تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم.
الكسب الحلال أهميته - وآثاره
12628 مشاهدة
من أنواع المعاملات المحرمة الربا

عرفنا فى الفصل السابق أهمية الكسب الحلال في جميع المعاملات، وبينا أن المكاسب المحرمة توقع الإنسان في الإثم وعدم إجابة الدعاء وعدم التوفيق؛ لذا كان واجبا على المسلم العاقل التقي أن يبتعد كل البعد عن المعاملات المحرمة والمشتبهة.
ومن المعاملات المحرمة التي جاء القرآن والسنة بحرمتها معاملة الربا، وقد نزلت فيه آيات كثيرة تنص على تحريمه.
فمن الآيات المكية: قوله تعالى في سورة الروم: وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ .
ومعنى ذلك أن المرابين إنما يجعلون الأموال في ذمة المدين، ليربو ذلك المال في ذمة المدين، ويربو في أموال الناس، لكنه لا يزكو ولا يكثر ولا ينمو عند الله، بل مآله إلى المحق، ومآله إلى الفشل، ومآله إلى الاضمحلال!!
ومن الآيات المدنية: قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً [آل عمران: 130].
ومعنى ذلك أنه إذا كان لإنسان دين عند آخر، فجاء إليه وقال له: أعطني دَيْنِي، فإذا لم يجد مالا قال: أؤخر عليك الدين عاما على أن أزيد فيه، فيزيد في الأجل، ويزيد في المال، فتتضاعف الأموال أضعافا مضاعفة، فإذا استوفاها بعد ذلك فقد أكل الربا أضعافا مضاعفة، وهذا هو المقصود بالربا الجاهلي الذي لا شك في حرمته.
وقد كان اليهود يتعاملون بالربا، وقد عابهم الله بذلك في قوله تعالى: وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ [النساء: 161]. أي أن الله تعالى قد نهاهم عن أخذ الربا في كتبهم فلم ينتهوا!! فالذين يأكلون الربا من هذه الأمة يكونون سلفا لليهود والجاهليين الذين نزلت فيهم هذه الآيات.
وقد نزلت هذه الآيات في مكة وفي المدينة على فترات، مما يدل على أن الله تعالى نهى المؤمنين عن أكل الربا في كل مناسبة، ومع ذلك بقيت معاملات ربوية بين الناس، وقد نهى الشرع عنها!
وفي آخر حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- كان من آخر ما نزل عليه الآيات التي في سورة البقرة، التي هي تحريم صريح للربا، فقال تعالى: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ [البقرة: 275].
فمثل لهم الله بهذا المثال القبيح، وهو أنهم إذا بُعثوا يوم القيامة فكأن أحدهم مجنون، كالذي يتخبطه الشيطان من المس وهو الذي يصرعه شيطان الجن، فيقوم أحدهم من القبر، أو يُبعث وهو يُصرع، وكلما قام انصرع وسقط، فلا يقومون من قبورهم إلا كما يقوم المصروع الذي يتخبطه الشيطان من المس.
وقيل: إنهم يعرفون يوم القيامة بضخامة بطونهم، فتصرعهم تلك البطون، ويسقطون من أجل ما أكلوه، وتلك عقوبة عاجلة قبل الآجلة: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا [البقرة: 275]. أي: جمعوا بين الأمرين: جمعوا بين استحلال الحرام وأكله! ولا شك أن ذلك الاستحلال كفر! فمن استحل الحرام ولو لم يأكله فإنه كافر!! لأن فعل المعصية يعتبر ذنبا وخطيئة، ولكن أكبر من ذلك وأعظم استحلالها بالفتوى، وإعلان جوازها وأنها حلال، ولا إثم فيها!!
فالذين قالوا: إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا أي: لا فرق بين الربا والبيع، فهذا كسب وهذا كسب، هؤلاء قد أحلوا ما حرم الله، أي أنهم شرّعوا مع الله، فهو تصرف مع الله في الكون، ولا شك أن ذلك كفر.