قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه
الأمانة
8283 مشاهدة
الأمانة فيما بين العبد وربه

إن الأمانة هي العبادات والشرائع التي كلفنا الله بها -سبحانه وتعالى- وما أعظم هذا التكليف!
ولكن متى عرفنا أننا إذا قمنا بأداء هذه الأمانة حَقَّ قيام، حصل لنا الأجر وحصل لنا الثواب العظيم؛ فإنه يلزم وينبغي أن نقوم بها، فلا يجوز التكاسل والتأخر في أدائها!!
وهذه الشرائع والعبادات من الأمانة، وكل إنسان مؤتمن فيما بينه وبين ربه على هذه الحقوق التي لا يطلع عليها إلا رب العباد، فلا أحد يراقبك سوى ربك الذي ائتمنك على هذه العبادات:
* ائتمنك على الطهارة والصلاة.
* ائتمنك على الأذكار، وعلى القراءات التي في الصلاة.
* ائتمنك على الصيام.
* ائتمنك على أداء الحقوق المالية والزكاة، والكفارات.
* ائتمنك على ترك الذنوب وتجنب المعاصي التي حرمها عليك.
ووكّل كل ذلك إلى قلبك ومعتقدك، ولا يطّلع عليه أحد سوى الله -تعالى- فالناس لا يعرفون، ولكنك تعرف من نفسك أن ربك لا يخفى عليه شيء.
* فلو صليت بلا وضوء لم يشعر بك أحد من الناس، لكن الله هو الذي يشعر بك، فالوضوء هو الطهارة، وهو أمانة بينك وبين ربك.
* ولو صففت في الصلاة، وأخذت تنحني مع الناس وترفع، وأنت لا تسبح، ولا تقرأ، ولا تذكر، ولا تأتي بشيء من واجبات الصلاة السرية ولا أركانها؛ فإن الناس لا يدرون عنك، ولكن الله يدري، فهذه الأذكار التي في الصلاة أمانة بينك وبين ربك.
* ولو أكلت في رمضان سرًّا، لم يشعر بك أحد؛ لأن الناس لا يراقبونك في كل حال، ولكن الله -تعالى- هو الذي يطلع عليك، فهذا الصيام أمانة بينك وبين ربك.
* ولو بخست الحقوق الواجبة لله من الزكاة ونحوها، ولم تؤدِّ زكاة المال السرية، لم يطّلع عليك إلا ربك، فالناس ليس لهم إلا الظاهر، فهذه أمانة مالية بينك وبين ربك.
* وكذلك لو خلوت بالمعاصي والذنوب، لم يطلع عليك إلا ربك.
* ولو أكلت الحقوق المالية للناس مثلًا لم يطلع عليك أحد من الناس.
* ولو أضمرت في نفسك أي شيء من الشك، أو من الشرك، أو من الكفر، أو من الوسوسة، لكان ذلك فيما بينك وبين الله، ولن يطلع الناس عليك إلا أن تخبرهم، فالله هو الذي ائتمنك على هذا.
وبهذا نعرف أن الأمانة عامة لكل العبادات التي فرضها الله على الناس، وإنما كانت تلك أمثلة، وهي على سبيل الاختصار وليست على سبيل الحصر.
ومن الأمانة أيضًا الإخلاص في الأعمال -وهذا من أهم الأمانات التي يجب على العبد مراعاتها - فمثلًا: إذا أراد الإنسان الصلاة أو الحج أو الجهاد، أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفعل ذلك أمام الناس، فإن الناس يمدحونه على ما ظهر منه، ويعتقدون أنه رجل صالح، لأجل هذه الأعمال الصالحة، ولكن إذا كان قلبه مُصِرًّا على شك، أو على رياء أو سمعة، أو طلب مدح الناس له، أو نحو ذلك، كان هذا العمل باطلا ولا يطلع على بطلانه سوى ربه.
فالإخلاص أمانة يفسده الرياء، وكذلك العبادة تبطل بتأخير عملها، أو بالإخلال بشيء من شروطها. وقد ذكّر الله عباده باطّلاعه عليهم حتى يراقبوه، و يراعوه فيما بينهم وبينه، فإذا خلا أحدهم عرف أنه لا يغيب عن ربه طرفة عين؛ لذلك أكّد الله تذكير الإنسان باطلاعه عليه، كما في قوله -تعالى- الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ .
فكأنه يقول: أنت أيها العبد مأمور بأن تؤدي هذه الحقوق فيما بينك وبين ربك، لا تخشى إلا الله، وإذا خلوت فلا تعتقـد أنك خالٍ، بل إنك بمرأى من ربِّك، فإن ربك يعلم ما تسره ويعلم ما تكنه، كما قال -تعالى- وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ .

فالله عالمٌ بما يوسوس به ضمير الإنسان، عالم بخطرات قلبه وبفلتات لسانه، فلا يخفى على ربك منك خافية.
ومن تذكر قُرب ربه واطلاعه عليه، فإن ذلك يحمله على أن يؤدي حقوقه التي ائتمنه عليها، ولا يخاف إلا الله، ولا يخاف من العباد أحدًا.
أما إذا قام بخلاف هذا فإنما أداها للناس لا لربه!!
فيجب في أداء الأمانة أن يراقب الإنسان فيها ربه؛ لأنه يعلم أن ربه هو الذي فرضها عليه، وهو الذي يحاسبه ويثيبه عليها، كما أنه عالم به، قال -تعالى- أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ .
كيف لا يعلمه وهو خلقه؟! وهو الذي ركب أعضاءه، ومنحه هذا القلب، وأرسل إليه هذه الوساوس، فكيف لا يعلمه؟! إنه يعلم كل شيء، بل يعلم أخفى ما يكون!! قال -تعالى- يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى أي: ما هو أخفى من السر.
فهذه الأدلة تحمل العبد على أداء هذا الحق.
ولقد أكثر الله -تعالى- من تذكير العبد برؤية ربه ومراقبته، كما قال -تعالى- وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ الآية.
وهناك الكثير من الآيات تذكر العباد أنهم بمرأى منه ومسمع، كقوله -تعالى- إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى .
فإذا تذكر الإنسان هذه الخصلة (وهي قرب ربه ومعيَّته)، حمله على أن يؤدي الأمانة قاصدًا بها وجهه، سواء كان في السر أو في الجهر، أو كان فيما يطلع عليه الناس أو لا يطلعون عليه.
وقد وكل الله أيضًا بالعبد كرامًا كاتبين، وهم الملائكة، قال -تعالى- مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ وهما الملكان اللذان يكتبان حركاته وأعماله وأقواله، حتى إن الله أطلعهم على ما يعمله القلب؛ لأن للقلب أعمال، لا يُطَّلع عليها الناس فلا أحد يعرف بإخلاص قلب صاحبه أو شكه أو حسده أو محبته للمسلمين، لا يطلع على هذا إلا الله تعالى.
وأعمال القلوب أمانة جعل للملائكة سلطانًا عليها يتصلون بها، كما في قوله -تعالى- وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ .
والفعل شامل لفعل القلب والبدن، والأمانة فيه بين العبد وربه، وبينه وبين العباد مطلوبة.