إلى التمكين للكفر، ولأسباب الكفر، ولمقدمات الكفر، فإن المعاصي بَرِيدُ الْكُفْرِ.
س: فضيلة الشيخ: مما عمتْ به البلوى ظهور ما يسمون بالحليل والأبراج، وفي كثير من المجلات، وقد يوجد في بيوت كثير من المسلمين هذه المجلات التي فيها مثل هذه الأبراج، ويقرءونها، وبعضهم قد يعتقد بها، فما هي نصيحتكم؟
كل مسلم عاقل يربأ بنفسه عن أن يُنْتَقَدَ في فعل ينكره العقل! أو ينكره الشرع، ولا شك أن هذه الصحف التي تدعو إلى ذلك، أو هذه المجلات ونحوها أنها مما يُرَوِّجُهَا العلمانيون، ومما يروجها النَّفْعِيُّون ونحوهم، الذين يقصدون المصالح الدنيوية.
فنقول: حارِبُوا مثل هذه الصحف، وحارِبُوا مثل هذه الأبراج التي لا أهمية لها، والتي تدعو إلى فسادٍ عريضٍ.
س: هذا السائل يا شيخ يقول: لم يفهم مسألة التحكيم إلى غير شرع الله سبحانه وتعالى، ويرجوكم يا شيخ أن تفصلوا في هذا الأمر.
يوجد في مكة -والحمد لله- قضاةٌ شَرْعِيُّون، هؤلاء القضاة قد مَكَّنَهُمُ الله تعالى، ومَكَّنَ لهم فعرفوا الأحكام، وعرفوا الخلافات، واستطاعوا أن يجعلوا لكل حُكْمٍ يرفع إليهم ما يَخُصُّه وما يُنَاسِبُهُ، ولا شك أنهم ما رُفِعَتْ إليهم قضية فقالوا: لا نعرف فيها شيئا، ولا نعرف حكمها، أو ردوها إلا إذا كان فيها خلاف قوي، فإنهم يردونها إلى رئاستهم ووزارتهم ونحو ذلك، ومع وجودهم- والحمد لله- في كل بلدة، فإنَّ هناك مَنْ يُنَصِّبُ نفسه للحكم بغير ما أنزل الله، فيكون هناك عادات كثيرة بين القبائل يجعلونها حكمًا، ويقدمونها، فيترافعون إلى رئيس القبيلة، وإلى رئيسٍ من رؤسائهم -من رؤساء العشائر والقبائل- ونحوهم، هذا الرئيس، وهذا المشهور فيهم يحكم بينهم بالعادات، هذا الحكم يقدمونه على حكم الشرع.. فينكل .. فيقول: عليك يا هذا مثلا ذبيحة، وعليك يا هذا كذا وكذا، أو يلزمك يا هذا ألف.. أو عِشْرُون ألفًا للآخر، ويلتزمون بذلك مع ما فيه من الإجحاف، يسمون ذلك عاداتهم أو سنونهم أو ما أشبه ذلك، فعلى المسملين أن ينهوا عن ذلك، وأن يقولوا: إن الشرع هو الْمَرْجِعُ.
س: أثابكم الله! ما حكم من يأتم بقطعة حديد أو دراهم يقول: بأنه مقروء عليها يستشفي بها؟
لا يجوز ذلك، بل قد تكون من التعاليق ونحوها، تذكرون أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا في يده حلقة من صفر، فقال: انزعها، فإنها لا تزيدك إلا وَهَنًا لما ادعى أنها علاج من الواهنة.
فَقِطَعُ الحديد، وقِطَعُ الحبال، والْخِرَق والخيوط والحجارة ما تفيد ولو قرئ عليها، لا بأس إذا قرئ على الإنسان المريض.. قَرَأَ عليه القارئ، ونفخ عليه، أو قرأ في ماء أو في طعام وأكله، فإنه قد يُشْفَى بإذن الله للاستشفاء بالقرآن.
س: أثابكم الله ... بعد العصر إذا تردد المسلم بين أمرين، فهل يأخذ بالأحوط أم بالأيسر؟
لِنَقُلْ: الْأَوْلَى أنه يأخذ بالأحوط، إلا إذا كان الأسهل هو الأرجح، إذا كان الخلاف قويًّا أَخَذ بالاحتياط.
س: هذا سائل يقول: كيف يتوضأ مَنْ به سَلَسُ بَوْلٍ، أو انفلاتُ ريح؟
إذا كان ذلك معه كل الوقت ليلًا ونهارًا: في الضحى، وفي وسط الليل، وفي وسط النهار، وغير ذلك، فإنه يُعْتَبَرُ معه سلس بول، فلا يتوضأ إلا إذا دخل الوقت، إذا أذنَ للظهر، أو أذن العصر تَوَضَّأَ ثم صَلَّى، ولو كان يتقاطر، ولو كانتْ تَخْرُجُ منه الريح، ولو كانت المرأة يسيل منها دمُ الاستحاضة.
