شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه.
تفسير آيات النكاح من سورة النور
23541 مشاهدة
تقديم محبة النبي صلى الله عليه وسلم شرط لكمال الإيمان

ذكر بعد ذلك حديثين وأثرًا أو أثرين، فالحديث الأول عن أنس والثاني أيضًا عن أنس قوله صلى الله عليه وسلم: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين .
الإيمان هاهنا هو الإيمان الكامل أو أصل الإيمان؛ أي لا يكون صادقًا في أنه مؤمن، أو لا يكون كامل الإيمان بحيث يمنعه إيمانه عن المعاصي، أو بحيث يكون إيمانه حاملا له على الطاعات. لا يكون كامل الإيمان أو لا يكون معه إيمان موجود حتى يقدم محبة النبي صلى الله عليه وسلم: حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين .
مثل بالأقربين الولد. عادة يحب أولاده ويفديهم بكل ما يملك، ووالده أي أبويه؛ وذلك لأنهما اللذان نفعاه وقاما بتربيته، ثم قال: والناس أجمعين .
المراد بالمحبة هاهنا المحبة الدينية، وليست المحبة القلبية؛ فالإنسان يحب ولده محبة قلبية ولكن لا يجوز أن يقدم هذه المحبة القلبية لولده على محبة الله تعالى ورسوله؛ ولأجل ذلك لو رأى من ولده أو والده معصية أو ذنبًا؛ فإنه لا يوافقه على ذلك.
ولو أمره الله تعالى بأمر، وأمره النبي صلى الله عليه وسلم بأمر؛ فإنه يقدم أمر الله إذا لم يجتمعا إذا تعارض أمر الله وأمر غيره؛ ولذلك قال في الحديث: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .
ثم في الحديث أنه يقدم محبة النبي صلى الله عليه وسلم على محبة هؤلاء، وكان الصحابة رضي الله عنهم على هذه الصفة، ذكروا أن: عمر رضي الله عنه قال يا رسول الله: والله لأنت أحب إلي من كل شيء حتى إلا من نفسي؛ فقال: لا يا عمر حتى أكون أحب إليك من نفسك؛ فقال: والله لأنت أحب إلي من كل شيء حتى من نفسي، فقال: الآن يا عمر الآن صدقت .
صحابة النبي صلى الله عليه وسلم يحبونه من كل قلوبهم؛ ولأجل ذلك يفدونه بأنفسهم. إذا رأوا مثلًا من يحاول قتله فإنهم يفدونه. أبو بكر رضي الله عنه لما كان في سفر الهجرة كان لما كانا سائرين يسير خلفه أحيانًا ثم يسير أمامه، لماذا فيقول: أخشى عليك من الطلب فأسير خلفك وأخشى عليك من الرصد فأسير قدامك، والأمثلة على ذلك كثيرة.