فصول ومسائل تتعلق بالمساجد
الفصل الرابع في تنزيه المساجد وصيانتها من الأقذار الحسية
لما كانت هذه البيوت أمكنة العبادة والتقرب إلى الله تعالى بالطاعة، ورد الأمر بصيانتها، وحفظها رأس> عن الأقذار والنجاسات والفضلات، حتى تحظى بالنظافة والحسن والجمال، وقد تقدم حديث المرأة التي كانت تقم المسجد فماتت فصلى النبي -صلى الله عليه وسلم- على قبرها، وقد ثبت في الصحيح عن أنس اسم> -رضي الله عنه- قال: رسم> جاء أعرابي فبال في طائفة المسجد، فزجره الناس فنهاهم النبي -صلى الله عليه وسلم- فلما قضى بوله أمر بذنوب من ماء فأهريق عليه متن_ح> رسم> زاد مسلم اسم> في رواية: رسم> ثم إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دعاه فقال له: إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول والقذر، إنما هي لذكر الله تعالى والصلاة وقراءة القرآن متن_ح> رسم> .
وعن أبي هريرة اسم> رضي الله عنه قال: رسم> قام أعرابي فبال في المسجد، فتناوله الناس، فقال لهم النبي -صلى الله عليه وسلم- دعوه وهريقوا على بوله سجلا من ماء، فإنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين متن_ح> رسم> [رواه البخاري اسم> ] حديث> .
ولا خلاف أن البول ونحوه من النجاسات التي تصان عنها المساجد التي تشترط طهارتها، فتصان المساجد وفرشها وما يلحق بها من رحبات وأسطحة ونحوها عن جميع النجاسات، وتطهر متى وقع فيها شيء من ذلك.
وهكذا ورد تطهيرها عن الأقذار كالنخام، والمخاط، واللعاب، والدم، والقيح ونحوها، فقد روى البخاري اسم> ومسلم اسم> عن أنس بن مالك اسم> -رضي الله عنه- رسم> أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى نخامة في القبلة فشق ذلك عليه، حتى رؤى ذلك في وجهه، فقام فحكه بيده، فقال: إن أحدكم إذا قام في الصلاة فإنما يناجي ربه، فإن ربه بينه وبين القبلة، فلا يبزقن أحدكم قِبل قبلته، ولكن عن يساره أو تحت قدمه. ثم أخذ طرف ردائه فبزق فيه ثم رد بعضه على بعض فقال: أو يفعل هكذا متن_ح> رسم>
وفي رواية للنسائي اسم> رسم> رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نخامة في قبلة المسجد، فغضب حتى احمر وجهه، فقامت امرأة من الأنصار فحكتها، وجعلت مكانه خلوقا، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما أحسن هذا متن_ح> رسم> .
وفي الصحيحين أيضا عن ابن عمر اسم> رضي الله عنهما: رسم> أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى بصاقا في جدار القبلة فحكه، ثم أقبل على الناس فقال: إذا كان أحدكم يصلى فلا يبصق قبل وجهه، فإن الله قبل وجهه إذا صلى متن_ح> رسم> وفي رواية: رسم> فتغيظ على الناس ثم حكها، ودعا بزعفران فلطخه به متن_ح> رسم> .
وفي الصحيحين نحوه عن أبي سعيد الخدري اسم> ولأبي داود اسم> عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال بعد ما حكها: رسم> أَيَسُرُّ أحدكم أن يبصق في وجهه؟ فإن أحدكم إذا استقبل القبلة فإنما يستقبل ربه عز وجل، والملك عن يمينه، فلا يتفل عن يمينه ولا في قبلته .. متن_ح> رسم> إلخ. وفي رواية لأبي داود اسم> رسم> من دخل هذا المسجد فبزق فيه أو تنخم فليحفر فليدفنه، فإن لم يفعل فليبزق في ثوبه ثم ليخرج به متن_ح> رسم> .
وفي الصحيحين عن أنس اسم> رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: رسم> البصاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها متن_ح> رسم> .
وروى الإمام أحمد اسم> والطبراني اسم> نحوه عن أبي أمامة اسم> ولأحمد اسم> وأبي يعلى اسم> عن سعد بن أبي وقاص اسم> قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: رسم> إذا تنخم أحدكم في المسجد فليغيب بنخامته أن تصيب جلد مؤمن أو ثوبه فتؤذيه متن_ح> رسم> [ورجاله موثوقون] .
وهناك أحاديث كثيرة تدل على النهى عن البصاق والتنخم في المسجد، وفي بعضها تخصيص النهي بأن يبصق في القبلة أو عن اليمين، والإذن في البصاق عن اليسار أو تحت القدم اليسرى، ثم دلكها بالقدم، ولا شك أن البصاق والنخامة مما يستقذر في الطباع، ولذلك غضب النبي -صلى الله عليه وسلم- لما رأى البصاق في قبلة المسجد، حتى احمر وجهه، وسارع إلى حكه ثم لطخ مكانه بخلوق أو زعفران.