وأما إذا كان غير مستمر.. إنما يأتيه مثلًا في أوقات، فمثل هذا يتطهر، ويحرص على أنه يتطهر للوقت إذا أمكنه، ولكن إذا غلبه، وخرج وهو في الصلاة فإنه لا يغتر ويعتبر معذورا.
كثير من الناس يبتلى بذلك وهو شابٌّ، ويكون ذلك ليس حقيقيًّا، وإنما هو توهمات.
س: أثابكم الله، هذه امرأة تقول: بأنها نذرتْ أن تصوم يوما وتفطر يوما لمدة سنة كاملة إذا شافى الله ولدها من مرض، وقد شافى الله ولدها، وصامتْ لمدة شهرين، وشَقَّ عليها الصيام، ويبقى عليها عشرة أشهر، فماذا عليها؟
ونطلب يا شيخ بأن تُبَيِّنوا حكم النذر وتوضيحه؟
في هذا أن فيه مشقة.. قد ورد أنه صلى الله عليه وسلم: قال لا صام مَنْ صام الدهر في رواية: لا صام، ولا أفطر نهى عن صوم الدهر يعني: السنة كلها، ولكن إذا نذرتْ فإن كانت تطيقه فإنها تفعل ما تقدر عليه، وإلا لها أن تُفَرِّقَهُ بأن تصوم من كل سنة شهرين إلى أن تتم اثني عشر شهرًا، لعلها بذلك تخرج من الْعِدَة، لأن مَنْ نذر أن يطيع الله فَلْيُطِعْهُ سيما إذا عُلِّقَ النذر على شيء فتحقق.
س: البعض يسأل عن النياحة، ويقول: بِمَ وكيف تكون النياحة؟ وما هو عقابها؟
جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: النائحة إذا لم تَتُبْ تُقَام يوم القيامة، وعليها سربال من قَطِرَانٍ، ودرع من جرب .
النياحة هي: الصياح، ورفع الصوت عند الميت، أو بعد موت الميت، وكان أهل الجاهلية يفعلون ذلك كثيرًا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ليس منا مَنْ لطم الخدود، وشَقَّ الجيوب، ودَعَا بِدَعْوَى الجاهلية دعوى الجاهلية: أنه إذا مات ميتهم يندبونه، فإما أن يذكروه باسمه كقولهم: وازيداه! واإبراهيماه! واسعداه! واعمراه! وإما أن يذكروه بقرابته كأن يقولوا: واأخواه! واولداه! واأبواه! واعماه! واخالاه! وإما أن يَذْكُرُوه بصفة بينهم لهم منه، كأن يقولوا: وامُطْعِمَاه! واساقِيَاه! واكاسياه! واكافياه! يرفعون بذلك أصواتهم، فهذا مما جاء الإسلام بالنهي عنه.
لا مانع من البكاء، والبكاء إذا غلب الإنسانَ فلا يُلَام عليه.. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله لا يُعَذِّبُ بدمع العين، ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا أو يَرْحَمُ، وأشار إلى لسانه .
س: أثابكم الله، هذا سائل يقول: ما حُكْمُ غيبة الرجل الفاسق والذي لا يصلي؟
يجوز إذا كان مُظْهِرًا للفسق أن يُذْكَرَ بما فيه، جاء في الحديث: اذكروا الفاسق بما فيه؛ كي يَحْذَرَهُ الناس يعني: اذكروه بِفِسْقِهِ... قولوا: فلان فاسق.. فلان يغتاب، أو فلان يَنُمُّ، أو فلان يَتَمَسْخَرُ، أو فلان فاحش.. يتعاطى الزنا.. أو يشرب الخمر.. أو يشرب الدخان، حتى يحذره الناس، ولا يغتروا بصحبته.
س: أثابكم الله، هذا سائل يسأل عن تفسير قول الله عز وجل: يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ فما المراد بالظلمات الثلاث في هذه الآية؟
الله تعالى هو الذي خلق الإنسان في رَحِمِ أمه، وجعله في ظلمات ثلاث:
الظلمة الأولى: المشيمة.. الغطاء الذي يكون عليه عندما يخرج، أو يقوم من الخروج المشيمة.
والثانية: الرَّحِم.
والثالثة: البطن.. بطن المرأة ورَحِمُهَا.
والمشيمة.. ظلمات بعضها فوق بعض.
الله تعالى يُكَوِّنُه في الرحم، ويُكَوَّن في هذه، ويخلقه خلقًا من بعد خلق نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظامًا إلى آخره.
