(يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه
مسائل الجاهلية
4777 مشاهدة
تبرج الجاهلية

المسألة الثالثة- ذُكِرَتْ في قول الله تعالى: يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى هكذا جاء في هذه الآية النَّهْيُ عن تبرج الجاهلية الأولى فهذا من مسائل الجاهلية، وهو التبرج، نهى الله تعالى عنه في قوله تعالى في سورة النور: غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ يعني: لا يتبرجن بزينة.
التبرج أصله: الارتفاع، ومنه سُمِّيَت البروج؛ لأنها مرتفعة تُشَاهَدُ من بعيد، فالمرأة التي تتبرج هي التي تُبْدِي زينتها، وتُبْدِي محاسنها وتتجمل، ثم مع ذلك تَبْرُزُ أمام الرجال ليفتتنوا بها، ولينظروا إليها، جعل الله ذلك من أمر الجاهلية، الجاهلية الأولى التي قبل الإسلام وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى .
وهذا –وللأسف- قد ظهر في هذه الأزمنة هذا التقليد للجاهلية الأولى، فيدخل في ذلك: تَكَشُّفُ النساء، يعني: كشفهن عن وجوههن، فإن إبداء الوجه -الذي هو مجمع المحاسن- هذا من التبرج؛ وذلك لأنه إظهارٌ لكامل هذه الزينة، فتكون قد تبرجت، ويدخل في ذلك أيضًا ما ابْتُلِين به من الأعمال التي تعملها بوجهها، مثل: الوشام ومثل النمص، ومثل التفلج، ومثل الوشر- تحديد الأسنان- وما أشبه ذلك.
وقد وردت الأدلة بالتحذير من ذلك، كقول الله تعالى عن إبليس لعنه الله: وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ فهذا هو تَغْيِير خَلْقِ الله تعالى.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: لعن الله الواشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمصات، والناشرات، والمتفلجات للحسن، الْمُغَيِّرَاتِ خلق الله .
كان نساء الجاهلية يَسْتَعْمِلْنَ الوشم الذي هو: طعن الجسد بإبرة أو نحوها: الوجه، أو اليد، أو نحو ذلك، ثم إذا خرج الدم، فإن المرأة أو الرجل يَطْلِي ذلك بشيء من الأصباغ الحمراء أو الصفراء، فيبقى ذلك كوسم في الجلد لا يستطيع أن يزيله، فيفعلون ذلك للْحُسْنِ، لَعَنَ عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وجعله من أَمْرِ الجاهلية.
كذلك أيضًا الْوَشْرُ، كون بعضهم -رجالًا أو نساءً- يوشرون أسنانهم حتى تكون كالمحش، كالمنجل الذي يُحَشُّ به.. أي أسنان كل واحد منهم موشرة، لا شك أن هذا من أمر الجاهلية.
كذلك التفلج، وهو: أن بعض النساء تَحُكُّ ما بين السِّنَّتَيْنِ حتى يكون بينهما فرجة تُوهِمُ أنها شابَّةٌ صغيرة لا تزال أسنانها متفلجة متفرقة، وهذا من أمر الجاهلية.
وكذلك النَّمْصُ الذي هو نَتْفُ شعر الحاجبين من أمر الجاهلية.. نتفه، أو تخفيفه، أو صبغه بصبغة مغايرة لِلون الشعر، كَصَبْغِهِ بالأحمر حتى كأنه الْجِلْدُ، ولا يُظَنّ أن لها شَعْرًا في هذا الحاجب.
لا شك أن الله تعالى أنبت هذا الشعر- الذي هو شعر الحاجب- زينة وجمالًا، ولذلك يُوجَدُ حتى في الأطفال، من حين يولد الطفل يكون له هذا الحاجب، وهذه الأهداب، وهذا الشعر في الرأس، فإزالته تُعْتَبَرُ تغييرًا لخلق الله، وهو من أمر الجاهلية.
وكذلك تشقيره حتى يظن أنه ليس فيه شعر، أو نحو ذلك، هذا من أمر الجاهلية، سواء الجاهلية الأولى، أو الجاهلية الجديدة.
النهي في قوله: وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى يعني: ما قبل الإسلام، ولكن إذا وُجِدَتْ جاهلية متأخرة، فإن النهي عنها آكدُ؛ وذلك لأن هؤلاء الجاهليين المتأخرين لا شك أنهم يعرفون الحق ويعاندون، ويُخَالِفُونَهُ، يسمعون الأدلة، ومع ذلك لا ينصاعون إليها.
كذلك من التبرج -تبرج الجاهلية- ما يتعلق بالشعور، وهذا أيضًا كثير، حيث إن النساء قبل الإسلام كُنَّ يُرَبِّين شُعورَهُنَّ، ويَجْدِلْنَهُ ضفائر، وتفتخر المرأة به إذا كان طويلًا، وتفتله... تجعله قرونًا، وإذا مُدِحَتْ مُدِحَتْ بطول شعرها، ولكن مع ذلك جاءت جاهلية جديدة، فَغَيَّرَتْ هذا الأمر، وخُيِّلَ إلى النساء أن هذا الشعر تشويهٌ، وأنه تقبيح للمنظر، وأن تخفيفه أو إزالة أكثره من التقدم الحضاري!! فكان ذلك من أمر الجاهلية سواء التي تقصه إلى أن يكون إلى المنكب أو إلى شحمة الأذن، أو كذلك تَقُصُّ بعضه، وتجعله مثلًا مدرجات أو نحوها، أو التي تجمعه من خلفها، وتَلُمُّهُ لَمَّةً، وتَعْقِدُهُ كأنه بيضة أو نحو ذلك من الخلف!! لا شك أن هذا كله من أمر الجاهلية، وأنه مما قَلَّدَ فيه هؤلاء النساءُ الجاهليةَ الجديدةَ.
وكذلك أيضًا ما يُفْعَلُ مما يسمى بالنيش الذي هو: صَبْغُهُ بأصباغ ملونة، لا شك أن هذا من أمر الجاهلية، الجاهلية الأولى، أو الجاهلية الجديدة، فَيَجِبُ على ولاة أَمْرِ النساء أن يمنعوهن من ذلك كُلِّهِ حتى لا يَفْتِنَّ غَيْرَهُنَّ.