جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية.
حقيقة الالتزام
19148 مشاهدة
الدعوة إلى الله

رابعًا: من أعمال الملتزم والمستقيم: الدعوة إلى الله:
وبعد أن يمنَّ الله عليك، ويكمل التزامك، وتكمل استقامتك ، وتكمل نفسك فتطهرها من المعاصي، وتهذبها على الطاعة ، وتستقيم على السنة وتعمل بها.
ماذا يجب عليك بعد ذلك يا أخي؟‍ ‍       يجب عليك أمر مهم وعمل من أهم أعمال الملتزم والمستقيم، هذا الأمر هو الدعوة إلى الله.
      الدعوة إلى الله من خلال دعوة إخوانك الأشقاء، ودعوة إخوانك من الأصدقاء والزملاء، ودعوة جلسائك ومحبيك ونحوهم ، ولا شك أن هذا من واجب المسلم نحو إخوانه ، وما ذاك إلا أنه إذا لم يدعهم فإنهم سوف يدعونه إلى باطلهم وضلالهم.
      أخي الشاب المسلم الملتزم والمستقيم ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍!! ‍‍‍‍‍‍‍ ‍‍‍‍‍‌‍ ألستَ تحب أن يكثر أتباعك وأعوانك ؟
ألستَ تحب أن يكثر أنصارك الذين يذبون عنك ؟
ألست تحب أن يكثر أهل الخير وتحب أن يكون شبابهم وأولادهم على الدين الحنيف ؟‍! إذا كنت تحب ذلك؛ فابذل ما تستطيعه من الأسباب، فتأخذ بأيدي إخوانك وتسير بهم معك على الطريق الذي أنت تسير عليه ، وتحرضهم على أن يلتزموا ويستقيموا عليه ، كما استقمت أنت عليه .
أيها الإخوة ‍‍‍!! ما أحوجنا إلى كثرة الدعاة ، وما أحوجنا إلى كثرة المعلمين والمرشدين ونحوهم؛ فلأجل ذلك عليكم بالدعوة إلى الله بكل ما تستطيعون حتى يكثر الدعاة، ويكثر أهل الخير في كل مكان.
      وعليكم أيها الإخوة ! أن لا تيأسوا بسبب كثرة المنكرات ؛ بل عليكم أن تبذلوا قصارى جهدكم في دعوة إخوانكم، ولو كانوا بعيدين عن الاستقامة؛ بل ولو لم يستجيبوا من أول مرة، ولكن ادعهم مرارًا وتكرارًا فلعل بعد زمن أن منهم من يستجيب لدعوتك ويصبح من أهل الاستقامة والصلاح بإذن الله.
لقد سرنا - والحمد لله - ما نراه من كثرة المكاتب التعاونية، وكثرة الدعاة الذين يدعون إلى الله، ولكن وجدنا منهم من يستنكف عن الدعوة إلى الله، ويعلل هذا التقاعس بأن أهل الشر أكثر، وأن المنحرفين أكثر ، وأن أهل الاستقامة وأهل الالتزام وأهل الطاعة أقل من غيرهم؛ بل ونجدهم يقتصرون على أنفسهم ولا يقومون بدعوة غيرهم، ولا شك أن هذا خلل ونقص في حقيقة الالتزام.
      أيها الأخ الداعية، اقرأ قول الله تعالى : إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ فقد بين - سبحانه - أن أهل النجاة هم الذي آمنوا، ثم بعد ذلك عملوا الصالحات، ولم يقتصروا على هذا فقط ؛ بل قاموا بدعوة غيرهم، فتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ،إنهم لم يقتصروا على أنفسهم؛ بل تعدى الأمر إلى غيرهم.
فعلينا أن نتواصى فيما بيننا، فإنا بحاجة إلى ذلك ، حتى الملتزم والمستقيم منّا، وكل منّا بحاجة إلى أن يوصي صديقه وزميله وأخاه وقريبه، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يوصي أصحابه كما في الحديث الذي رواه أبو ذر رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن .
      والتواصي بالحق: أن تعرض المسألة على أخيك.
      فإذا رأيته وقد أخل بسنة فتنصحه بأن يتمسك بها، وتبين له الدليل عليها حتى يعمل بها.
وإذا كان واقعًا في معصية، فتقول له: أليس فعلك لهذه الجريمة ولهذه المعصية ذنبًا تأثم عليه ؟!!       ثم أليس هذا الذنب أو هذه المعصية تقدح في عدالتك وتقدح في استقامتك ، فلماذا تصر عليها ؟!! ثم أليست هذه المعصية تنقص إيمانك وتنقص طاعاتك وتنقص حسناتك، وتزيد من سيئاتك، فلماذا تصر عليها ؟!! فإذا أجاب بجواب غير مقنع ، فعليك أن تبين له الجواب الصحيح مستندًا إلى الأدلة في ذلك من الكتاب والسنة ، ومن ثم تبين له الطريق المستقيم وتحثه عليه، وتحثه على أن يترك هذه الشبهات والضلالات، وأن يتمسك بالسنة حتى يكون من أهل الخير وأهل النجاة بإذن الله تعالى.