شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة
مسائل الجاهلية
4350 مشاهدة
تبرج الجاهلية

المسألة الثالثة- ذُكِرَتْ في قول الله تعالى: يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى هكذا جاء في هذه الآية النَّهْيُ عن تبرج الجاهلية الأولى فهذا من مسائل الجاهلية، وهو التبرج، نهى الله تعالى عنه في قوله تعالى في سورة النور: غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ يعني: لا يتبرجن بزينة.
التبرج أصله: الارتفاع، ومنه سُمِّيَت البروج؛ لأنها مرتفعة تُشَاهَدُ من بعيد، فالمرأة التي تتبرج هي التي تُبْدِي زينتها، وتُبْدِي محاسنها وتتجمل، ثم مع ذلك تَبْرُزُ أمام الرجال ليفتتنوا بها، ولينظروا إليها، جعل الله ذلك من أمر الجاهلية، الجاهلية الأولى التي قبل الإسلام وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى .
وهذا –وللأسف- قد ظهر في هذه الأزمنة هذا التقليد للجاهلية الأولى، فيدخل في ذلك: تَكَشُّفُ النساء، يعني: كشفهن عن وجوههن، فإن إبداء الوجه -الذي هو مجمع المحاسن- هذا من التبرج؛ وذلك لأنه إظهارٌ لكامل هذه الزينة، فتكون قد تبرجت، ويدخل في ذلك أيضًا ما ابْتُلِين به من الأعمال التي تعملها بوجهها، مثل: الوشام ومثل النمص، ومثل التفلج، ومثل الوشر- تحديد الأسنان- وما أشبه ذلك.
وقد وردت الأدلة بالتحذير من ذلك، كقول الله تعالى عن إبليس لعنه الله: وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ فهذا هو تَغْيِير خَلْقِ الله تعالى.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: لعن الله الواشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمصات، والناشرات، والمتفلجات للحسن، الْمُغَيِّرَاتِ خلق الله .
كان نساء الجاهلية يَسْتَعْمِلْنَ الوشم الذي هو: طعن الجسد بإبرة أو نحوها: الوجه، أو اليد، أو نحو ذلك، ثم إذا خرج الدم، فإن المرأة أو الرجل يَطْلِي ذلك بشيء من الأصباغ الحمراء أو الصفراء، فيبقى ذلك كوسم في الجلد لا يستطيع أن يزيله، فيفعلون ذلك للْحُسْنِ، لَعَنَ عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وجعله من أَمْرِ الجاهلية.
كذلك أيضًا الْوَشْرُ، كون بعضهم -رجالًا أو نساءً- يوشرون أسنانهم حتى تكون كالمحش، كالمنجل الذي يُحَشُّ به.. أي أسنان كل واحد منهم موشرة، لا شك أن هذا من أمر الجاهلية.
كذلك التفلج، وهو: أن بعض النساء تَحُكُّ ما بين السِّنَّتَيْنِ حتى يكون بينهما فرجة تُوهِمُ أنها شابَّةٌ صغيرة لا تزال أسنانها متفلجة متفرقة، وهذا من أمر الجاهلية.
وكذلك النَّمْصُ الذي هو نَتْفُ شعر الحاجبين من أمر الجاهلية.. نتفه، أو تخفيفه، أو صبغه بصبغة مغايرة لِلون الشعر، كَصَبْغِهِ بالأحمر حتى كأنه الْجِلْدُ، ولا يُظَنّ أن لها شَعْرًا في هذا الحاجب.
لا شك أن الله تعالى أنبت هذا الشعر- الذي هو شعر الحاجب- زينة وجمالًا، ولذلك يُوجَدُ حتى في الأطفال، من حين يولد الطفل يكون له هذا الحاجب، وهذه الأهداب، وهذا الشعر في الرأس، فإزالته تُعْتَبَرُ تغييرًا لخلق الله، وهو من أمر الجاهلية.
وكذلك تشقيره حتى يظن أنه ليس فيه شعر، أو نحو ذلك، هذا من أمر الجاهلية، سواء الجاهلية الأولى، أو الجاهلية الجديدة.
النهي في قوله: وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى يعني: ما قبل الإسلام، ولكن إذا وُجِدَتْ جاهلية متأخرة، فإن النهي عنها آكدُ؛ وذلك لأن هؤلاء الجاهليين المتأخرين لا شك أنهم يعرفون الحق ويعاندون، ويُخَالِفُونَهُ، يسمعون الأدلة، ومع ذلك لا ينصاعون إليها.
كذلك من التبرج -تبرج الجاهلية- ما يتعلق بالشعور، وهذا أيضًا كثير، حيث إن النساء قبل الإسلام كُنَّ يُرَبِّين شُعورَهُنَّ، ويَجْدِلْنَهُ ضفائر، وتفتخر المرأة به إذا كان طويلًا، وتفتله... تجعله قرونًا، وإذا مُدِحَتْ مُدِحَتْ بطول شعرها، ولكن مع ذلك جاءت جاهلية جديدة، فَغَيَّرَتْ هذا الأمر، وخُيِّلَ إلى النساء أن هذا الشعر تشويهٌ، وأنه تقبيح للمنظر، وأن تخفيفه أو إزالة أكثره من التقدم الحضاري!! فكان ذلك من أمر الجاهلية سواء التي تقصه إلى أن يكون إلى المنكب أو إلى شحمة الأذن، أو كذلك تَقُصُّ بعضه، وتجعله مثلًا مدرجات أو نحوها، أو التي تجمعه من خلفها، وتَلُمُّهُ لَمَّةً، وتَعْقِدُهُ كأنه بيضة أو نحو ذلك من الخلف!! لا شك أن هذا كله من أمر الجاهلية، وأنه مما قَلَّدَ فيه هؤلاء النساءُ الجاهليةَ الجديدةَ.
وكذلك أيضًا ما يُفْعَلُ مما يسمى بالنيش الذي هو: صَبْغُهُ بأصباغ ملونة، لا شك أن هذا من أمر الجاهلية، الجاهلية الأولى، أو الجاهلية الجديدة، فَيَجِبُ على ولاة أَمْرِ النساء أن يمنعوهن من ذلك كُلِّهِ حتى لا يَفْتِنَّ غَيْرَهُنَّ.