س: أثابكم الله، هذا سائل يسأل عن الحكم إذا اشترى شيئًا، وإنما يشتريه لوجود جوائز على هذا الشيء؟ وما الحكم إذا اشتراه ..؟
هؤلاء الذين يجعلون هذه الجوائز .. لمن يشتري منهم يجعلون ذلك حسدًا لغيرهم.. يريدون أن الناس يُكِبُّون عليهم، ويأتون إليهم دفعاتٍ.. ويشترون منهم بسبب أنهم يعطون مَنِ اشترى جائزة، ويجعلون مسابقة، ثم كل مَنِ اشترى أعطوه بطاقة، ثم يُفَرِّقُون من بعد ذلك الجوائز.
يشتري منهم مثلًا نحو ألفين، ولا يفوز بالجائزة إلا خمسة أو عشرة، وكُلٌّ من هؤلاء الألفين أو العشرة آلاف يريدون هذه الجائزة، فيحصلون على أرباح كثيرة، ويُقْبِلُ الناس عليهم، ويعرفون مكانتهم ويشتهرون، ويَصُدُّ الناس عن غيرهم، فيتضرر الآخرون، فنقول: لا تَشْتَرِ منهم لأجل الجائزة، أما إذا كنتَ تُعَامِلُهُمْ، وأنهم أقرب لك.. فلا مانع أن تشتري منهم، وإن أصابتك الجائزة حَلَّتْ لك.
س: أثابكم الله، هذا سائل يسأل يقول: مَنْ هم الأرحام الذين لا بد لي من صلتهم، وجزاكم الله خيرًا؟
أقارب الرجل من قِبَلِ أبويه هم ذوو رَحِمِهِ في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: إن آل أبي فلان ليسوا لي بأولياء، إنما وَلِيي الله وصالح المؤمنين، ولكنَّ لهم رَحِمًا سَأَبُلُّهَا بِبِلَالِهَا فيدخل في ذلك الإخوة، وأولاد الإخوة- ذكورًا وإناثًا- وأولاد أولادهم، ويدخل في ذلك الأعمام، وأولادهم، وأولاد أولادهم، وأعمام الأب، وأولادهم وإن نزلوا، وأعمام الجد وأولادهم وإن نزلوا، وأعمام جد الأب ونحوهم إلى الجد الخامس، أو السادس كلهم من ذوي الأرحام.
وكذلك أيضًا الأقارب من جهة الأم: الأخوال وأولادهم، وأولاد أولادهم، وأخوال الأب، وأخوال الأم، وإخوة الجد: أب الأم وأولادهم، ونحو ذلك لهم أيضًا رَحِمٌ على الإنسان أن يَصِلَهُم.. الصلة تكون مثلًا بزيارتهم، واستزارتهم، وإهداء شيء لهم عند الحاجة، والتودد إليهم.
وكذلك: إكرامهم وإعطاؤهم ومواساتهم إذا احتاجوا، والصدقة عليهم.. تقديم الصدقة عليهم على غيرهم، كما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: صدقتك على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم اثنتان: صدقة وصِلَةٌ يعني: أنها صدقة، حيث إنها تَبَرُّعٌ، وأنها صِلَةٌ للرحم.
س: هذا سائل يقول: يسأل عن نزول المطر: هل يُسْتَحَبُّ عند نزول المطر الكشف عن الرأس وإزالة الخمار والطاقية، وإذا كان هذا غير صحيح، فما هي السُّنَّة عند نزول المطر؟
صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل مرةً مطر كشف عن رأسه، وتركه يصيب ثيابه، ويصيب رأسه وقال: إنه حديثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ يعني: أنه رَحْمَةٌ.. كما سماه الله في قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ كما أنه إذا نشأتِ السُّحُبُ دعا الله تعالى إذا نزل المطر بقوله: اللهم اجعله صَيِّبًا نافعًا مباركًا غير ضار وغير ذلك من الأدعية.
س: هذا هو السؤال الأخير، هذا يَسْأَلُ عن شيء عَمَّتْ به البلوى، وهو مصافحة النساء وخاصَّةً بين الأقارب، فما نصيحتكم؟
لا يجوز، قالوا: ما مَسَّتْ يَد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط... يعني: امرأة أجنبية ما عدا زوجاته، أو محارمه فلا يجوز، ولو كانت كبيرة، ولو كانت قريبة كبنت عم وبنت خال ونحوهن، وكذلك أخت زوجة، أو زوجة أخ لا يجوز مصافحتها، بل ولا يجوز كَشْفُهَا له، يعني: كشفها لوجهها، أو زينتها، بل عليها أن تتحجب كما تتحجب عن سائر الأجانب ولو كانت كبيرة...

line-bottom