إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به)    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه
الجواب الفائق في الرد على مبدل الحقائق
39505 مشاهدة
أما النداء لغير الله فيرجع إلى عقيدة الداعي، والجواب عن ذلك

فقول هذا الكاتب: أما النداء لغير الله فيرجع إلى عقيدة الداعي، إن كان يعتقد فيمن يناديه أنه يضر وينفع ويعطي ويمنع من غير إذن الله فقد أشرك.


نقول: إن دعاء غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله شرك مطلقا، سواء كان المدعو ملكا أو نبيا، أو وليا أو جنيا أو صالحا، أو شريفا أو سيدا، أو شجرا أو قبرا، أو غير ذلك، فأما إن دعا إنسانا حيا حاضرا قادرا، وطلب منه ما يقدر عليه كقوله: يا فلان اسقني، أو أطعمني، أو احملني، أو احمل رحلي، ونحو ذلك؛ فهذا جائز، وهو من الأفعال المحسوسة التي لا يزال الناس يفعلونها ويعين بعضهم بعضا على فعلها، وكذا إن قال: يا فلان ادع الله لي بالمغفرة والجنة، أو أشركني في صدقاتك أو وقفك أو دعواتك ونحوها؛ فإن دعاء المسلم لأخيه بظهر الغيب مما يثيبه الله عليه.
وهذا بخلاف ما إذا قال: اغفر ذنبي، وأدخلني الجنة، أو خذ بيدي عن النار ونحو ذلك؛ فإن هذا لا يجوز فعله مع الحي فضلا عن الميت؛ لأنه مما لا يقدر عليه إلا الله، فلا يطلب إلا منه تعالى.
فنحن نستدل بفعل الإنسان على عقيدته، فمتى رأينا شخصا وقف عند قبر إنسان معظم في نفسه، وخضع برأسه وتذلل وأهطع وأقنع وخشع، وخفض صوته وسكنت جوارحه وأحضر قلبه ولبه أعظم مما يفعل في الصلاة بين يدي ربه عز وجل، وهتف باسم ذلك المقبور، وناداه نداء من وثق منه بالعطاء، وعلق عليه الرجاء ونحو ذلك؛ فإننا لا نشك أنه -والحالة هذه- يعتقد أنه يعطيه سؤله ويدفع عنه السوء، وأنه يستطيع التصرف في أمر الله؛ ففعله هذا دليل سوء معتقده، فلا حاجة لنا أن نسأله: هل أنت تعتقد أنه يضر وينفع من غير إذن الله.
فالله تعالى ما كلفنا أن ننقب عن قلوب الناس، وإنما نأخذهم بموجب أفعالهم وأقوالهم الظاهرة، وهذا الشخص قد خالف قول الله تعالى: وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ وقد رأينا خشوعه وتذللـه أمام هذا المخلوق الميت، وذلك هو عين العبادة كما عرفنا، فنحكم عليه بموجب فعله وقوله بأنه قد أشرك بالله وتأله سواه.
فإن الإله هو الذي تألهه القلوب وتعظمه، وتحبه وترجوه وتخافه، وتعامله بما لا يصلح إلا لله، ولو لم يسمه الفاعل إلها، ولو لم يسم فعله تألها وتعبدا؛ فإن العبرة بالحقائق وما في نفس الأمر بخلاف الأسماء، فأهل هذا الزمان لما جهلوا حقيقة العبادة والتأله والدعاء ونحوه، الذي هو من حق الله، ولم يعرفوا معانيها وأصل وضعها صرفوها لغير الله، وسموا ذلك توسلا واستشفاعا وتبركا واحتراما، وهو عين عبادة ذلك المخلوق وعين الشرك الذي توعد الله عليه بالنار وحرمان الجنة.