وقد علم أن المسجد إذا كان مبنيا من الطين، فحكه يسير، وأن الأرض ترابية يمكن دفن ما يقع فيها، أو إخراج ترابه المستقذر، وحيث إن المساجد في هذه الأزمنة قد أصبحت مبلطة، ومفروشة في الغالب بفرش نظيفة، تتأثر بالوسخ والقذر، ويظهر فيها أثر النخامة والدم والصديد ونحو ذلك، تعين المنع من البصاق فيها على الأرض مطلقا، سواء على الفرش أو في الحيطان، أو على البلاط، فمن بدره بصاق أو نخام فعليه أن يخرج لذلك، أو يبصق في منديل ويخرجه، أو في طرف ثوبه ويرد بعضه على بعض كما ذكر في الحديث، حتى يبقى المسجد نظيفا طيبا.
وقد ورد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: رسم> من أخرج أذى من المسجد بنى الله له بيتا في الجنة متن_ح> رسم> [رواه ابن ماجه اسم> عن أبي سعيد اسم> وفي إسناده لين] .
وفي السنن عن عائشة اسم> رضي الله عنها قالت: رسم> أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ببناء المساجد في الدور، وأن تنظف وتطيب متن_ح> رسم> قال سفيان اسم> بناء المساجد في الدور يعني: في القبائل. [وإسناده صحيح] .
وعن سمرة بن جندب اسم> أنه كتب إلى بنيه: رسم> أما بعد، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يأمرنا أن نصنع المساجد في ديارنا، ونصلح صنعتها ونطهرها متن_ح> رسم> [ رواه أبو داود اسم> حديث> وهو حديث حسن] . فيدخل في تنظيفها إزالة الأقذار عنها، وكذا الروائح الخائسة، فإنها مما تنفر المصلين، وكذا تؤذي الملائكة، وقد وودت الأحاديث في مثل ذلك.
ففي الصحيحين من حديث جابر اسم> أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: رسم> من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا، أو ليعتزل مساجدنا وليقعد في بيته متن_ح> رسم> وفي رواية: رسم> من أكل البصل والثوم والكراث فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى بما يتأذى منه بنو آدم متن_ح> رسم> .
قال ابن الأثير اسم> في جامع الأصول: ليس البصل والثوم من باب الأعذار في الانقطاع عن المساجد، وإنما أمرهم بالاعتزال عقوبة لهم ونكالا؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- كان يتأذى بريحها اهـ.
ولا شك أن الصحابة لم يجعلوا أكل البصل والثوم عذرا لهم، ويتوسلوا به إلى هجر المساجد، بل فهموا النهي عن أكل هذه البقول، ولسان حالهم يقول: نترك كل شيء يحول بيننا وبين المساجد التي يتنافس بالصلاة فيها، وإن احتيج إليها أكلوها في الوقت الطويل كبعد الفجر أو بعد العشاء، بحيث يزول ريحها قبل وقت الصلاة، أو أكلوها بعد ما تطبخ ويذهب ريحها.
ويلحق بها كل ما له رائحة منتنة مؤذية كدخان التبغ والجراك، لكن لا يكون تعاطيه عذرا للمدخنين في ترك الجماعة، وإنما ينهون عن تعاطيه قرب وقت الصلاة، حتى لا يتأذى المصلون والملائكة والله أعلم.
ومما تنزه عنه المساجد الحذاء المتسخة التي تحمل قذرا أو نجاسة، أو لوثا ووسخا تتسخ بها فرش المسجد وسجاده، وأرضه النظيفة، مع العلم أنه يجوز أن يصلى بالنعال النظيفة، فقد روى أبو داود اسم> عن أبي سعيد اسم> رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: رسم> إذا جاء أحدكم المسجد فلينظر، فإن رأى في نعليه قذرا أو أذى فليمسحه وليصل فيهما متن_ح> رسم> [وإسناده صحيح ] .
وعن شداد بن أوس اسم> أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: رسم> خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في خفافهم ولا نعالهم متن_ح> رسم> [رواه أبو داود اسم> والحاكم اسم> وصححه ووافقه الذهبي اسم> ] .
وفي الصحيح عن أنس اسم> أنه سئل: رسم> أكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي في نعليه؟ قال: نعم متن_ح> رسم> .
ولعل السبب كان مشقة اللبس والخلع، لحاجتهم إلى ربط الشسع والشراك، فأما في هذه الأزمنة فتوجد أحذية لا تحتاج إلى الحزام والربط، فيسهل خلعها ولبسها من قيام، فيفضل خلعها، حيث إن المساجد قد فرشت غالبا، وتتلوث بالغبار والتراب الذي لا تخلو منه الأحذية، وكذا ما يوجد في الطرق من المستنقعات والمياه العكرة، وقد هيئ غالبا للأحذية أماكن مخصصة توضع فيها إذا خلعت، مع جواز الصلاة فيها إذا تحققت نظافتها للأحاديث المذكورة.
مسألة>